على رغم انشغال الداخل بالملفات المعقّدة، فرضت التطورات الإقليمية والدولية نفسها بنداً طارئاً على مائدة الاهتمامات السياسية. الحذرُ هو السّمة الجامعة بين السياسيين، والخشية تتزايد من أن يخرج من صندوق المفاجآت المحتمَلة حول لبنان، ما يزيد من لهيب النار المشتعلة التي يُخشى أن تتمدّد الى خارج النطاق السوري ولا تستثني لبنان. ومبعثُ الحذر هو التهديد الأميركي الذي أطلقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد «حزب الله».سؤال يفرض نفسه أمام هذا التطوّر: هل للتهديد الأميركي مفاعيل ميدانية، أم إنه مجرّد تهويل؟
 
«حزب الله» لم يُصدر أيّ ردّة فعل حيال هذا التهديد، المستفسرون من الحزب يتبيّن لهم أنّه كيّف نفسه منذ سنوات طويلة مع هذا النوع من التهديدات، ولم يُسقط من احتمالاته أنّ أيّ حرب ضده سواءٌ في سوريا أو في لبنان واقعةٌ غداً بمعزل عن هويّة مَن سيقوم بها سواءٌ كانت أميركية أو إسرائيلية أو غير ذلك، ولذلك دخل منذ زمن في مرحلة الجهوزية واعداً نفسه بشتى الاحتمالات.

الصورة يشوبها شيءٌ من الاهتزاز، هذا التوصيف اندرج في تقريرٍ ديبلوماسيّ تبلّغته جهات لبنانية رسمية غداة التصعيد الأميركي حيال النظام السوري و«حزب الله». وخلاصته «هذا التصعيد يندرج في سياقٍ متصل من روسيا الى إيران وسوريا وصولاً الى «حزب الله».

يلاحظ التقرير أنّ تغييراً في تكتيكات الحرب الغربية - الأميركية ضد «محور مكافحة الإرهاب»، تُوائم بين الحرب الناعمة ضد روسيا، وبين الضغط المباشر على سوريا و«حزب الله» وكذلك على إيران.

وثمّة أحداث تتالت وتزامنت مع هذا التغيير:

- عودة التلويح بـ«ربيع روسي» يحاكي «الربيع العربي» الذي انقلب خريفاً تكفيرياً. وذلك عبر افتعال تظاهرات في موسكو وبعض المدن الروسية، بدعوة من منظمات «المجتمع المدني»، التي لا يخفى ارتباطها بالسفارات الغربية ضد ما سمّته «فساداً» في الدولة الروسية.

ويبدو أنّ الهدف منها هو ضرب صورة الرئيس فلاديمير بوتين، خصوصاً أنّ هذه التظاهرات جاءت عقب استطلاعاتٍ للرأي وأظهرت حصول بوتين على ما يزيد عن ثمانين في المئة من أصوات الروس، ما يؤهّله للترشّح لولايةٍ رئاسية جديدة في العام 2018.

- محاولة زعزعة وتقويض الجبهة الروسية الداخلية ومحاولة الضغط على بوتين. والعنوان هنا تفجير مترو الأنفاق في مدينة سانت بطرسبورغ، رغم الإجراءات الأمنية الصارمة التي تتّخذها الأجهزة الأمنية الروسية، وبالتالي محاولة تقديم هذا التفجير على أنه انتقامٌ من روسيا على تدخلها في سوريا.

- العودة المفاجِئة للمحور المناوئ لروسيا وحلفائها في سوريا إلى التلطي خلف شعارات «إنسانية»، على خلفية الهجوم الكيميائي في بلدة خان شيخون بريف ادلب شمال سوريا قبل ثلاثة أيام.

والمفارقة هنا أنّ هذا المحور سارع الى اتهام جيش النظام، في وقت، إنّ هذا الهجوم ما تزال ملابساتُه غامضة، وحتى الآن لم تؤكّد اتهامَ النظام السوري، أيُّ جهة مستقلة بما في ذلك منظمة الحظر الكيميائي. لكنّ ثمّة ملاحظتين جديرتان بالتمعن والتعمق فيهما:

- الأولى، وهي أنّ هذا الهجوم الكيميائي في خان شيخون، يأتي في مرحلة تحولاتٍ ميدانية واستراتيجية وانتصاراتٍ ميدانية للمحور الروسي - الإيراني - «الحزبلّاوي» مع نظام بشار الأسد في الميدان العسكري، فبعد هذه الانتصارات ولاسيما الانتصار الأكبر في حلب الكبرى، هل يمكن لهذا المحور أو طرف منه كالنظام السوري، أن يُقدم على عمل مُدان من كل المجتمع الدولي ويمكن أن يقوّض كل الانتصارات التي تحققت.

- الثانية، أنّ هذا الهجوم جاء في توقيت قاتل وحسّاس، قد تكون مصادفة أنه جاء في التوقيت الذي حصل فيه ويمكن أن يكون منعزلاً عن أيّ أمر آخر. إلّا أنه جاء أيضاً غداة المواقف الدولية الأخيرة التي استفزّها موقف البيت الأبيض الذي قال إنّ رحيل الرئيس بشار الأسد ليس أوّلية.

وهو الكلام الذي أدرجه الغرب، ومعه دول معروفة بدعمها للمجموعات الإرهابية، في سياق انعطافةٍ كبرى وخطيرة في الموقف الأميركي. هنا ألا يمكن أن يكون هجوم خان شيخون محاولة لتعديل أو تغيير الموقف الأميركي؟

ويلفت التقرير الديبلوماسي الى التبدّل الواضح والسريع في الموقف الأميركي، بدأه نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، بإعلانه «كل الخيارات مطروحة» أمام واشنطن، للرد على الهجمات الكيميائية في إدلب. وتبعه ترامب بقوله: «سترون ما سنفعله في سياق الرد على حزب الله في سوريا»!

يقدِّر التقرير أنّ النبرة الأميركية التصعيدية هي عنوان سياسة واشنطن تجاه سوريا وحلفائها، من روسيا وإيران، وصولاً إلى «حزب الله»، الذي لا شك أنه عاد إلى دائرة الاستهداف الخارجي، والتحريض الداخلي، وهو ما عكسته رسالة الرؤساء السابقين إلى القمة العربية، والتي أعلنوا فيها أنّ «لبنان غيرُ موافق على تدخّل «حزب الله» في سوريا أو في العراق واليمن».

ويخلص التقرير بناءً على ما تقدم الى «أنّ المواجهة التي لم تتوقف أصلاً بين المحور الأميركي والغربي والعربي أيضاً، وبين المحور الروسي الإيراني السوري - النظام، و«حزب الله»، يبدو أنها على باب الانتقال الى مرحلة جديدة عنوانها العريض تكثيف الضغوط السياسية والعسكرية والأمنية على مساحة المنطقة الممتدة من روسيا الى المنطقة وصولاً الى لبنان.

ولكن الى أين ستؤدّي هذه الضغوط، فهذا ما تجيب عليه الأيام المقبلة، علماً أنّ أجوبة مسبقة ما زالت صالحة للاستخدام، قدّمتها حربُ تموز 2006 التي تعرّض فيها «حزب الله» لذروة التصعيد ومحاولة إبادة على مدى 33 يوماً، كما قدمتها الأزمة السورية في محطات غاية في العنف والقساوة. ومع ذلك لم يتحقق الهدف الذي أُشعِلت من أجله هذه الأزمة.