عودة إلى الستين أو تقسيم النيابة كما تشتهي السلطة وأصحابها

 

المستقبل :

غابت المفاجآت عن الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الفرنسية، وكما توقعت استطلاعات الرأي منذ أسابيع، تأهل مرشحا الوسط واليمين المتطرف ايمانويل ماكرون ومارين لوبن الى الجولة الثانية الحاسمة التي ستشهدها فرنسا في السابع من أيار المقبل، مع تقدم سجله ماكرون الذي حل أولاً في السباق إلى الإليزيه، بعدما أظهرت التقديرات الأولية للنتائج أمس تقاسم المرشحين الرئيسيين الصدارة بنحو 23 في المئة من إجمالي الأصوات لكل منهما.

وبلغت نسبة المشاركة في هذه الجولة 77 في المئة من إجمالي الناخبين الفرنسيين. وبُعيد إقفال صناديق الاقتراع في الثامنة مساء بتوقيت باريس، صدرت

استطلاعات آراء إغلاق صناديق الاقتراع وعممت نتائج أولية على شكل نسب مئوية جاءت كما يلي: مرشح حركة «آن مارش» الوسطية ايمانويل ماكرون 23 في المئة (على الأقل) من إجمالي الأصوات، مرشحة حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف مارين لوبن (بين 21 و23 في المئة)، مرشح حزب «الجمهوريين» اليميني المعتدل فرانسوا فيون 19 في المئة (على الأقل)، مرشح حركة «فرنسا غير الخاضعة» اليسارية المتشددة جان لوك ميلانشون 19 في المئة، مرشح الحزب الاشتراكي - اليساري المعتدل بنوا هامون 7 في المئة، مرشح حزب «نهضة الجمهورية» اليميني المعتدل نيكولا ديبو- انيان 5 في المئة، والمرشحون الباقون جاك شوميناد وجان لاسال وناتالي ارتو وفرانسوا اسيلينو وفيليب بوتو راوحت نتائجهم بين 0,5 و2 في المئة من اجمالي الأصوات.

واحتشد أنصار ماكرون هاتفين «ماكرون رئيساً» قبل أن يعتلي مرشحهم المنصة ويشكر جميع الناخبين الذين منحوه ثقتهم، ويقول بصدد حركته السياسية اليافعة التي لم تكمل عامها الأول، إنه «في أقل من عام تمكنا معاً من تغيير وجه السياسة في فرنسا. لقد قال الشعب الفرنسي اليوم كلمته. اخترتم اليوم التغيير والخروج عن الأحزاب التقليدية التي حكمت البلاد منذ أكثر من 30 عاماً». 

وأضاف ماكرون «إن صوتكم اليوم هو صوت لفرنسا وأوروبا». وتابع «آمل أن أكون رئيسكم المقبل، رئيساً لكل الفرنسيين في وجه التهديد القومي المتطرف». وشدد على أنه «لا يوجد إلا فرنسا واحدة، ونحن سنعمل معاً على إعادة بناء الوحدة الأوروبية. إنها مهمة صعبة لكننا قادرون معاً على إنجازها». وختم ماكرون جازماً «سيكون الفوز من نصيبنا. عاشت الجمهورية. عاشت فرنسا». 

وكان الناطق باسم حملة ماكرون أعرب عن فرحة مؤيديه بالنتيجة قائلاً «إننا نفتح صفحة جديدة في تاريخ فرنسا السياسي».

وعلى الفور دعا جميع السياسيين المعتدلين يميناً ويساراً (مثل رؤساء الوزراء السابقين آلان جوبيه وجان بيار رافاران ومانويل فالس ورئيس الوزراء الحالي برنار كازونوف والمرشحان الخاسران الجمهوري فرانسوا فيون والاشتراكي بنوا هامون) الناخبين الى الالتفاف حول ايمانويل ماكرون في جولة الحسم من أجل إلحاق الهزيمة بمشروع اليمين المتطرف وزعيمته مارين لوبن. 

وبنظر استطلاعات الرأي والمراقبين وخبراء السياسة الفرنسية فمن شبه المؤكد أن ماكرون (39 عاماً) سيكون الرئيس المقبل للجمهورية الفرنسية خلفاً للرئيس الحالي فرانسوا هولاند، لأن غالبية الناخبين الذين يصوتون عادة لليمين المعتدل واليسار والوسط سيصوتون جميعاً له مما يجعل درب لوبن للفوز في السابع من أيار مسدودة تماماً. وأمس أكد قصر الإليزيه في بيان أن الرئيس فرانسوا هولاند اتصل بماكرون وهنأه على النتيجة.

ووصفت مارين لوبن نتيجة الأمس بالـ«تاريخية». أضافت «لقد أنجزنا الخطوة الأولى»، وأشارت الى أن «المنظومة السياسية في فرنسا حاولت بشتى الوسائل خنق الجدل السياسي الكبير الذي يجب أن يحدث في هذه الانتخابات. والآن هذا النقاش الكبير سيحصل أخيراً. وعلى الفرنسيين اغتنام هذه الفرصة التاريخية». 

وختمت لوبن خطابها داعية الشعب الفرنسي للتصويت من أجل التغيير والتحرر من قيود السياسة التقليدية فقالت «لقد حان الوقت لتحرير الشعب الفرنسي، أنا مرشحة الشعب. إن بقاء فرنسا أصبح على المحك أكثر من أي وقت مضى».

وتوضح نتيجة الأمس نقمة الفرنسيين الواضحة على الحزبين التقليديين «الجمهوريين» و«الاشتراكي» اللذين تبادلا السلطة بين انتخابات رئاسية وأخرى على مدى أكثر من 3 عقود، وهذه المرة خرج مرشحاهما فيون وهامون من المعركة الديموقراطية من الجولة الأولى. وفي حال فوز ماكرون في جولة الحسم في 7 أيار المقبل سيصبح أول رئيس في تاريخ فرنسا يدخل الإليزيه من دون شغل أي مقعد منتخب (سواء في البرلمان أو في أي مجلس بلدي)، إذ إنه لم يكن يوماً نائباً ولم يُنتخب لأي منصب في السابق. كما أن خبرته في الحياة الحكومية وإدارة الشؤون العامة لا تتعدى سنتين أمضاهما وزيراً للاقتصاد بين عامي 2014 و2016.

