«الموارنة جنس عاطل»، «الشيعة إلهن دنب»، «السنة دواعش»، «تعشّى عند الدرزي ونام عند الماروني»، «الروم إسلام المسيحية»... أمثال شعبية مُتوارثة، حفظها ويُردّدها جيل الشباب، اقتناعاً أو فرضاً مع كلّ المترتبات الأخرى التي تأتي «full package» مع هويته الطائفية. رغم أننا كنا جالسين في مكان واحد في بيروت، إلا أنّ يحيى جابر «طلّعنا بالبوسطة» وأخذنا في جولة في أحياء العاصمة بتفاوتاتها الطائفية، المذهبية، الطبقية والمناطقية.
 

17 شاباً وشابة أدلّاء عرّفونا إلى أنفسهم، إلى ما يُمثلون وإلى من يُمثّلون. «هنا بيروت». من رأس بيروت إلى ضاحيتها الجنوبية... بين طريق الجديدة وخندق الغميق، ما زالت «الحرب» تغوي الشباب. بالطائفية، بالعنصرية، بالتمييز، بالتفقير، بالتجهيل، بغسل الأدمغة. بالمخدرات، بالتجييش... بإثارة الغرائز. وما أدراك بأساليب إغرائها. هنا، وُلِدت ونضجت، وعاشرت، واغتصبت، وحبِلت، وأنجبت... للغاوية «قوّادها»، وللقوّاد قائده، وللقائد مرجعيته، وللمرجعية امتدادها... أهلاً بكم، هنا بيروت.في مسرحية «هنا بيروت»، لم «يؤلّف» الكاتب والمخرج يحيى جابر أيّ حكاية أو خبريّة. جمع حكاياتنا وخبرياتنا، جمع أفكارنا الطائفية ونظراتنا التمييزية. من أحياء بيروت المُعبّرة عن لبنان الـ10452 كلم، جمع «حَكيات» الناس ونقلها بلسان شبّان وشابات إلى خشبة المسرح. وأهمّ ما جمعه المسرحي «المتمرّس بيروتياً»، هو 17 شاباً وشابة من مناطق بيروتية مختلفة.

جمعهم على المسرح، حيث واجهوا بعضهم البعض وأفرغوا كراهيتهم تجاه الآخر. وجمعهم في الكواليس وخلال التدريب، فتعرّفوا إلى بعضهم البعض واكتشفوا أنّ اختلافاتهم مجرّد كذبة.

أن الاختلافات الحقيقية بينهم كأناس وكشباب، ليست أكثر من «فرق» بنوعية أو لون الشعر، أو بالطول أو بالمواهب... جميعهم يشعرون، جميعهم يحملون الأحلام، جميعهم تُغرقهم البطالة، جميعهم يريدون العيش، جميعهم يريدون الرقص أو الغناء أو التمثيل... جميعهم يحبّون ويريدون أن يُحَبوا. جميعهم تجرحهم التعليقات المُسقطة عليهم.

«فلسطيني وبحطّ جيل وبغنّي راب»؟، «محجبة من الجنوب واسمها سوزان!»، «سني من طريق الجديدة ومن عَيلة كاستيرو! NoWay»... التمييز حتى وصل بين سنّة راس بيروت وسنّة طريق الجديدة، أو بين شيعة بيروت وشيعة الجنوب.

أبطال مسرحية «هنا بيروت»، هم أبطال الواقع. فرّقهم الواقع افتراضياً، وجمعتهم المسرحية حقيقة. يلتقون على «مفرق طرقات» الحياة في «قهوة هنا بيروت» في منطقة بشارة الخوري. أدم حمود (16 عاماً، بشارة الخوري)، محمد علي أبو صالح (23 عاماً، طريق الجديدة)، محمد عياش (22 عاماً، خندق الغميق)، عدنان كاستيرو (25 عاماً، طريق الجديدة)، ادونا حمود (17 عاماً، بشارة الخوري)، زكريا الشوحة (17 عاماً، بربير)، محمد حمادة (16 عاماً، برج ابي حيدر)، محمد شلبي (17 عاماً، طريق الجديدة)، سهيل زايد (18 عاماً، كورنيش المزرعة)، يوسف شنواني (17 عاماً، طريق الجديدة)، فاطمة عيتاني (21 عاماً، رأس بيروت)، زايد كندو (19 عاماً، المدينة الرياضية)، علي دولاني (21 عاماً، صبرا)، جاد حاموش (18 عاماً، الضاحية الجنوبية) ومحمد شقير (20 عاماً، البسطة).

