لا تزال طرابلس تضج بأخبار قضية مقتل براءة السيد ابنة ال 12 عاما حيث سطرت رقماً جديداً جديدا في انتهاك الطفولة.صباح اول يوم الثلاثاء، كان الجو في مجمع الحريري في محلة القبة ، خانقا لكل من تواردت لأسماعه نبأ السقوط المهول لبراءةعن سطح البناية التي تسكنها، وهي مؤلفة من سبع طبقات. لكن الجو كاد يكون قاتلا لمن عاين المشهد، وتتبع تطوراته التي استغرقت ثوانٍ قليلة. هي المسافة التي قطعها جسدها النحيل، من الطبقة السابعة، إلى الأرض، لتستقر... وتنتهي رحلة مع الحياة كانت براءة تعدها، وتتحضر لها، زاهية، ناهضة، فتتوقف مع العمر الجميل، والتوق للحياة حيث الأطفال يحلمون، مهما كانت الصعوبات التي يعيشونها.

كان الصباح مدويا كما سقوط براءة. خسرها الحي وأهله، فهي جميلة، دمثة الأخلاق، مهذبة، متفوقة في المدرسة، مدللة من أمها، وزوج امها، على ما افاد به غالبية الجيران المصابين بذهول لهول الحدث. توفي والدها في ظروف الأحداث، وتزوجت والدتها رانيا متلج من جديد من شاب مجتهد، يعمل في بيع الهواتف وتصليحها، و"لا يرد لعائلته طلبا، ويحب ابنه 4 اعوام ، وابنة زوجته، وهو رباها بدلال، لا يفرق بينهما، ويغدق عليهما المصروف"، كما قالت زوجته.

وتتناقل الروايات على الألسنة، تجتهد في تحديد السبب دون عوائق أمام الاجتهادات التي متى أفلتت من عقالها، لم تبقِ للحقيقة مكانا تركن فيه. هي يائسة، كما قال البعض، وانتحرت ورمت بنفسها من الطبقة السابعة قبل التوجه إلى المدرسة.

تقول امها: "كانت المديرة، كما غالبية معلمي براءة، يحبونها كثيرا. وأرادت الاخيرة أن تلفت انتباهي إلى ان ابنتي ترافق بعض زميلاتها اللواتي لم يعطن الدروس الاهتمام الكافي، عكس براءة. لذلك، كان عندي موعد معها، وقلت لها اسبقيني، وسالحقك بعد قليل".

براءة، تنتحر.. لا تنتحر. جدل يغوص به الشارع، ولا يصل إلى نتيجة. هي تحب.. لا تحب. من المبكر عليها الغرام. ما زالت طفلة لا تعرف بهذه الأمور. ربما يكون ذلك صحيحا في عصر لم يكن للشاشة دور تلعبه في تأطير مخيلات الناشئة، والأطفال صغار السن، ولا الانترنت، والهواتف الذكية التي لشدة ذكائها، لا تترك خلفها شيئا مما هو مفيد وضار على حد سواء - من حب وكراهية، من حب الحياة وتكرار مشاهد الانتحار وتسهيله على الناس حتى بات الانتحار موضة عصرية وشرطا من شروطه.

الجدة فاطمة تحسم أن "مقتل براءة عمل إجرامي، استنادا إلى مشاهدات من رآها تسقط لحظة بلحظة. كانت ممسكة بيديها بأطراف جدار السطح، ولا تريد السقوط، وأفلتت يداها، بطريقة لا يمكن أن تحدث إلا إذا أفلتهما أحد ما. وعلى طريق سقوطها، حاولت تكرارا التمسك بشيء يمنع سقوطها، كما تؤكد ابنة الجيران التي عاينت السقوط لحظة بلحظة".

الجدة تعلق إن "من يريد الانتحار لا يتدلى، ولا يمسك بالحائط، ولا يحاول منع نفسه من السقوط، كما كانت تفعل براءة".

وتضيف "اتمنى التشدد في التحقيقات لان براءة لم تنتحر".

أما الوالدة فقالت والدموع تتغرغر في عينيها: "كانت براءة تهم بالتوجه إلى المدرسة عند الثامنة إلا ثلثا، وكانت مرحة كعادتها، لا تشكو من أي أمر. أخذت محفظتها، لكنها توجهت إلى السطح لسبب لا نعرفه. وفي اللحظة التي كان يفترض أن تنطلق إلى المدرسة التي لا تبعد أكثر من 10 دقائق من المحلة، سمعت صدمة جسدها على الأرض".

الوالدة والجدة تتساءلان عن سبب توجهها إلى السطح، وترجحان وجود شخص ثانٍ، ذكر أم أنثى، ولا بد أن يكون ذلك الشخص دفع بها للسقوط. "لا نعرف السبب، لكننا نؤكد ان سقوطها لم يكن من تلقاء نفسها، فليس من مبرر لديها لذلك، ونؤكد أن سقوطها كانت بدفعة من شخص آخر".

معلمتها ميساء النجيب قالت:"علمتها طوال المرحلة الابتدائية، وكانت متفوقة، ونموذج التلميذ الناجح، المرح، المحب للحياة، وكانت تحب الرسم، وتمارسه بطريقة جيدة، فاختيرت العام الماضي للمشاركة في معرض طالبي في الأونيسكو ببيروت. وحصلت على جوائز في نهاية العام".

وتضيف: "الخبر كان صاعقا لنا لأنها براءة بالتحديد، الفتاة الهادئة، المهذبة، والمتفوقة. كلنا أحببناها، وترقبنا لها مستقبلا باهرا، وكان حلمها ان تصبح مضيفة طيران". وتغص قائلة: "ماذا أقول؟ ليس باستطاعتي أن اقول أكثر".