ولا شك في أن لوبن ستحاول جهدها خلال الأسبوعين المقبلين التخفيف من وجهات النظر المتطرفة أملاً في إقناع بعض الناخبين بأنها جديرة بتحمل مسؤولية كبرى كرئاسة الجمهورية الفرنسية. ولا شك أنها ستركز على موضوع الأمن المتفلت الذي أدارته بشكل فاشل الحكومات التقليدية المتعاقبة. وهذا برأيها «ما حول فرنسا الى مسرح للعمليات الإرهابية من شتى الأنواع والأشكال»، كما أنها ستذكر الناخبين وبخاصة اليمينيين منهم بأن منافسها ماكرون كان حتى الأمس القريب عضواً في الحزب الاشتراكي وكان وزيراً في حكومة مانويل فالس، لتحاول تحت هذا الشعار إقناع الناخبين الراغبين في التغيير بالتصويت لها.

 

الديار :

يوحي تدفق الاقتراحات الانتخابية، في وعاء الوقت الضيق، باحتمالين اثنين، فاما ان التفاعل بين الافكار المنهمرة سينتج قانونا في اللحظة الاخيرة، واما ان كثرة الطروحات كانعدامها، على قاعدة ان «الزائد خي الناقص»، لانها تخلط الحابل بالنابل وبالتالي لن يعود هناك مشروع واحد على الطاولة يمكن الارتكاز عليه في النقاش.
انها «فوضى المشاريع» التي قد تزيد الامور تعقيدا، إلا إذا كانت من نوع «الفوضى الخلاقة»، (لكن ليس على الطريقة الاميركية)، فتلد في نهاية المطاف قانونا للانتخاب لا ازمة جديدة، وإن يكن هناك من يعتقد ان الخيار الضمني لدى اصحاب النيات المضمرة بات محصورا بين حدي التمديد و«الستين». 
وبعد مشاريع الوزير جبران باسيل وآخرها «التأهيلي»، ادلى النائب وليد جنبلاط بدلوه، فيما اللجنة الوزارية التي شكلتها الحكومة لمناقشة قانون الانتخاب لم تجتمع سوى مرة واحدة، ثم غابت عن السمع، ما اثار استغراب عضو بارز فيها، ابلغ ان تهميش دور اللجنة مستهجن ومريب.
وتفيد المعلومات ان الرئيس سعد الحريري ابلغ اعضاء اللجنة، في اجتماعها اليتيم، انه بات يشجع النسبية الكاملة ويعتبر انها حل ممكن، مقترحا اعتمادها الى جانب مجلس الشيوخ في رزمة واحدة، وهو طرح يتقاطع مع ما سبق ان اقترحته اطراف اساسية أخرى، الامر الذي دفع قطب  سياسي الى التساؤل عن طبيعة القطبة المخفية التي لا تزال تمنع اقرار هذا الحل القائم على تلازم انشاء مجلس شيوخ وفق «الارثوذكسي»، وانتخاب مجلس نيابي على اساس النسبية الشاملة. 
وللمرة الثانية خلال وقت قصير، أبدى البطريرك الماروني بشارة الراعي عدم ممانعته في حصول الانتخابات على اساس «الستين»، وهو ما قاله امس في عظة الاحد انه اذا لم يتم اقرار قانون جديد فليس عيبا الاقرار بالفشل واجراء الانتخابات وفق القانون النافذ حاليا.
ويبدو ان موقف البطريرك المتكرر ولّد انزعاجا لدى ثنائي «التيار الحر» ـ «القوات اللبنانية»، باعتباره يؤمن التغطية المسيحية لأحد أسوأ السيناريوهات بالنسبة الى الرابية ومعراب.
وتقول اوساط مسيحية مقربة من هذا الثنائي ان الراعي يفترض على الارجح ان اي قانون انتخابي يمنح الارجحية لـ«التيار» و«القوات» سيُضعف دوره وتأثيره، مشيرة الى انه بات يتقاطع في منطلقاته مع حسابات القوى المسيحية المستقلة التي تملك الهواجس ذاتها، كحزب الكتائب وتيار المردة وبطرس حرب وميشال المر...
وتلفت الاوساط الانتباه الى ان الراعي يريد حماية حجم المستقلين المسيحيين ودورهم في مواجهة تكامل «التيار»- «القوات» ومفاعيله السياسية.
وتعتبر الاوساط ان خطورة موقف بكركي تكمن في ان البعض قد يرتكز عليه لمحاولة تمرير «الستين»، على قاعدة ان هناك غطاء مسيحيا لهذا القانون عبر الكنيسة المارونية.
وتشير الاوساط المسيحية الى ان من بين اهداف كلام الراعي مد الجسور مع المرجعيات الاسلامية، الامر الذي يفسر كيف ان الرئيسين بري والحريري والنائب جنبلاط، سارعوا الى التقاط كلامه والبناء عليه، كلٌ على طريقته.
وتؤكد الاوساط ان الثنائي المسيحي لا يمكن ان يوافق على اعادة احياء «الستين»، تحت اي ظرف او اعتبار، لان من شأن هذا القانون ان يعيد تجديد الخلل والغبن في التمثيل المسيحي لاربع سنوات جديدة، وهو امر من غير الوارد القبول به، لافتة الانتباه الى ان «الستين» لا يأتي سوى بقرابة 33 نائبا باصوات المسيحيين الذين يرفضون استمرار هذه المظلومية.
اما صيغة «التقدمي الاشتراكي» (64 اكثري في 26 دائرة، و64 نسبي في 11دائرة)، فقد اتت طليعة الاعتراضات عليها من «التيار الحر» و«القوات»، فيما ليس خافيا ان حزب الله وافق على التأهيلي مع تفضيله النسبية الكاملة، كما ان بري يستعد لضخ مشروع جديد في التداول السياسي.
 

 باسيل... و«التأهيلي»


وقال رئيس «التيار الحر» الوزير جبران باسيل لـ«الديار» ان افضلية المرور تبقى لمشروع التاهيل الذي لا يزال يحظى باعلى نسبة من التوافق قياسا الى المشاريع الاخرى المتداولة، مشيرا الى ان الردود التي بلغته على هذا الطرح في الاجتماعات المغلقة هي ايجابية ومشجعة، الامر الذي يعطيه الافضلية والارجحية كونه يشكل مساحة التقاطع الاوسع حتى الآن، «علما انه حصيلة التشاور مع الجميع وليس مشروعي الشخصي».
وبينما يلاحظ باسيل ان مبادرة البعض الى اقتراح صيغ انتخابية هي من حيث المبدأ اشارة ايجابية تعكس استعداد للتفاعل مع الآخرين، يبدي خشيته في الوقت ذاته من ان يؤدي تدفق المشاريع في هذا التوقيت الدقيق الى إضاعة الوقت الثمين، على مقربة من المهل الحاسمة.
 