لم يلبسوا لا الأثواب ولا الأدوار التمثيلية. وقفوا للمرة الأولى على خشبة المسرح، خلعوا حجاب السرية وتعرّوا من الخوف. عبّروا عن هواجسهم ومخاوفهم، عن كراهيتهم، عن حقدهم، عن موروثاتهم، عن نظرتهم للآخر، عن عنصريتهم... والأهمّ عن مواهبهم.

في أحياء بيروت الفقيرة المُهمّشة، هناك حيث يُستخدم التفقير كسياسة من أجل التجهيل وبالتالي السيطرة على «الفقراء المعترين اللي ما إلن غير مرجعيتهم»، هناك كان لمواهب مدفونة الحظّ بأن نَفض عنها يحيى جابر، بمبادرة من جمعية «مارش»، رماد الحرب، وأخرجها إلى ذاتها، إلى الحياة.

شابّات وشبّان، يقفون للمرة الأولى على خشبة المسرح، عدد منهم عاطل عن العِلم والعمل، أظهروا أنّ الموهبة من «الله»، وأنّ طمسها من مستغلّي اسم الله، بأسمائه المختلفة.

المسرحية التي تدور أحداثها في «قهوة هنا بيروت»، هي عبارة عن تجارب أداء لاكتشاف مواهب فنية شابة. إنها ليست مسرحية. فأهمّ ما نتج عن هذا العمل، هو فعلاً اكتشاف مواهب. صوت محمد علي صالح وعزفه على العود، حضور «العياش» وأداؤه التمثيلي... موهبتان على الأقل أنقذهما يحيى جابر، من القتل.

«هنا بيروت» ليست مسرحية بل مشروع جمع ودمج وفضح وتوعية، يأتي بعد مسرحية «حب وحرب على السطح»، التي جمعت شباباً من «باب التبانة» و«جبل محسن»، فكانت كجزء من مشروع «مارش» لحلّ وفض النزاعات، ونشر ثقافة الحب والسلام، من خلال الأعمال الثقافية والفنية.

المسرحية، تكتفي بالكشف، ليس فقط محاولة كشف الشباب المجموعين في القهوة عن هوية الانتحاري الفار بين منطقتي بشارة الخوري ورياض الصلح الذي قد يكون أحدهم، بل أيضاً الكشف عن الحقيقة، الكشف على الجرح. أسبابه وسبل معالجة الجرح والكراهية لم يدّع يحيى جابر أو أبطاله معرفتها. هنا مسرح البوح.

الذين شاهدوا مسرحية «هنا بيروت» في مسرح المدينة في الحمرا، عشية الذكرى الـ42 على اندلاع نيران الحرب اللبنانية، ومن بينهم رئيس الحكومة سعد الحريري وعدد من المسؤولين الحاليين والسابقين، ضحكوا كثيراً وصفّقوا كثيراً. تجارب الأداء في المسرح مُضحكة، وعلى خشبة الحياة مُبكية. على خشبة المسرح السقوط قيامة. على خشبة الحياة السقوط، قتلى وقلوب مثقوبة من أداء تجارب «الممثِّلين».

• بعد عرضها في «مسرح المدينة» وفي «تياترو فردان»، تُعرض مسرحية «هنا بيروت»، بمبادرة من جمعية «مارش» برئاسة ليا بارودي، وبرعاية الرئيس سعد الحريري وبدعم من السفارة البريطانية في لبنان، مجاناً يوم الجمعة 21 نيسان، الثامنة مساءً في مسرح «دوّار الشمس»، الطيونة.