هذه هي الفروقات بين تركيا والبلاد العربية !
 

(1)

بغض النظر عن نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية في تركيا، إلا أن ما لفت نظري هو «المجتمع الحي» الذي يشهد تنافسا وحملات للمؤيدين للتعديلات، وحملات مضادة للمعارضين لها. أجواء ديمقراطية هي أقرب إلى الحلم لنا في عالمنا العربي المنكوب بـ»الصوت الواحد»، والمنقوع في القهر والعبودية.

(2)

طريقة القائمين على السلطة والانتخابات والاستفتاءات في العالم العربي، تتلخص في ثلاثة أمور:
أولا: إدارة الدولة بأسلوب الموظف الحكومي البيروقراطي الفاشل، وفق فكرة «تستيف الدفاتر». فليس مهما إجراء انتخابات أو استفتاء نزيه يضم كل الأطياف السياسية. المهم أن «الشكل» موجود، ودفاتر الناخبين حاضرة وفي جيوبنا، والباقي يتم تدبيره بمعرفتنا!

ثانيا: هذا الموظف ليس فاشلا فقط، ولكنه «مزوّر» وأبله. فليس مهما حضور ناخبين أو غيره. هذا أمر تافه مقدور عليه، فإن حضر %2 ممن لهم حق «التصويت.. على جثة الوطن»، فإن النسبة بقدرة قادر فاجر تصبح أكثر من %90، ولو كانت اللجان خاوية على عروشها فإن التبريرات جاهزة: «الناس لم تذهب لأنها واثقة في الزعيم الحاكم ومطمئنة لوجوده، وبالتالي لا يهمها من ينجح في أي انتخابات برلمانية أو بلدية أو استفتاء».

ثالثا: البجاحة، إن هذا الموظف وأذرعه الإعلامية يعلنونها صريحة: «الشعب سواء راح انتخب أو غاب.. فالانتخابات جاهزة وبيهم من غيرهم الدنيا هتمشي».

(3)

لا داعي لاستحضار كوميديا المرشحين في أمة العرب. فنحن أصلا لسنا إزاء مرشحين بالمعنى المفهوم، بل أمام عدد مهول من «الأراجوزات» و»الطراطير» المتنافسين في إرضاء «ساكن قصر» الجاه والصولجان.

في الانتخابات العربية، يفضلون أن ينجح «الشتّام» شبه الأمي، على أكاديمي مرموق. السلطة تتخلص أصلا من المبدعين وأصحاب العقليات الكبيرة. جسدها يطرد لا إراديا الأجسام الغريبة عنها. في غالبيتها هي سلطات جاهلة، وبالتالي لا تنسجم مع عقليات أكاديمية وراقية. إنها لا تريد أن تسمع سوى عبارة «علم وينفذ»، امتدادا لعقلية تنفيذ الأوامر أو إصدار الأوامر التي لا تعرف غيرها العقليات الديكتاتورية. أما الحياة المدنية بما تتطلبه من مناقشات وإقناع، فهي أمور لا تعرفها الدول المتسلطة.

(4)

ديكتاتوريات العرب رسخت منذ عصر الاستقلال مبدأ «النجم الأوحد». فلا نجم غير الزعيم القائد. الحاكم يضم إلى حاشيته عديمي الموهبة. وإذا تجاوز أحدهم عن الإطار المرسوم له واتضح أنه يحظى بجزء من الشعبية تكون أيامه سوداء، ويخرج من السلطة إلى ما وراء الشمس. 

هذا المبدأ ينتقل سريعا لكل مؤسسات دولنا البائسة. فمن يجلس على كرسي الإدارة لا يقرب منه إلا «المخبرين» و«النمامين» والأقل منه كفاءة، ومن لا يعرفون سوى ثقافة الخضوع والخنوع.

(5)

حالة «النجم الأوحد» في السياسة وخوفه من المبدعين، انتقلت من قصور الحكم إلى بلاتوهات السينما. الفنان القدير عادل أدهم كانت موهبته المتدفقة وحضوره الطاغي وسرقته الكادر بمجرد أن ينطق وحتى قبلها، عاملا سلبيا في حياته، رغم أن المفترض أن تكون هذه المقومات عاملا إيجابيا ومساعدا على تقدمه للأمام ووصوله إلى المكانة التي يستحقها. لكن ما حدث أن كثيرا من النجوم الكبار كانوا يرفضون أن يشاركهم أعمالهم حتى لا يخطف الضوء منهم. 

المتسلطون العرب في ورطة بعد استفتاء تركيا، لكن المدهش أن صبيانهم يتهمون أردوغان المنتخب بالتسلط!