 ارسلان يعترض


اما رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني الوزير طلال ارسلان، فأكد لـ «الديار» ان كل مشروع مختلط، ايا تكن تركيبته، هو تشويه للنسبية الحقيقية، مشددا على تمسكه بالنسبية الكاملة، ومنبها الى ان الصيغ التي تُطرح ليست الا محاولة للهروب من صحة التمثيل وعدالته.
ويوضح  انه شرح لجنبلاط خلال لقائه الاخير به وجهة نظره، لافتا الانتباه الى انه كان منفتحا من دون ان يعطي إجابة مباشرة. ويضيف ارسلان: إذا كانت النسبية ضمن الدوائر الكبرى تثير قلق البعض فأين مشكلتهم مع الدوائر الوسطى التي ابدينا الاستعداد لمناقشتها، إلا في حال كان المقصود هو احتكار التمثيل.
ويعرب عن عدم ارتياحه لمسار الامور، ولكيفية التعامل مع ملف قانون الانتخاب، متخوفا من وجود محاولة لفرض امر واقع في نهاية المطاف. ويحذر من ان العودة الى «الستين» ستنطوي على كارثة، ومشيرا الى انه من المعيب والمخزي ألا تتمكن الطبقة السياسية من وضع قانون عادل للانتخابات.
ويلفت ارسلان الانتباه الى ان من الطروحات الواقعية التي يمكن ان تحاكي كل الهواجس وترضي الجميع، إذا صدقت النيات، هي سلة التوافق حول مجلس الشيوخ الذي يحمي حقوق الطوائف ومجلس النواب المنتخب على اساس النسبية الشاملة. 
 

 مقاربة «القوات»


الى ذلك، عُلم ان الجهاز المتخصص في حزب القوات اللبنانية انكب خلال عطلة نهاية الاسبوع على درس تفاصيل صيغة الحزب التقدمي الاشتراكي، من الزوايا التقنية، تمهيدا لرفع تقريره حول نقاط القوة والضعف فيها، الى رئيس الحزب سمير جعجع اليوم، لا سيما في ما يتعلق بالتمثيل المسيحي.
وفي انتظار ما سيحمله التقرير التقني من نتائج، قالت مصادر قيادية في «القوات» لـ«الديار» ان مبادرة النائب وليد جنبلاط الى اقتراح مشروع انتخابي، مرحب بها من حيث المبدأ، اولا لانها تعطي اشارة واضحة الى مغادرة جنبلاط مربع «الستين»، وثانيا لانها تنسجم مع مبدأ المختلط الذي سبق ان جرى التوافق عليه بين «القوات» وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي في السابق. 
ولكن المصادر تلفت الانتباه الى ان القراءة الاولية للمشروع المقترح بيّنت انه لا يسمح للمسيحيين عمليا سوى بانتخاب قرابة 43 نائبا باصواتهم فقط، في حين ان المطلوب هو ان يتمكنوا من الإتيان بما بين 50 و55 نائبا على الاقل بقدرتهم الذاتية.
وتشير المصادر الى انه لا يكفي ان يكون طرح «الاشتراكي» مستندا الى معايير واحدة حتى يكون مستوفيا لكل الشروط الضرورية ومطابقا لمواصفات التمثيل الصحيح، مشددة على ان المقياس الاساسي الذي تعتمده «القوات» في الحكم على هذا القانون او ذاك يكمن في مدى القدرة على تحقيق أفضل تمثيل مسيحي ممكن وبالتالي الاقتراب من المناصفة الحقيقية. 
ومع ذلك، تعتبر المصادر ان ما طرحه جنبلاط يمكن ان يشكل ارضية صالحة للنقاش معه، سعيا الى التلاقي فوق مساحة مشتركة، ما دام ان مشروعه ينطلق من المزاوجة بين الاكثري والنسبي والتي تشكل ممرا الزاميا نحو التوافق على قانون مشترك.
وتشدد مصادر «القوات» على ضرورة اجراء مقاربة شاملة لاشكالية التمثيل في لبنان، تشمل حسم مسالة مجلس الشيوخ ووضع قانون ثابت للانتخابات، يكون له طابع الاستمرارية، لان من شأن ذلك ان يحقق استقرار الطوائف والتوازنات، مبدية قلقها من ظاهرة تقدم مشروع اليوم وسقوطه غدا، وكأن هناك نيات مضمرة للبعض.
 

 رسالة الجيش


على صعيد آخر، ترك الانجاز الامني النوعي الذي حققته مخابرات الجيش اللبناني في اطراف عرسال ارتياحا لدى الاوساط السياسية والشعبية. هي ليست المرة الاولى التي ينفذ فيها الجيش عملية نوعية وناجحة ضد الارهابيين، ولكن عملية وادي الحصن قبل يومين والتي ادت الى مقتل أحد شرعيي داعش واعتقال آخرين، اكتسبت أهمية اضافية ودلالة خاصة، باعتبارها الاولى من حيث الحجم والوزن في العهد العسكري الجديد الذي يمثله قائد الجيش العماد جوزيف عون ومدير المخابرات طوني منصور، المُعينين حديثا في منصبيهما.
بهذا المعنى، وجه الجيش رسالة واضحة الى المجموعات الارهابية، مفادها انه تحول الى مؤسسة حقيقية ومنتظمة لا تتأثر انتاجيتها بانتقال السلطة في اليرزة، وان معركته ضد العدو التكفيري مستمرة بزخم قوي، لا سيما ان العماد عون اتى أصلا الى القيادة من الخطوط الامامية للمواجهة في جرود عرسال.
وفي هذا السياق، قالت مصادر عسكرية بارزة لـ «الديار» ان الجيش لن يسمح للارهابيين بان يلتقطوا انفاسهم بتاتا، مؤكدة ان هؤلاء واهمون إذا كانوا قد اعتقدوا، في لحظة، ان مرحلة التسليم والتسلم بين القيادتين السابقة والحالية ستؤدي الى نوع من الاسترخاء في عمل الجيش وستمسح للمطلوبين بالتنفس والتحرك.
وتؤكد المصادر ان تصميم الجيش على  مواجهة الخطر التكفيري هو ابعد من مجرد قرار، بل يرقى الى مستوى الخيار، داعية الى التوقف مليا عند قول العماد عون خلال تفقده لثكنة رومية قبل ايام بان الوضع في لبنان تحت سيطرة الجيش، لافتة الانتباه الى ان ما تحقق على هذا الصعيد هو انجاز سيتم البناء عليه. 
وتكشف المصادر عن ان القتيل الداعشي حسن صبحي المليص هو مطلوب بمذكرات توقيف عدة، ولقبه ابو محمد حسن الشرعي انطلاقا من الدور الذي كان يؤديه، موضحة انه كان يشكل الهدف المركزي للمهمة التي نفذها الجيش، بعد رصد دقيق افضى الى تحديد وجود المليص في منزل معين في وادي الحصن، كان يبت فيه ليلته، فتمت مهاجمته فجرا.

