الخبر صعب. تصديقه أصعب: "نجيب ميقاتي قفز من مركب حزب الله وعاد إلى مركب السيادة والاستقلال".

معقول؟

النائب عن طرابلس، الذي فاز في انتخابات 2009 على لائحة تيار المستقبل، يبدو أنّها صعبة حظوظه في الفوز مجددا بمقعد نيابي في طرابلس، ما لم يعد إلى اللائحة التي أعطته المجد النيابي. المجد الذي من خلاله أخذ شرعية ليترأّس حكومة الانقلاب على الرئيس سعد الحريري في العام 2011.

إشارات كثيرة، وإعلانات أكثر ساقها ميقاتي وأدلى بها خلال الأيام الماضية، تؤكّد دون إمكانية للالتباس، أنّه بات في مكان سياسي آخر عن الذي كانه منذ العام 2011 حتى العام 2017.

بدأ الأمر حين تحالف الرئيسان الحريري وميقاتي في الانتخابات البلدية الطرابلسية. وخسرت لائحتهما أمام لائحة من عائلات طرابلس والمجتمع المدني وبدعم من وزير العدل حينها أشرف ريفي.

يمكن اعتباره تحالفا انتخابيا فقط لا غير. لكنّ الإشارات توالت. حين نزل الرئيس سعد الحريري إلى وسط بيروت في 19 آذار ليخاطب المتظاهرين، عشية إقرار ضرائب جديدة، رشقه بعض المتظاهرين بزجاجات المياه. لم يتأخّر ميقاتي، بعد ساعات قليلة، عن إصدار بيان يستنكر التعرّض "لمقام رئاسة الحكومة ولشخص الرئيس".

في 20 آذار كان ميقاتي، إلى جانب الرئيسين تمام سلام وفؤاد السنيورة، يتناول طعام الغداء في السراي الحكومي على مائدة الحريري. وخرجوا ببيان يؤكّد على أنّ "وجهات النظر كانت متضامنة حول ضرورة تحصين الدولة".

في 21 آذار ألقى ميقاتي كلمة في حفل افتتاح "جائزة عزم طرابلس الدولية لحفظ القرآن الكريم وتجويده". أبرز المدعوين إلى احتفال "حزبيّ ميقاتيّ" كان الرئيس الحريري. وألقى مياقتي كلمة خاطب الحريري خلالها قائلا له: "لا عداوة بيننا واختلاف المقاربات في السياسة هو في مصلحة الديمقراطية، دون عداوة او تنازع". وأكّد انّه يستلهم "نهج الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومن سبقونا"، وتابع: "تشتّتنا يا دولة الرئيس يضعنا في موقف الضعف فيما وحدتنا تقوّينا".

هكذا تلا ميقاتي عزمه على الالتحاق بقيادة الحريري، وجوّد ما طاب في ذكرى الشهيد الوالد. وفي 24 آذار، بعد ثلاثة أيام، كان يظهر على قناة "روتانا خليجية"، في حوار أجراه الصحافي السعودي أحمد عدنان القريب من القيادة السعودية، والمتطرّف لبنانياً، الذي يضع صورة الرئيس السنيورة مكان صورته على حسابه الشخصي في موقع فيسبوك. خرج ميقاتي ليؤكّد أنّه "مع حزب الله في مقاومة إسرائيل طالما بقي الصراع العربي الإسرائيلي، ولا أؤيّد استعمال السلاح في داخل لبنان، وقلت هذا الكلام بعد 7 أيّار"، وأضاف: "أنا أخذت بسياسة النأي بالنفس عما يجري في سوريا... وحين كنت رئيسا حرصت على عدم مشاركة أي فريق لبناني في الحرب السورية، وأوّل بيان صدر عن حزب الله كان نيسان 2013 بعد استقالتي في 23 آذار 2013". وختم: "لست موافقا مع المشروع الإيراني.. أريد الامن لهذه المنطقة، لكن لا تعتب على أحد عندما يكون هناك فراغ ويأتي من يملأه".

في 28 آذار خرجت إلى العلن حكاية "رسالة الرؤساء الخمسة" التي بعثها ميقاتي وسلام والسنيورة ومعهم الرئيسان أمين الجميل وميشال سليمان، إلى القمة العربية، في 27 آذار، معلنين "الالتزام بإعلان بعبدا والقرار 1701 ورفض السلاح غير الشرعي وضرورة بسط سيادة الدولة في لبنان...". كانت هذه الرسالة وقوفا "على يمين الرئيس الحريري" و"على يمين ريفي".

في 30 آذار بعث حزب الله رسالة إلى ميقاتي عبر جريدة "الأخبار" في مقال كتبته ميسم رزق، ومنه: "التفسير الوحيد أنّ ميقاتي أراد استغلال الرسالة طرابلسياً للمزايدة على اللواء أشرف ريفي، معتبراً أنه بفعلته هذه يسجل هدفاً في مرماه. ولعل حضور ميقاتي وتوقيعه كانا أكثر ما فاجأ حزب الله، وخصوصاً أن له موعداً أسبوعياً مع الحاج حسين الخليل المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. وفي معلومات «الأخبار» أن الحزب أخذ قراراً بمقاطعته".

في اليوم نفسه كتب رئيس تحرير موقع "لبنان 24"، الذي يملكه ميقاتي، الدكتور أحمد الزعبي، مقالا بعنوان "كل شيء في لبنان بخير إلا رسالة الرؤساء" وفيه "الأبلغ في الدلالة والتعبير هو توقيع الرئيس نجيب ميقاتي (على رسالة الرؤساء الخمسة). فمع التقدير الكبير لرمزية وتمثيل الرؤساء الأربعة، ومواقهم السياسية والوطنية، فإن توقيع ميقاتي كان علامة فارقة بما يمثله طرابلسياً، وسنياً ووطنياً، فهو أحد الزعماء السنة الراسخين في المعادلة الوطنية، وهو صاحب مقاربة سياسية نأت بنفسها عن الانقسامات العامودية التي حكمت لبنان منذ 2005، ويصعب التشكيك في حرصه على كل أركان المشهد السياسي بمقدار حرصه على المصلحة الوطنية العليا، وكل ذلك يجعل من توقيعه على مذكرة الرؤساء قيمة اضافية، وعمقاً وشرعية لا يمكن تجاوزها...".

في 31 آذار نشر موقع "ليبانون ديبايت" خبرا يقول إنّ "حزب الله ألغى الموعد الأسبوعي مع ميقاتي".

في الأول من نيسان خرج ميقاتي عبر جريدة "الأخبار" نفسها ليعلن التالي: "إذا كان حزب الله يعمل في مقاومة إسرائيل فأنا أقف إلى جانبه على العمياني أما في المسائل الأخرى فإن الأمر يخضع للثوابت الوطنية. لم تكن علاقتي مع أي طرف لبناني، ولن تكون، إلا على قاعدة الاحترام والثوابت الوطنية التي أؤمن بها. ومن يرغب في أي منحى آخر فهذا شأنه...".

فهل انقلب ميقاتي على حزب الله على أبواب الانتخابات النيابية؟

أم أنّها مناورة لاستمالة الصوت السنّي على أبواب الانتخابات؟

أم أنّه بات عرفا أنّ طريق السراي الحكومي تمرّ في الرياض؟

من يصدّق أنّ ميقاتي انقلب على حزب الله؟