من الواضح أن الفعل الأخلاقي النبيل هو الذي يهب حياتنا مغزى وجودنا الإجتماعي، وأن غيابه يجعلها تافهة غير ذات معنى ومن وجهة نظر قرآنية فإن السلوك الأخلاقي يرتدي دوافع النية والإختيار لتؤلف بعناصرها مجتمعة عصب الشخصية الأخلاقية الكاملة .
بيد أن من الضروري النظر إلى أن جمال القيمة الأخلاقية لا تكتمل بمجرد النية والإختيار والفعل إلا إذا استندت في انبثاقاتها على ما يلفتنا القرآن الكريم إليه من حكمة الأسلوب وثبات الموقف وارتباطهما معاً بخصوصية الحالة الاجتماعية التي نعيشها لكي لا تلتبس أزمة الأخلاق الكبرى في واقع الأمة فيما نراه من مواقف الذين اختاروا أن يكونوا أشداء على الإخوان والأصدقاء ورحماء على الأعداء في مدى السياسات الفاحشة بتزييف القيم.
وهذا ما يجيز لنا أن نتكلم عن أثر النفاق والإزدواجية على اختلال النظام الأخلاقي في مجتمع عالمي يمعن في تحطيم العدالة ومعاييرها الثابتة.
إقرأ أيضًا: دعوة إلى تأصيل الحوار الديني
 كذلك تتآزر القيم الأخلاقية في القرآن الكريم فلا يجوز تجزئة بعضها عن بعض، ولا ريب في أن جنوح الطوية الخبيثة التي تفصل أخلاقها داخل الأسرة أو القبيلة عن أخلاقها في دوائر العلاقات الأوسع يتعذر تسويغها بمعيار القيمة القرآنية للأخلاق، كما يتعذر في جميع الأحوال تبرير الوفاء الأخلاقي للأسرة مع الخيانة الأخلاقية للوطن فيما يظهر من بعض نزعات الهوى والتطرف الأعمى في التدين والسياسة. 
وقد أنكر القرآن الكريم على أولئك الذين لا يربطون القول بالفعل في إطار معطى أخلاقي متكامل لا يفصل نقاء النوايا عن تسعير القيمة الذاتية لنتائج الفعل والعمل. 
وها هنا لا مندوحة عن تقصي جدل العلاقة في الأخلاق بين الوفاء للذات والوفاء للمجتمع والوفاء للدولة وللوطن، لأن الأخلاق القرآنية منسوجة من الصدق وعلى وعي الصدق بوحدة الأمة فلا يتأرجح القرآني الصادق في مهب أية ريح طائفية أو سياسية أو عشائرية  ترمي به في جحيم الفتن.

إقرأ أيضًا: عن دور الاستشراق في حوار الثقافات
ومن جهة أخرى فإن التعصب لرذائل النفاق الديني أو السياسي من شأنه تدمير المعنى الأخلاقي برمته فضلاً عن تعرّض أصحابه لخطرين :
أحدهما: خطر القطع والقطيعة والانغلاق .
 ثانيهما: خطر الوهم في الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعاً وهم في خطأ منزلقاتهم من المفسدين، ولا سيما في قضايا الوجود وتحدياته التي تواجه مصير الأمة تحت حراب الإحتلال.  
ولكي لا يحتمي البعض تحت عباءة الحرية في زمن فوضى الحرية لتبرير غواياته في التعامل مع العدو الإسرائيلي فإن ظاهرة هذا الفساد السياسي يجب أن تدرس في عمق ما طرأ عليه من فساد أخلاقي. 
وبكلمة فإن سؤال الفساد بوصفه سؤالاً أخلاقياً يجب أن نبحث عنه من سلامة النية وسلامة الإختيار وسلامة السلوك في ضوء المفاهيم القرآنية نفسها عن الوعد والعهد والأمانة والإستقامة، وفي ضوء اختياراتها على أرض الواقع يجدر بنا تصحيح العلاقة الأخلاقية في مضمار الصلة الموضوعية بين الحق وبين الواجب. 
لذا يجب العمل على مزيد من الأبحاث والدراسات لنكشف عن جانب جديد من أزمات الشخصية الدينية والسياسية يتجلى في ضرورة تفهم محنتها لا في مجال العقل ونقدياته طوال مشروع النهضة العربية فحسب، وإنما في مجال النفس وإمتحانات خصالها من دواخل ذاتها أو من دواخل إندماجها في صلب معركتنا الأخلاقية الراهنة حيث تزوير القيم الأخلاقية من أسوأ ما منيت به السياسة وأخلاقها من فساد.