 

 

الجمهورية :

على وقع الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي كان للبنان مشاركته فيها أمس من خلال فرنسييه اللبنانيين، ينتظر البعض أن يكون الاسبوع الجاري اسبوع الاتفاق على قانون الانتخابات النيابية لئلّا تدخل البلاد في امتحان صعب في 15 أيار المقبل، لكن ما في الكواليس ما زال يَشي بعكس ذلك لأنّ التباعد بين المواقف والتناقض بين المصالح معطوفاً على طرح أفكار ومواد دستورية من الصعب تنفيذها في هذه العجالة، يبعث على توقّع صيرورة البلاد في ربع الساعة الاخير الى تمديد قصير لولاية مجلس النواب يمهّد لانتخابات على أساس قانون الستين النافذ والذي يضمر كثيرون الابقاء عليه لأنهم كانوا وما زالوا يجدون فيه ضالتهم. فباقة مشاريع القوانين الانتخابية المطروحة تكبر يوماً بعد يوم فيما المطلوب واحد فقط ليصحّح التمثيل الميثاقي بين مختلف مكونات البلاد ويفتح المجال امام طاقات المجتمع للمشاركة في صنع القرار الوطني. علماً انّ الأجواء لا توحي بأنّ المعنيين بحسم الملف الانتخابي قد قرروا الخروج من دائرة المراوحة الى مرحلة اتخاذ القرار، بدليل تكاثر الطروحات، وليس آخرها طرح الحزب التقدمي الاشتراكي المختلط الجديد القائم على الجمع بين النسبي والاكثري والصيغة التي يُعدّها رئيس مجلس النواب نبيه بري المبنية على نسبية كاملة مشفوعة بطرح تنفيذ «اتفاق الطائف» لجهة انتخاب مجلس نيابي على أساس وطني لا طائفي وإنشاء مجلس الشيوخ. فيما يسوّق رئيس الحكومة سعد الحريري إقتراحاً قديماً ـ جديداً عليه قائم على أساس التأهيل الطائفي ومن ثم النسبية في حال عدم الاتفاق على مجلس الشيوخ ما يتلاقى مع الطرح التأهيلي الاخير لرئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل «ولكن لمرة واحدة وأخيرة».

رفضت دوائر قصر بعبدا الحديث عن مبادرة جديدة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون واكدت لـ«الجمهورية» انّ الرئيس يتتبع حركة المشاورات يومياً وهو مطّلع على كثير من المعطيات المتداول ويضغط في اتجاه التوسّع في التفاهمات باتجاه قانون جديد، وسيكون في حال تأهب لتقديم العون في التوقيت المناسب توصّلاً الى مثل هذا القانون.

بري

والى ذلك قال رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زواره امس انه في صدد مزيد من الجوجلة حول صيغة جديدة أخرى يطرحها لقانون الانتخاب، وهي تعتمد على تطبيق الدستور لجهة الصيغة المعروفة انتخاب مجلس نيابي على أساس وطني لا طائفي وإنشاء مجلس شيوخ يتعلق بالطوائف.

واضاف بري انه مستمر في مشاوراته وسيعطي المشروع الذي قدمه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط وقته لمعرفة ردود الفعل عليه، وذلك قبل ان يعلن عن الصيغة التي يعدها.

ورداً على سؤال عمّا تردد من انّ الوزير جبران باسيل قَبِل بأن يكون التأهيل للفائزين الثلاثة الاوائل في صيغة المشروع التاهيلي، قال بري: «ما عندي خبر في التأهيل». واضاف: «أنا عمبشتغل على صيغة لكي لا نعود كل اربع سنوات الى التفتيش عن قانون انتخاب، وقد ارسلت هذه الصيغة الى الآخرين».

ورداً على سؤال آخر قال بري: «أنا اوّل الناس ضد التمديد، ولا يزايدنّ أحد علي، ولكن اذا اجبرونا على التمديد، فسنتجرّع سم التمديد لكي لا نقع في الفراغ».

طرح الحريري

في هذا الوقت، علمت «الجمهورية» انّ رئيس الحكومة سعد الحريري عاد الى الطرح الذي كان قدمه عام 2013 من باريس خلال الخلاف على القانون الانتخابي آنذاك وقبيل التمديد للمجلس النيابي.

هذا الطرح الذي يُعدّ مشروعاً اكبر من قانون انتخاب ويتعداه الى تطبيق الطائف نصاً وروحاً، يقوم على إنشاء مجلس شيوخ فيما ينتخب مجلس النواب على اساس النظام النسبي. واذا لم يتم الاتفاق على مجلس الشيوخ خلال مهلة معينة يصار الى إجراء الانتخابات لمرة واحدة واخيرة وفقاً للقانون التأهيلي الطائفي كمرحلة اولية ومن ثم الذهاب الى الانتخابات على اساس النظام النسبي.

وفي المعلومات انّ الحريري يعمل الآن على تسويق طرحه قبل 15 ايار ويتواصل مع كل القيادات السياسية من اجل بلورته.

وأكدت مصادر «المستقبل» لـ«الجمهورية» انها «واثقة من إمكانية الوصول الى قانون انتخابي جديد قبل مهلة 15 أيار يبدّد هواجس المسيحيين».
وإذ تفهّمت المصادر الاعتراضات على قانون باسيل التأهيلي، أشارت الى انها في الوقت نفسه «تتفهّم ضرورة التعاطي الايجابي مع هذا الطرح لمعالجة هواجس المسيحيين».

امّا في شأن طرح الحزب التقدمي الاشتراكي الأخير فكررت المصادر «انفتاحها على أي طرح اذا كان مقبولاً لدى الجميع»، واوضحت انها «لم تدرس طرح الحزب الاشتراكي بعد تقنياً بتفاصيله، وانها تترقّب ردات فعل الآخرين عليه».

