أقامت السفارة السعودية في بيروت حفل تكريم للامام موسى الصدر الأمر الذي أدى إلى امتعاض حزب الله وجماهيرة لماذا ؟ ألا يستحق الامام الصدر هذا التكريم؟ لماذا امتعض حزب الله من هذا التكريم ؟
 

ثمة تقصير عربيّ في الملعب الشيعي منذ العام 2005. قبل 12 عاماً، ولد "اللقاء الشيعي"، ليضمّ مئات الشخصيات الشيعية، من مشارب سياسية واجتماعية ومناطقية مختلفة، منهم اليساري ومنهم المتديّن، ومنهم الشباب، ومنهم الوجهاء، ومنهم سليلي العائلات التقليدية التي أقصاها الإقطاع السياسي الجديد عن المشهد منذ اتفاق الطائف.

لكن في الانتخابات النيابية، حزيران من العام نفسه، نشأ "التحالف الرباعي" واضعاً تيار المستقبل وحزب الله في حلف انتخابي كان بمثابة "لحظة التخلّي" عن عشرات آلاف الشيعة المعارضين لحزب الله. وكان بداية انحدار شعبية هؤلاء، الذين كان يمكن أن يتحوّلوا إلى "نجوم" في بيئاتهم، على غرار ما صاره وئام وهاب في الطائفة الدرزية، معارضا لوليد جنبلاط وقريباً من حزب الله وإيران، وآخرين في الجانب السني قريبين من إيران وبعيدين عن المستقبل والسعودية، وأكثر في البيئة المسيحية ممن صاروا لاحقا نوابا ووزراء.

وحدها الحيوية الشيعية المعارضة تمّ تحجيمها في نائبين أو ثلاثة من حصّة تيار المستقبل وفي مناطق ذات أكثرية "سنيّة". وهؤلاء سرعان ما انفصلوا عن بيئاتهم، تحت ضغوط أمنية وسياسية واجتماعية، وتحوّلوا إلى مُطاردين. ومنهم من ترك البلاد نهائياً. وبالتالي لم يتحوّلوا إلى "مشروع سياسي" يجمع آخرين ويوسّع مروحة الاعتراض ويخلق خطا مستقلا عن "الثنائي الشيعي". ولم يُحظَ غير هؤلاء الثلاثة بما يلزم من دعم سياسي ومعنوي وخدماتي ومالي، كما كان حزب الله يفعل مع حلفائه السنة والدروز والمسيحيين.

بعد التحالف الرباعي تعاطت القوى الاستقلالية مع الشيعة المعارضين باعتبارهم "أصواتاً"، لئلا نقول "أبواقاً". باتوا يُستخدمون في الاحتفالات كعرق نعناع فوق صحن الحمّص السني – المسيحي، وكمزهريات في صالونات 14 آذار.

كما لو بإصرار جرى "سحب الدسم" الشعبي من شخصيات كانت، ولا يزال بعضها، يُحظى باحترام في بيئائتهم. وجرى التعامل معهم كأفراد فقط، برواتب أحياناً، ودائماً دون أيّ نوع من أنواع الخدمات في الوزارات والتعيينات. فقد كان "الثنائي الشيعي" هو الممثل الأوحد للشيعة في التعيينات والتوظيفات الإدارية والعسكرية. وطوال 12 عاماً اضطرّ كثيرون للتسرّب من "الخطّ المستقلّ"، وتغيير ولاءاتهم بالركون إلى "حضن الطائفة الدافىء" بحثاً عن وظيفة أو أمان أو مساعدات أو أو أو....

اقرأ أيضا : يا لصوص الجنس والفيديو

في هذا الوقت كان حزب الله وإيران يدخلان الملاعب كلّها، ويحصدان التفافاً شعبياً معقولا في البيئات السنية والمسيحية والدرزية. خلال الأشهر الماضية أوصل حزب الله مرشّحه ميشال عون إلى قصر بعبدا رئيساً للجمهورية. وباتت "سرايا المقاومة" أمراً واقعاً، وهي اسم الدلع لميليشيا سنية تابعة لحزب الله تعدّ عشرات آلاف المتفرّغين السنّة من مختلف مناطق لبنان. وبات وئام وهاب يستعرض "قوته العسكرية" في الشوف تحت شرفة جنبلاط، ويستقبل مئات المناصرين كلّ يوم أحد في منزله بالجاهلية، كزعيم حقيقي. 

والخلاصة: حزب الله يريد النسبية الكاملة في لبنان دائرة واحدة، لأنّه "جَدَّ وَوَجَدَ" وبات "موجوداً" في البيئات الطائفية على اختلافها وقادراً على منافسة خصومه والأحزاب كلّها في بيئاتها.

أما تيار المستقبل، وقوى 14 آذار، واستطراداً داعمها الأوّل، المملكة العربية السعودية، فتآكلت شعبيتها في البيئتين السنية والمسيحية، وبات بعيدة كلياً عن اليبئة الشيعية. رغم أنّ كثيرين واظبوا على العمل في الميدان الشيعي، رغم الضغوطات الأمنية والسياسية والمالية. وهؤلاء قلّة، لكنّها تملك طاقات كبيرة، خصوصاً في الإعلام، ولها تاريخ مشرّف، وبعضهم موجود "على الأرض".

قبل أسبوع، في 13 نيسان، دعت السفارة السعودية إلى ندوة حول فكر الإمام موسى الصدر بحضور السيدة رباب الصدر. كان بين الحاضرين شخصيات شيعية معارضة، وممثلين عن الرئيس نبيه بري وعن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وشخصيات سياسية متنوّعة، وبينها أيضاً وزير الداخلية نهاد المشنوق.

بعد ساعات شنّ حزب الله حملة على وسائل التواصل الاجتماعي ضدّ السيدة الصدر، وحيّد الرئيس بري وممثله أيوب حميّد وممثل المجلس الشيعي. وفي 20 نيسان كتب محمد نزّال في جريدة "الأخبار" مقالا غاضبا بعنوان "موسى الصدر سعوديا! العبوا غيرها"، وفيه كمية من الغضب وواضحٌ أنّه مكتوب بعجلة و"تحت الطلب".

ومثله مقال في موقع "النشرة" القريب من حزب الله، بقلم رئيس المجلس الوطني للإعلام عبد الهادي محفوظ، القريب من الرئيس بري. المقال مكتوب بعجلة كذلك وكما لو أنّه "تحت الطلب"، ويمتدح الندوة لأنّ "النظرية الفكرية السياسية للإمام موسى الصدر تصلح لفتح إمكانية الحوار بين طهران والرياض باعتبار أن الخلاف يمعن في تمزيق المنطقة واستدراج التدخلات الأجنبية".

الأكيد أنّ الندوة ليست "صدفة". والمملكة قرّرت أن تدخل إلى الملعب الشيعي. وأن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي. وما الحملة من حزب الله، على مواقع التواصل، التي بدأت لاحقاً تُسيّل حِبراً في الجرائد، إلا تعبير عن حجم الخوف لدى حزب الله من "مشروع شيعي عربي" عابر للدول والأحزاب.

سؤال أخير: حزب الله يريد النسبية الكاملة في الانتخابات النيابية، هو الموجود بسلاحه، سلاح "سرايا المقاومة"، داخل المناطق السنبية، فكيف يخاف من "ندوة"؟ وهل هذه "أخلاق النسبية؟".