عندما يتعلَّق الأمر بتفسير القرآن الكريم أو بتأويله ، يجد الإنسان فارقاً كبيراً بين نصوص المحبة والسلام والتسامح ، ونصوص السيف والقتل والقسوة.
 

من هنا يمكن أن تكون الخطورة من أن يؤخذ النص المقدَّس مجرَّداً عن الظرف والزمان وهذا ما يسمونه علماء التفسير "بأسباب النزول" وما يتعلَّق بالناسخ والمنسوخ ، ولعله لذلك أصبح النص القرآني حمَّال وجوه بحسب ما ورد في الروايات، منها ما ورد في وصية الإمام علي (ع) عندما بعث "عبدالله بن عباس" للإحتجاج على الخوارج ،فقال له :" لا تخاصمهم بالقرآن ،فإنَّ القرآن حمَّال أوجه ، ذو وجوه ، تقول ويقولون..." نهج البلاغة.
من هنا يجد الإنسان حُججاً وبراهين وأدلة ، فمن يعلن التسامح والمحبة يجد عشرات الآيات ، ومن يُلوِّح بالسيف يجد أيضاً آيات بذلك.

إقرأ أيضا : الحوار المأزوم بالنفاق الديني
فالأصل في القرآن الكريم " لا إكراه في الدِّين"  وما هو طارئ "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" وهذه الآية سُمِّيت عند علماء المسلمين بآية السيف لأنَّ المُعلن في الإسلام هو الإختيار والعقل والنظر ، وما يتعلَّق بتشريع القتل فهو علاج لحالة شاذَّة ونادرة لا تتعدّى حرب مشركي قريش والمسلمين ، لا للأخذ بها مطلقاً كما يفعله أصحاب السيَّارات المفخخة والبراميل المتفجرة والأحزمة الناسفة والقرآن نفسه صرَّح بذلك بقوله تعالى : "فإذا انسلخ الأشهر الحُرُم فاقتلوا المشركين كافَّةً حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كلَّ مرصدٍ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلُّوا سبيلهم إنَّ الله غفورٌ رحيم"التوبة آية 5.

إقرأ أيضا : هواجس الحوار ومطالعاته الإصلاحية
 فمع كونها محدَّدة بالزمان والمكان ، نرى فقهاء القتل والسيف تعدَّوَا حدودها وزمانها ، مع تجاوزهم للأصل المقبول عند البشر هو "لا إكراه في الدِّين".
غير أنَّ المفسرين وعلماء الناسخ والمنسوخ نسخوا كلَّ آية وميل للرحمة والتسامح بآية "السيف"، وهناك عدد كبير من الآيات التي تحفظ للقرآن الكريم منزلته كوصايةٍ على ضمير الناس ، لا كقانون يهبط إلى مستوى التنفيذ ، وتشوِّهه ممارسات الرجال.
من هنا نجد كثير من الآيات التي لا تسعى إلى التكفير ولا إلى فرض حكومة دينية ، وبالتالي ما يُفرض في واقعنا وما يتحقّق في عالمنا هو دين الرجال لا دين الله.
من هذه الآيات "فاعرض عنهم وعظهم" "ما على الرسول إلاَّ البلاغ" "لست عليهم بوكيل" "إنَّ الذين فرَّقوا دينهم وكانوا شِيَعَاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله".

إقرأ أيضا : الإستثمار في الحوار وفي الإنسان
من خلال هذا يكون الدِّين هو ضميرٌ لا دولة ولا سلطة – يعني الدِّين لله والوطن للجميع" لأنَّ الله تعالى لم يجعل الأرض للمسلمين فقط دون غيرهم ، فإن جعلها للمسلمين فهل هي للسنَّة أم للشيعة ؟ فإن كانت للسنَّة على أي مذهب سيحاكمون ، بالمذهب الشافعي أم الحنبلي أم المالكي أم الحنفي.

إقرأ أيضا : توصيات ومقترحات مؤتمر المواطنة واقع وتحديات
وإن كانت للشيعة على أي فرقةٍ أم على أي تقليد أم على ولاية الفقيه العامة أم الخاصة.فلو لم يكن القرآن الكريم غير حمَّال ذي وجوه لما ظهرت مذاهب وفرق في الإسلام الواحد ، ولما وصل الأمر بينها إلى غزوات وإجتياحات وإبادات ، فكيف يمكن أن يكون منهجاً سياسياً صالحاً لكل زمانٍ ومكان ، بعد هذا التعارض فيما بين المسلمين ، أليست هذه الدعوة بحدِّ ذاتها نحرٌ للدِّين ، وثقلٌ على البشر بما لا طاقة لهم فيه.
وهذا ما دلَّت عليه الرواية النبوية القائلة " إن تُخطئ بالعفو ، خيرٌ لك من أن تُصيب بالعقوبة".