ولاحظت مصادر سياسية انّ طرح «المستقبل» مشابه لطرح باسيل اذا لم يتم الاتفاق على مجلس الشيوخ، لكنّ «المستقبل» يطرحه لمرة واحدة واخيرة.

اتصالات «الإشتراكي»

وعلمت «الجمهورية» انّ ورشة اتصالات سيبدأها وفد من الحزب التقدمي الإشتراكي اليوم لتسويق مشروعه، وكانت هذه الاتصالات شملت الإتصالات قبل الإعلان عنها البطريركية المارونية ورئاسة مجلس النواب وستشمل مختلف القوى الممثلة في الحكومة أولاً ثم الكتل النيابية.

وحتى ساعة متقدمة من ليل امس، لم تكن المراجع الحكومية قد حددت موعد جلسة جديدة لمجلس الوزراء الأسبوع الجاري، وإن كانت كل التقديرات تشير الى احتمال أن توجّه الأمانة العامة للمجلس اليوم دعوة الى جلسة عادية الخميس المقبل للبحث في جدول اعمال عادي بعيداً من همّ قانون الإنتخاب العتيد.

لقاء رباعي

وفي ظل عدم الإعلان عن ايّ لقاء علني للجنة الرباعية التي تبحث في قانون الإنتخاب قالت مصادر عليمة لـ«الجمهورية» انّ الحركة طوال عطلة نهاية الأسبوع بقيت رهناً بالإتصالات التي جرت للتشاور في الإقتراح الجنبلاطي الذي أُعلِن السبت الماضي.

ورصدت اتصالات بين باسيل ووزير المال علي حسن خليل ومدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري وتم التفاهم على إحياء الإتصالات بدءاً من اليوم وقد ينعقد لقاء في الساعات المقبلة.

الراعي

وقد حَدا هذا المشهد بالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى تعبيد الطريق امام إجراء الانتخابات على اساس قانون الستين، ليس لأنّ هذا القانون هو خيار بكركي إنما لكي تبقى المؤسسات قائمة، فلا يدخل لبنان من جهة في الفراغ ومن جهة اخرى يُعطّل على الناس حق اختيار ممثليها.

وكشفت معلومات لـ«الجمهورية» أنّ موقف البطريرك الماروني لاقى نوعين من ردات الفعل: ردة فعل المراجع الرسمية العليا التي اعتبرت انه يتناقض مع موقفها الرافض لقانون الستين، علماً انّ البطريرك، حسب مصادره، اراد من خلال اقتراحه إيجاد مخرج لائق للدولة، وليس فرض قانون الستين عليها وعلى الناس، لأنه لم يطرح هذا الأمر إلّا بعدما مرّت كل المهل الدستورية وفشلت الطبقة السياسية في وضع قانون جديد وعرقلت انطلاقة العهد التي يفترض ولو من باب الحياء، مساعدته على الانطلاق في المئة يوم الأولى.

امّا ردة الفعل الأخرى فهي من القوى السياسية، ولا سيما منها الاسلامية، أكانت شيعية أم سنية أم درزية، التي اعتبرت انّ هذا القانون يشكل إنقاذاً لها في هذه المرحلة.

لكن سُجِّل تحفظان الاول لـ«حزب الله» الذي رفع لواء النسبية من دون سواها ورفض سائر القوانين، فكيف له ان يعدّل موقفه ويقبل بقانون أكثري فقط؟ والتحفظ الثاني لتيار»المستقبل» الذي وإن كان ليس لديه ملاحظات على قانون الستين الّا انه يخشى ان يخفّض عدد نواب كتلته، نظراً الى توزع مراكز القوى السنية في السنوات الاخيرة.

البطريرك

وكان الراعي أكّد «اننا نصلي وندعو لكي تتمكن القوى السياسية والكتل النيابية والحكومة من إصدار قانون انتخاب جديد، ترضى عنه جميع مكونات البلاد.

وإذا لم تتمكن بعد كل المحاولات، فمرد ذلك أنّ مشاريع القوانين توضع على قياس الأفراد والمجموعات، لا على قياس الشعب وكل لبنان، وفق معيار واحد للجميع، وحده يؤمن التنافس الديموقراطي الحقيقي. هذا هو مفتاح التوافق على القانون الجديد، واذا لم يتم إقرار قانون جديد لسبب أو لآخر، ليس عيباً الإقرار بالفشل والسير في الانتخابات النيابية وفقاً للقانون الساري المفعول حالياً مع ما يلزم من تمديد تقني للمجلس النيابي».

وأضاف الراعي: «العيب والضرر الكبيران هما الذهاب إمّا إلى التمديد في المطلق وهذا اغتصاب للسلطة ولإرادة الشعب، وإمّا إلى الفراغ وهذا تدمير للمؤسسات الدستورية، فيما لبنان كوطن يحتاج، أكثر من أي يوم مضى، إلى ثقة أبنائه، وكدولة إلى ثقة الأسرة الدولية، وهي ثقة يبني عليها علاقاته الاقتصادية والتجارية والسياسية مع الدول. وهو أمر يسمعه دوماً من الخارج»، معتبراً أنّ «الظروف الداخلية والإقليمية لا تسمح بخضّات إضافية تمنع المؤسسات الدستورية والعامة من القيام بواجباتها المتعددة.

ولا يحق لأحد التلاعب بمصير لبنان، وطناً وجمهورية ودولة، لأنه ملك الشعب اللبناني، لا ملك أفراد أو مجموعات. ورئيس الجمهورية يحميه بحُكمِ «حلفه يمين الإخلاص للأمة اللبنانية وقوانينها، والمحافظة على استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه»

 

 

الاخبار :

هل كل الحديث عن معارضة قانون «التأهيل الطائفي» لم يكن سوى محاولة لغش المعارضين الحقيقيين له، والقول إنه لن يبصر النور، في انتظار تأمين اتفاق القوى الكبرى عليه، قبل فرضه أمراً واقعاً على الجميع؟ السؤال مردّه إلى معلومات أكدها أمس أكثر من مصدر جدي، تُشير إلى أن «التأهيل الطائفي» بُعِث من جديد، وأنه الوحيد المطروح حالياً على بساط البحث.

وفيما قال مصدر واسع الاطلاع إن الرئيس نبيه بري وافق على المشروع، نفى مصدر آخر ذلك، لكنه أشار الى محاولات حثيثة لإقناعه، متوقعاً الوصول إلى نتيجة «إيجابية» قريباً. وقال المصدر إن المشكلة أن الخيار اليوم هو بين أمرين: السير في مشروع قانون انتخاب، كيفما اتفق، قبل 15 أيار، أو الذهاب إلى التمديد الذي يعني فتح باب مشكلة شعبية طائفية لا أحد يعرف المدى الذي يمكن أن تصل إليه.


