لا تزال قضية العرض العسكري لحزب الله في برج البراجنة مثار جدل على الصعيد السياسي واحتلت هذه القضية مكانها في الإعلام لتثبت أن حزب الله لا يزال يصنع من نفسه ووجوده دولة داخل الدولة
 

لم يعد خافيًا على أحد لا في الداخل اللبناني ولا في خارجه أن السلطة في البلد يتقاسمها دولة ودويلة دولة حزب الله وإلى جانبها الدويلة اللبنانية. 
وفي المناطق التي يتداخل فيها النفوذ بينهما فإن حزب الله هو الذي يحدد المساحات الجغرافية التي يسمح للدويلة اللبنانية بالإنتشار فيها والدخول إليها وبالعكس فإن أي طرف لا يستطيع أن يمنع حزب الله من أن تطأ إقدامه أي منطقة وأي بقعة على الأراضي اللبنانية ويدخلها وان بعناوين متنوعة وأساليب مموهة. 
أما الدويلة اللبنانية فإن قواتها الأمنية من جيش وأمن داخلي وأمن عام وغيرها ممنوع عليها الدخول إلى مناطق يعتبرها حزب الله مربعات أمنية وتشمل مراكزه العسكرية والمدنية وحتى معظم المناطق التي يقيم فيها قادته والصف الأول من التنظيم تحت ذريعة الحفاظ على أمنهم وسلامتهم وحياة أفراد أسرهم.

إقرأ أيضًا:  المواطن يدفع فاتورة الحرب والسلم.
وحتى على مستوى إتخاذ القرار السياسي وتقرير مصير البلد فإن حزب الله هو الذي يتحكم بمفاصل اللعبة السياسية التي لن يستطيع أحد أن يشارك في صياغتها إلا وفق الشروط والقواعد التي يفرضها الحزب، إذ أن القابضين على بعض مفاصل الحكم من خارج صفوف حزب الله فإنهم لا يجازفون باتخاذ مواقف معارضة للحزب أو معادية له لعدم رغبتهم في اكثر من سلطة واهية يستطيعون من خلالها إلتقاط بعض فتات المائدة عن طريق النهب المنظم للمال العام وبأساليب يفترضونها مشروعة وقانونية وتدخل ضمن منظومة تقاسم مغانم السلطة. 
وصحيح أنه نسمع في بعض الأحيان بعض الأصوات المعترضة على أداء حزب الله في إدارة شؤون البلاد وعلى بعض ممارساته الشاذة لكنها ليست أكثر من زوبعة في فنجان وتسجيل موقف لإستثماره في حسابات فئوية ضيقة وتوسيع دائرة القواعد الشعبية التي تزيد الرصيد الشعبي في الاستحقاقات الانتخابية وسرعان ما تخفت وتتلاشى نهائيًا بحيث لا يبقى لها أي أثر وأي صدى على الساحة السياسية وتعود المياه إلى مجاريها. 
وأما الحديث عن سلاح حزب الله ووصفه بالسلاح الغير شرعي فإن هذا الوصف تم سحبه من التداول، سيما وأن الحزب حاز على المشروعية لسلاحه أعلى سلطة في البلد وهو رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي صرح وفي مقابلة تلفزيونية أجرتها معه مؤخرا إحدى الوسائل الإعلامية بأن سلاح حزب الله هو حاجة لبنانية وهو مخصص للوقوف بوجه أعداء لبنان وفي مقدمتهم إسرائيل والجماعات الإرهابية نظرًا لضعف الإمكانيات اللوجستية للمؤسسة العسكرية اللبنانية وعجز الجيش اللبناني عن التصدي لمخاطر هذين العدوين اللدودين. 
وفي القمة العربية الأخيرة فإن الإتصالات اللبنانية مع الأردن منظم هذه القمة فإنها إستطاعت أن تفصل بين المقاومة والإرهاب في البند المتعلق بلبنان في البيان الختامي للقمة، فمقررات هذه القمة وصفت حزب الله بأنه تنظيم إرهابي في اليمن ومصر والبحرين ولكن ليس في لبنان وهذه تعتبر بمثابة هدية قيمة للحزب. 

إقرأ أيضًا: الممنوع والمسموح في بلدي
ولا ينسى حزب الله من وقت لآخر أن يذكر من تخونهم الذاكرة بقوته ومقدرته على التحكم باللعبة السياسية من خلال الإستعراضات العسكرية التي يقيمها والتي تعتبر بمثابة رسائل يوجهها لمن يعنيهم الأمر. 
فمن القمصان السود التي ملأت شوارع الضاحية منذ سنوات إلى إجتياح بيروت والجبل في السابع من أيار عام 2008 إلى العرض العسكري الأخير في بلدة القصير الحدودية وصولًا إلى العراضة التي شارك فيها عناصر من حزب الله مؤخرًا في برج البراجنة بحجة مداهمة تجار المخدرات وإلقاء القبض عليهم في مربع أمني من مربعات البيئة الحاضنة له ما يعني الغياب التام للدولة اللبنانية في هذه المنطقة للقيام بهذه الوظيفة. 
وأما الرد على هذه العراضة العسكرية الأخيرة فإقتصر على إستنكار يتيم جاء على لسان وزير الداخلية نهاد المشنوق، أما رئيس الحكومة سعد الحريري فقد التزم الصمت خوفا من تهديد إستقرار حكومته فيما رئيس الجمهورية منهمك بتلميع صورته كرئيس قوي أتى على صهوة جواد ابيض فاتحا أبواب قصر الرئاسة في بعبدا مع أن هذه الظاهرة الشاذة التي قام بها حزب الله أصابت العهد في الصميم. 
فحزب الله بنى دولته ليس فقط بقوة الأمر الواقع، وإنما بالفراغات السياسية والأمنية والاجتماعية التي تركتها حكومات العهود المتعاقبة في معظم المناطق اللبنانية، فملأ حزب الله هذه الفراغات، وأسس دولته على حساب الدويلة اللبنانية.