في ذكرى الحرب الأهلية اللبنانية لا يجدي البكاء والنحيب، وفي إستحضارها عشية كل 13 نيسان لا بد من إبراز الخوف والهلع الذين سادا لعقد ونيّف من تاريخ لبنان، وتركا آثارًا سلبية خطيرة في وجدان المواطن اللبناني، وقطعا أوصال الوطن وحولاه إلى دويلات لم تزل تتناحر حتى يومنا هذا، فمسؤوليتنا الوطنية هي في تظهير وإبراز وفضح كل الجرائم التي ارتكبت بإسم الوطنية تارة وبإسم الأديان تارة أخرى، مسؤوليتنا الوطنية في ذكرى هذه الحرب المشؤومة تتزايد كل يوم بفعل الإنقسامات السياسية والمذهبية التي تشير إلى إمكانية إعادة التجربة، وخاصة أن من خاض الحرب الأهلية من زعمائها ومجرميها ومرتكبيها ما زال في مركز القرار.

إقرأ أيضًا: المملكة العربية اللبنانية

ما أذكره أنا من مأساة الحرب الأهلية، سواء ما شاهدته بأم العين أو سمعت عنه أو قرأته في المدونات لأصحاب التجارب ممن شارك في الحرب العبثية، هي عبارة عن صور تحكي عن اللإنسانية التي سادت على الساحة اللبنانية، أذكر منها مشاهد تلال التراب والركام الموضوعة في وسط الطرق، قطّعت أوصال الوطن، ومنعت التواصل بين الأهل وبين الأخ وأخيه، وبين الجار وجاره، وكانت تُعتبر من جهة شرقًا ومن جهة أخرى غربًا، قد سقط على أطرافها مئات المواطنين الأبرياء لا لشيء إرتكبوه، الا لأنهم يقطنون تحت رحمة مسلحين يتقاتلون على اللاشيء، ويهدفون من قتالهم الشرس تحقيق لا شيء، فقط كل ما حققوه هو انهم ألفوا أزيز الرصاص وأدمنوا رائحة الدم العبيط، وأما قيادات الحرب فكانت تتآمر على الوطن والمواطن في سهرات اللهو في النوادي الليلية، وتعاقر خمرًا مجبولًا بدماء المواطنين تارة، وتارة أخرى تحوله الى دواة تكتب منه بيانات الإستنكار والإتهام والتحريض والتخوين، هذا شيء قليل من مأساة الحرب الأهلية العبثية التي ما زالت آثارها ماثلة أمام أعين من عاصرها وفي ذاكرة مَن سمع عنها.

إقرأ أيضًا: من يصنع العقل اللبناني؟

ما نود أن نوجهه للبنانيين في ذكرى هذه الحرب العبثية التي لم تجر على لبنان وأهله الا الويلات والمآسي، ومزيدًا من التباعد والتقسيم والتقاسم، هو أن التجربة التي خيضت من قتل الأخ لأخيه، والجار لجاره، والمواطن لمواطنه، ما زالت ماثلة أمامنا بكل الوانها وأشكالها، وخاصة أن الذين قادوا الحرب الأهلية هم أنفسهم اليوم في سدة الحكم، فإحذروهم إنهم مسؤولون عن ويلات نعاصرها اليوم، ولا يمكن أن يأتي الإصلاح والامن والتجديد من أشخاص متهمين بالفساد وعدم الأمن والأمان والتخلف، إنهم على إستعداد لخوض تجربة جديدة على حسابكم، فلا تعيدوا التجربة فالمثل الشعبي يقول : " مَن جرب المجرب كان عقله مخرّب ".