 

 


السلطة التي ضيّعت أربع سنوات في عدم التوافق على قانون جديد، وتلك التي تراجعت عن تعهداتها بالإصلاح والتغيير المستحيلين من دون قانون إصلاحي وتغييري، والقوى التي وضعت نفسها في موقع العاجز عن التغيير، والقوى التي صارت جزءاً لا يتجزأ من بنية الفساد، كلّها مجتمعة أوصلت البلاد إلى أزمة، لتزعم في ربع الساعة الاخير أنها ستُنقذ اللبنانيين منها بمشروع قانون ليس سوى نسخة رديئة عن النظام المعتمد في هذه البلاد منذ أكثر من 150 عاماً، ولم يجرّ عليها سوى الحروب والويلات والتهجير والفساد والتراجع الاقتصادي. ولئن كان من الظلم تحميل القانون الطائفي وحده مسؤولية كل مصائب اللبنانيين، إلا أن قانوناً إصلاحياً كان ليفتح باب العمل السياسي من داخل النظام أمام الذين سيحاولون الضغط على نواة الفساد، ليساعدوا «القوى التغييرية» على تنفيذ البرامج التي يزعمون السعي إلى تحقيقها.
وكانت مصادر بارزة في التيار الوطني الحر قد أكدت لـ«الأخبار» أن «لا عقدة في شأن اقتراح القانون التأهيلي بين الأطراف الأربعة الرئيسيين»، أي التيار والمستقبل وحزب الله وحركة أمل. وأوضحت أن «الحزب والمستقبل يريان أن لا حل آخر، فيما أكدت «أمل» أنها لم تخرج من التزامها، لكنها تتحدث عن ضرورة العمل على تفادي أي مشكلة لاحقة في ظل الهجمة التي يتعرض لها الاقتراح». ولفتت المصادر الى أن «هناك حلولاً عدة للمشكلة الدستورية المتمثلة في حرمان الناخبين في بعض الدوائر من التصويت في الدورة الأولى؛ فهذه مرحلة تأهيل وليست مرحلة انتخاب، واعتمادها لن يكون إلا في الدوائر التي يوجد فيها مرشحون مسيحيون أو مسلمون فقط. وهذا يمكن تجنّبه بتكبير الدوائر ليكون التأهيل على مستوى أكبر من القضاء، إضافة إلى أفكار أخرى» لم تشأ الدخول في تفاصيلها.

بري: لم أسمع بـ«التأهيلي»!

في المقابل، نفى الرئيس بري ما يُشاع بشأن قبوله بـ«التأهيلي»، قائلاً: «التأهيلي؟ لم أسمع بهذا القانون مؤخّراً». وأوضح رئيس المجلس أمام زوّاره أنه أنجز صيغتين لمشروعي قانونين حتى الآن، لكنّه لن يطرح أيّاً منهما هذا الأسبوع، لكي يأخذ اقتراح القانون الذي تقدّم به الحزب التقدمي الاشتراكي مداه. وفي المعلومات، أن برّي أنجز صيغة لقانون على أساس النسبية الكاملة، في 6 دوائر أو 10، وهذا القانون باعتقاده يسمح لجميع القوى بأن تأخذ حجمها الطبيعي وحقّها، لا سيّما القوى المسيحية. أمّا الصيغة الثانية، فلا يزال متكتّماً عليها، لكن يمكن القول إنها بمثابة «العودة إلى تطبيق الطائف والدستور»، عبر مشروع كامل للبدء بإلغاء الطائفية السياسية وتطوير النظام السياسي عبر تشكيل مجلس شيوخ ومجلس نيابي خارج القيد الطائفي، و«لو كانت هذه الصيغ بمكانٍ ما تنقص حصة الشيعة في النظام». وجدّد بري أمام زوّاره أن الوصول إلى الفراغ غير مقبول، لأن الفراغ يهدّد الدولة ويوصل إلى مؤتمر تأسيسي، سائلاً: «هل يمكن عقد مؤتمر تأسيسي في ظلّ الظروف الحالية في لبنان والمنطقة؟». وأكّد أن «الجهة الأكثر تضرراً من التمديد هو نبيه برّي»، على اعتبار أن التمديد سيظهر وكأنه خيار شخصي، بينما الحال هي عكس ذلك، وخاصة أن حركة أمل تضمن نجاح كتلتها النيابية كاملة، وكذلك عودة بري إلى رئاسة المجلس.
وفي السياق، علمت «الأخبار» أن عدداً من النواب من 8 و14 آذار ينوون الطعن في القانون التأهيلي أمام المجلس الدستوري، في حال تمّ التوافق عليه، لمخالفته للدستور واتفاق الطائف.

الصفقة مع المستقبل

في العلن، لم يعد من معارضين لـ«التأهيلي» سوى بري والنائب وليد جنبلاط وحزب القوات اللبنانية. لكن مروّجي المعلومات بشأن عودة التأهيلي إلى الحياة يتحدّثون عن إمكان عقد اتفاق مع جنبلاط يسمح بتراجعه عن الرفض. ويعزز هؤلاء كلامهم بالحديث عن اتفاق عُقِد بين الوزير جبران باسيل والرئيس سعد الحريري، يقضي بضمان تأهل عدد من مرشحي تيار المستقبل إلى عدد من المقاعد المسيحية في الدوائر ذات الغالبية المسلمة، (كبيروت الثالثة وعكار...). ونتيجة لهذه الاتفاق، يضمن التيار الوطني الحر تأهل اثنين من مرشحي المستقبل المسيحيين في بيروت الثالثة، واثنين من مرشحي المستقبل المسيحيين في عكار. وتقول المصادر نفسها إن ضمان فوز عدد من النواب المسيحيين المنضوين في كتلة جنبلاط سيدفعه إلى القبول بالتأهيلي.

ملاحظات القوات

أما القوات، فلا يرى مؤيدو التأهيلي في موقفها عائقاً يحول دون إقرار المشروع، رغم تأكيدهم أن باسيل لا يزال يناقش جعجع، وأقنعه بالتراجع عن بعض ملاحظاته، «لكن بقيت ملاحظات جوهرية كفيلة بنسف المشروع التأهيلي برمته»، أبرزها:
ــ نقل أربعة مقاعد مسيحية من قضاء الى آخر ومن دائرة الى أخرى: المقعد الماروني في طرابلس الى البترون، المقعد الماروني في البقاع الشمالي الى جبيل، المقعد الماروني في البقاع الغربي الى المتن الشمالي، المقعد الانجيلي في بيروت الثالثة الى الأشرفية.


