الأسباب الفعليّة لعدم ارتياح "محور الممانعة" لأميركا اليوم وتالياً لاعتقاده أنه عاد سوريّاً إلى نقطة انطلاقه متنوّعة. منها عدم قدرة هذه "الدولة الأعظم" على التغاضي ليس فقط عن جرائم "داعش" والتنظيمات الارهابيّة الأخرى الناشطة في المنطقة والعالم، بل أيضاً عن جرائم النظام السوري الذي قتل وأخفى وعذّب مع الآخرين مئات الآلاف من شعبه، كما هجّر الملايين من هذا الشعب سواء إلى دول الجوار أو إلى دول العالم كلّها. ومنها أيضاً عدم قدرة الرئيس الجديد لأميركا دونالد ترامب على تجاهل تكرار الرئيس السوري أوامره باستخدام الأسلحة الكيميائية التي تؤذي شعبه أكثر مما تؤذي الارهابيّين وعلى نحو كبير. فهو استغلّ وبنجاح كبير في حملته الانتخابية الرئاسيّة فشل سلفه الديموقراطي باراك أوباما في معاقبته قبل سنوات يوم أمر باستخدام "الكيماوي" ضد الشعب وأكثر من مرّة، وفشله جرّاء ذلك في المحافظة على هيبة أميركا وقوّتها ودورها في الشرق الأوسط بل في العالم. وكان لهذا الاستغلال دور في وصوله إلى البيت الأبيض وفي استعادة تأييد الدول العربيّة والعالم الإسلامي السُني لبلاده ورهانها عليها. ومنها ثالثاً رغبة ترامب في تثبيت صورته رئيساً قوياً قادراً على تنفيذ وعوده ولا سيّما بعد اهتزازها جرّاء عجزه، بعد إلغاء "أوباما كير" أي مشروعه الصحّي الذي أخرج نحو 20 مليون أميركي من الضمان الصحّي، عن إقناع نواب حزبه الجمهوري فضلاً عن نواب الحزب الديموقراطي بتأييد مشروعه الصحّي البديل. علماً أن اهتزاز صورته استمر بعد فشل قراره التنفيذي الحارم مُسلمي سبع دول مُسلمة من دخول أميركا لأسباب متنوّعة جرّاء رفض القضاء له وتلافيه رفع الأمر إلى المحكمة العُليا خوفاً من خسارة القضية، الأمر الذي وضعه في موقع بالغ الحرج. ومن الأسباب الفعليّة رابعاً استمرار اتهام روسيا بالتدخّل في الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة لمصلحة ترامب بأكثر من وسيلة أهمّها، إلى القرصنة و"العملاء" الديبلوماسيّين، الاستعانة بأعضاء فاعلين في حملته الانتخابيّة. والمهم في هذا المجال أن الاتّهام لم يكن بلا أساس. فالجنرال المتقاعد مايك فلِنّ الذي عيّنه مستشاراً له لشؤون الأمن القومي "استُقيل" أو أُقيل مباشرة بعد انكشاف اتصالات وربما أكثر له مع الروس، وبعد كذبه في شأنها على نائب الرئيس مايك بنس. وهو أعلن عبر محاميه قبل مدّة قصيرة أنه جاهز لإخبار لجنتي التحقيق في مجلس النواب والشيوخ بكل شيء شرط منحه الحصانة من الملاحقة. وشرط كهذا يخفي الكثير ويجعل حملة أخصام ترامب تفيض بكل أنواع الأحلام والأوهام كما المعلومات الصحيحة. "القضية الروسيّة" هذه الجاثمة على صدر ترامب أو المُصلتة على رقبته كسيف مسنون دفعته وستدفعه أكثر إلى التروّي في تنفيذ موقفه الداعي منذ ترشّحه إلى التعاون مع روسيا في سوريا، وضد "الارهاب الإسلامي" كما سمّاه ولا يزال يسمّيه، وفي إيران وربما في مناطق أخرى في العالم. ومن هنا أمره بقصف مطار سوري بـ 59 صاروخاً، واستعداده لدرس المزيد من الخطوات العقابيّة للأسد تدرسها حاليّاً وزارة الدفاع ووكالات الاستخبارات، وتشدّده في قضية أوكرانيا. أما تروّيه فيظهر في اتصاله بالرئيس بوتين قبل تنفيذ الضربة لإبلاغه بها، وربما في إبلاغ "عسكريّيه" إلى "عسكريّي" بوتين بالضربة تلافياً لسقوط عدد منهم قتلى وجرحى فيها،. وانطلاقاً من ذلك يبدو أن علاقة واشنطن – موسكو التي ظن قيصر الكرملين بل الروسيا أنها ستكون ممتازة جدّاً وأن أميركا فيها ستكون الجانب الأضعف ستشهد مزيداً من التدهور قبل تحسّنها، إذا تحسّنت. ولن يعرف أحد ذلك إلّا بعد انتهاء التحقيقات الأميركيّة المتنوّعة بالتدخّل الروسي في الانتخابات الرئاسية. علماً أن أميركا المؤسسات عادت تعتبرها اليوم عدوّاً.
ومن الأسباب الفعليّة خامساً وأخيراً إدراك "محور الممانعة" أن في مقابل روسيا التي نفّذت مخطّطها السوري بنجاح خلال سنتين أميركا التي بدأت أخيراً تنفيذاً فعليّاً وقويّاً لخططها السوريّة والعراقيّة و"الارهابيّة"، وهي مستمرّة في تحديثها وفقاً للحاجة. فالموصل لولا تدخّلها العسكري جوّاً ولولا خبرائها العسكريّين والأمنيّين وسلاحها لن تتحرّر. والرقّة لن يحرّرها إلّا من تُوافق أميركا عليهم. وسوريا غير المُفيدة سيكون لها فيها نفوذ ووجود حليف وربّما وجود مباشر خفيف ولكن كافٍ. هذا كلّه من حيث المبدأ. إذ لا شيء يمنع تحديد موسكو أهدافاً جديدة لها ووضع خطط جديدة لتنفيذها. علماً أن ذلك سيكون على حساب المنطقة "بمُمانعيها" وغير "المُمانعين".