بين إيران وحزب الله ليس ثمة مصالح استراتيجية سياسية وعسكرية فقط، بل تعتبر إيران بالنسبة للحزب مرجعية دينية وعقائدية ومن ثم سياسية وعسكرية، وقد جرى توطيد هذه العلاقة على مدى عقود، حيث أصبحت إيران اليوم المرجعية السياسية والعسكرية على الأرض السورية حيث تمسك إيران بزمام الحزب وفقا لمصالحها في المنطقة .
وكشفت مشاركة حزب الله و إيران في الحرب السورية سر العلاقة بين العسكريين الايرانيين ومقاتلي حزب الله الذين يعتبرون أن العلاقة التي يمارسها عليهم العسكريون الإيرانيون هي علاقة فوقية حيث يتصرفون وكأنهم أسياد المعركة وقادة الحرب وكأن حزب الله شركة خاصة تعمل تحت إمرتهم .
جاء ذلك في تصريح لأحد مقاتلي حزب الله في سوريا حيث يضيف : أن شباب حزب الله يذهبون إلى سوريا إيماناً بقضية، وليس خدمة لمصالح سياسية، في حين أن النتيجة تصب في مصلحة السياسة فقط .
ويقول المقاتل : لقد بلغ التعاطي السلبي الإيراني معنا مرحلة متقدمة، تصل إلى حد تهديد حياتنا. إذ يتعامل العسكري الإيراني بإستهتار في المواقع العسكرية، ولا يلتزم بأوامر قائد المجموعة اللبناني ومرات كثيرة تعرضنا لكشف مواقعنا ولإطلاق نار نتيجة ترك أحد العناصر الإيرانيين موقعه وإتخاذه قراراً فردياً بالتوغل أكثر في منطقة لم نكن نعرف مدى أمانها، إذ كنا قد أمّنا جزءاً منها، وبقينا متيقظين لأي حدث مفاجئ يمكن أن يأتي من الناحية غير الآمنة.
ويتابع المقاتل من حزب الله : التعاطي الفوقي من الإيرانيين لا يقتصر على العلاقة بين الإيرانيين ومقاتلي الحزب العاديين، إذ إن العنصر الإيراني "لا يحترم حتى الضابط اللبناني. وهناك عدد من الأخوة الضباط رفعوا كثيراً من الشكاوى إلى القيادة، نتيجة تصرفات الإيرانيين، لكن الرد لم يكن على قدر المسؤولية. فقيادتنا تعلم تماماً أن الصدام مع الإيرانيين خاسر، لأنهم فعلاً في مكانة أعلى من مكانتنا.
والخلاصة المأساوية التي وصل إليها المقاتل، تعيد التذكير بعدّة محطات من خطابات الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله. خطابات تشرح بوضوح طبيعة العلاقة بين الحزب وإيران. فنصرالله أكد خلال خطبة له في عاشوراء، في 2013، أن الحزب عندما يأخذ أي قرار أو يمشي في أي درب، أو يدخل في أي ساح أو أي قتال، لا يلجأ مقاتلوه أو قيادته إلى عقولهم، ولا إلى علومهم، وإنما يرجعون إلى فقهائهم وكبار مراجعهم الدينية. ووضع نصرالله هذا الاجراء في إطار الإلتزام الذي كان تجاه الخميني، والمستمر تجاه الخامنئي.
وموقف نصرالله ليس حدثاً طارئاً تحتاج إليه المعركة في سوريا، بل إن أدبيات الحزب تتصل، وفق نصرالله، منذ ثمانينيات القرن الماضي، "إلى الولي الفقيه الملزم قراره". وما التصريحات التي تقول إن لدى حزب الله إستقلالية في العمل، سوى "تصريحات ديبلوماسية وسياسية ليست أساسية. فإعلامياً وسياسياً لا يمكن لولي الفقيه أن يقول علناً إن حزب الله جماعتنا في لبنان.
واعتبرت ممارسات الإيرانيين سببا أدى الى ترك الحزب تنظيميا من مقاتلين أمضوا سنوات طويلة داخل جسمه العسكري، فلا يمكن لأحد واجه إسرائيل وكان يملك هامشاً حراً من التعامل مع أصدقائه وأهله من خيرة الشباب اللبناني، أن يحتمل تصرفات صبيانية من مقاتلين هواة، بعضهم أرسِل للتدريب في سوريا.
وتجدر الإشارة إلى أن ترك بعض المقاتلين الحزب، لا يمكن اعتباره ظاهرة عامة، فمن اتخذ هذا القرار وصل إلى نقطة اللاعودة، بعد اجتماع عوامل كثيرة أدت إلى اتخاذ مثل هذا القرار، وأهم تلك العوامل، هي وضوح جوهر ما نقوم به في سوريا. فكثير من الأفراد والضباط اقتنعوا بأن المعركة ليست معركتنا. لكن لا يمكن للجميع أن يتراجع لأن الدخول في هذه اللعبة ليس نزهة. وللأسف، أغلب المقاتلين والقياديين يؤمنون بأننا حزب ولي الفقيه، ونحن جند في جيش ولي الفقيه، كما يقول السيد نصرالله، في حين أننا كنا نظن أن هذه الجملة مجازية، تستعمل لتأكيد العلاقة القوية بيننا وبين الشباب والقيادة الإيرانية.