 

ــ طلب تعديل دوائر بيروت بما يضمن وضع المدور مع الأشرفية وفصل الباشورة (تتضمن ثقلاً شيعياً) عنهما لضمّها الى المزرعة.
ــ المطالبة بأن يُحصر الصوت التفضيلي بالطائفة، إذ لا يكفي أن يتأهل النواب بالاقتراع الطائفي في المرحلة الأولى، بل ينبغي تطبيق الطائفية على الصوت التفضيلي بحيث لا يتمكن المسلمون من منح أصواتهم التفضيلية إلى مرشحين مسيحيين، والعكس الصحيح.
وفي إطار رفض القوات لمشروع «التأهيلي» الذي عدّله الوزير باسيل، كشف النائب فادي كرم أمس عن «صيغة انتخابية طرحناها على حليفنا التيار الوطني الحر، وهي صيغة متطورة وجيدة، لكنها ليست للتداول في وسائل الاعلام كي لا يصوّب عليها. وتبحث في الدوائر الضيقة لكي نتبنّاها أو نطوّرها»، مؤكداً رفض القوات النسبية الكاملة. ورأى كرم أن «جميع الافرقاء اللبنانيين يتعاطون بجدية مع القانون الانتخابي للوصول إلى قانون عادل من ضمن روح الطائف، باستثناء حزب الله الذي تفرد بقانون خارج عن معادلة الشراكة الصحيحة التي نص عليها الطائف، من أجل أن يبقى ممسكاً بالقرار اللبناني من خلال قانون أكثري مطلق». ويأتي كلام كرم في إطار محاولة القوات شيطنة النسبية، رغم أن القوات كان من أشرس المدافعين عنها وأول الموافقين على مشروع القانون الذي خرجت به لقاءات بكركي، ويقضي باعتماد النسبية الكاملة في 15 دائرة انتخابية.
في المقابل، ورغم موافقة تيار المستقبل على القانون التأهيلي، قال عضو كتلة المستقبل النائب عمار حوري في حديث إذاعي أمس إن «المشروع التأهيلي لم تكن لديه أي فرص نجاح منذ طرحه من وزير الخارجية، لأنه يتناقض مع اتفاق الطائف في موضوع العيش المشترك ويعقد الأمور». وغمز من قناة التيار والقوات بالإشارة الى أن «تصحيح الغبن اللاحق بالمسيحيين منذ سنوات يجب ألا يلحق الظلم بفريق آخر». واستغرب حوري «تهرّب بعض الكتل من النسبية الكاملة بعدما أبدى الحريري انفتاحاً عليها»!
يُذكر أن الحزب التقدمي الاشتراكي قدّم أول من أمس مشروعه لقانون الانتخاب، وهو نسخة منقّحة من اقتراح الرئيس بري المختلط، القائم على انتخاب 64 نائباً وفق النظام الاكثري في 26 دائرة هي دوائر قانون الستين، و64 نائباً وفق النظام الأكثري في 11 دائرة (تُقَسّم كل محافظة من المحافظات التاريخية إلى دائرتين، باستثناء جبل لبنان الذي يُقسّم إلى ثلاث دوائر). وامتدحت بعض القوى هذا الاقتراح علناً، لجهة كونه يتضمّن موافقة جنبلاط لاول مرة على اعتماد النسبية، ولو جزئياً، أو لأن الاشتراكي خرج للمرة الاولى عن صمته في ما يخص طرح مشاريع قوانين انتخابية. في المقابل، رأت غالبية القوى السياسية التي استطلعت «الأخبار» رأيها أن هذا الاقتراح سبق أن أشبِع درساً وتجاوزه النقاش.

 

 

الحياة :

جولة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري برفقة وزير الدفاع الوطني يعقوب الصراف وقائد الجيش العماد جوزيف عون على المواقع الأمامية الجنوبية في مواجهة المواقع العسكرية الإسرائيلية في منطقة العمليات المشتركة للجيش اللبناني وقوات لـ «يونيفيل» في جنوب الليطاني، كانت موضع اهتمام من قبل سفراء الدول الأجنبية والعربية المعتمدين لدى لبنان الذين تعاملوا معها - كما تقول مصادر ديبلوماسية غربية لـ «الحياة» - على أنها رسالة لمن يعنيهم الأمر بأن لا عودة الى تفلت السلاح في هذه المنطقة المحمية من أعلى مرجعية دولية أخذت على عاتقها تطبيق القرار الدولي 1701 من جهة، وتعزيز دور الجيش في بسط سيطرته عليها من جهة ثانية.

فالحرص الذي أبداه الحريري في أن يبدأ جولته من مقر قيادة لـ «يونيفيل» في الناقورة على عدد من المواقع العسكرية للجيش اللبناني الواقعة على الخط الأزرق يشكل رسالة رسمية لبنانية من رئيس الحكومة، بالنيابة عن الدولة اللبنانية، بأن لا مجال للعودة الى المربع الأول في منطقة الانتشار المشتركة للجيش اللبناني و «القوات الدولية» باعتبار أنه الأقدر - بحسب المصادر نفسها - للتعبير عن موقف السلطة اللبنانية الراغبة في توفير شبكة الأمان الأممية لهذه المنطقة من خلال دور القوات الدولية.

 

استعجال الجولة

وكان من الطبيعي أن يستعجل الحريري في التجوال على الخط الأزرق لمنع ردود الفعل الدولية حيال العراضة الإعلامية التي نظمها «حزب الله» لعدد من الإعلاميين من أن تتهادى سلبياً في اتجاه طرح مجموعة من الأسئلة، أبرزها، اين مصلحة لبنان في غض النظر عن الخروق التي تسببت به هذه العراضة للخط الأزرق ومن خلالها للقرار 1701 الذي ينص على منع كل أشكال المظاهر المسلحة وحصر الحضور العسكري في هذه المنطقة بالشرعية اللبنانية بالتعاون مع الشرعية الدولية المستمدة من حضور القوات الدولية.

وفي هذا السياق لفتت المصادر الديبلوماسية ذاتها الى أن الحريري أراد من جولته على الخط الأزرق تأكيد حضور السلطة اللبنانية بقواها العسكرية، وأن لا سلاح آخر في منطقة العمليات المشتركة إلا السلاح الشرعي بالتآخي مع سلاح الأمم المتحدة. وقالت إنه رغب أيضاً في تمرير رسالة للمجتمع الدولي على أن لبنان ليس عصياً على قرارات الأمم المتحدة، وأن «العراضة الإعلامية» ما هي إلا حالة عابرة غير مرغوب فيها ولن تؤثر في حرص السلطة اللبنانية على تطبيق القرارات الدولية.

وقالت إن الحريري أحسن في توجيه رسالته الى المجتمع الدولي لعله ينجح في أن يزيل ما علق في ذهن الأمم المتحدة من تداعيات سلبية على خلفية خرق القرار 1701، واعتبرت أن ترحيب المنسقة الخاصة للأمم المتحدة سيغريد كاغ بزيارة رئيس الحكومة الى الجنوب رداً على الزيارة الإعلامية التي نظمها ورعاها «حزب الله» لعدد من الإعلاميين، ما هو إلا رسالة تعكس استمرار الشراكة بين حكومة لبنان والأمم المتحدة دعماً لاستقرار البلد وأمنه.

وأكدت المصادر الديبلوماسية هذه أن الحريري لم يكتف بزيارته الجنوب لتأكيد تمسك الحكومة اللبنانية بوجود المرجعية الدولية ممثلة بالقوات الدولية، بل بادر الى تشغيل محركاته في اتجاه عدد من السفراء العرب والأجانب رغبة منه في عدم المساس بشبكة الأمان الدولية للبنان لأن اهتزازها من شأنه أن يشرع الأبواب للعدوان الإسرائيلي مع ان تل أبيب لا تبحث عن أعذار لتهديد الاستقرار في لبنان وهي تواصل خروقها للخط الأزرق.

وتوقفت أمام قول الحريري إن حكومته تطمح الى استعادة الثقة بلبنان، وقالت إنها لا تتأمن إلا بإجماع اللبنانيين على تحصين بلدهم في الداخل وأيضاً حيال الخارج المقصود به إسرائيل التي لا يروق لها أن ينعم بالاستقرار والهدوء.

واعتبرت أن «استعادة الثقة» تستدعي الالتفات الى الأخطار الخارجية التي تهدد لبنان وتحييده عن الحروب المشتعلة من حوله ولا تبرر مهما كان الذرائع العبث بأمن الجنوب واستقراره، وقالت إن زيارة الحريري الجنوب لعبت دوراً في خفض منسوب مساءلة لبنان من قبل المجتمع الدولي حيال العراضة الإعلامية التي نظمها «حزب الله».

 

هدف الجولة الإعلامية

وسألت المصادر الديبلوماسية الغربية ما إذا كان تصرف «حزب الله» ينم عن توجيه رسالة للدول الغربية والولايات المتحدة تتضمن احتجاجه المباشر على حملاتها ضد إيران وتحذير هذه الدول من تمدد هذه الحملات الى عدد من دول المنطقة.

كما سألت إذا كان «حزب الله» يخطط من خلال رعايته المباشرة للعراضة الإعلامية لتهيئة الأجواء أمام انسحاب قواته تدريجياً من سورية على أمل أن يستعيد «مشروعيته» في قتاله لإسرائيل خصوصاً أن أمينه العام السيد حسن نصر الله كان ركز في خطبه الأخيرة على رفع مستوى جاهزية الحزب في مواجهة إسرائيل في حال قيامها بأي عدوان على لبنان.

وفي المقابل، لم تستبعد المصادر نفسها أن يكون الحزب من خلال رعايته للعراضة الإعلامية في وارد اختبار ردود الفعل المحلية والدولية التي لم تصب لمصلحته مع ان الموقف الرسمي منها اقتصر على رئيس الحكومة الذي هو بمثابة الناطق الرسمي باسمها.

فهل يبادر «حزب الله» الى مراجعة حساباته مع أن ردود الفعل على فعلته الاستعراضية بقيت محصورة وكأن هناك من سعى سراً الى استيعابها وتطويق ردود فعلها لقطع الطريق على إغراق البلد في دورة جديدة من السجال والتجاذب أين منها السجالات التي ما زالت تتوالى حيال قانون الانتخاب الجديد الذي لا يزال بعيد المنال.

لكن يبقى الأهم في جولة الحريري ما يتعلق بالأجواء الدولية والعربية حول ضرورة التحسب من إقدام إسرائيل على خطوة حمقاء تستهدف لبنان يفترض بالأخير أن لا يوفر لها الذرائع مع انها في غالب الأحيان ليست في حاجة اليها.

 

تحذيرات أردنية

فهذه التحذيرات من احتمال قيام إسرائيل باستهداف لبنان لم تصل اليه مشفرة أو في حاجة الى تفكيك رموزها، وإنما سمعها رئيس الجمهورية ميشال عون مباشرة من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في حضور الحريري في اللقاء الذي جمعهما به على هامش استضافة الأردن القمة العربية.

وتتقاطع التحذيرات الأردنية مع تحذيرات دولية مماثلة لم ينفك عن إطلاقها عدد من سفراء الدول الكبرى لدى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي الذين أوصوا في رسائلهم لبنان بضرورة الحيطة والحذر من جهة، وبوجوب تجنب القيام بأي عمل عسكري غير مدروس في جنوب لبنان من جهة أخرى، في إشارة الى «حزب الله» الذي تعرضت مواقعه في سورية لعدد من الغارات للطيران الحربي الإسرائيلي.

وبكلام آخر يوصي المجتمع الدولي لبنان بأن يبقى الجميع تحت كنف الشرعية اللبنانية وألاّ ينفرد أحد بأي عمل يمكن أن يتسبب بتهديد الاستقرار في جنوبه، خصوصاً أن تل أبيب تتربص به على الكوع وتنتظر الذرائع لشن عدوان عليه.

فهل يتعامل «حزب الله» مع هذه التحذيرات بجدية ويأخذها على محمل الجد لا سيما أن الحريري عندما توجه الى الجنوب لم يغب عن باله إعادة الاعتبار لشبكة الأمان الدولية من خلال رسالته بأن «الجيش اللبناني وحده المكلف حماية الحدود والذي يدافع عنا بصفته القوة الشرعية التي لا قوة فوق سلطتها ولا أجندة في لبنان خارج هذه الأجندة».

وعليه يمكن القول - بحسب المصادر الديبلوماسية الغربية - إن رسالة الحريري من منطقة العمليات المشتركة للجيش والقوات الدولية في جنوب الليطاني حققت أهدافها وكبحت جماح ردود الفعل الدولية المعترضة على هذه العراضة، فهل يبادر «حزب الله» ال<