ليس دفاعاً بقدر ما هو إدانة لا للقمة المكررة منذ ولادة المشروع العربي بنسخته القومية  بل للشعوب التي لا تتقن سوى سب الرؤساء وشتم الملوك ولعن الأمراء والتصفيق لروّاد الثورات العربية وقادة النهب الحزبي دون التقدم ولو خطوة واحدة باتجاه التغيير الصحيح والبقاء مكانك راوح كشرطي المرور ومع ذلك تستفرغ الشعوب سم لعناتها على الحكام والحاكمين في الدول التي يستوطنونها .

لم تكن قمّة الأردن الاّ واحدة من القمم التي يستهلك فيها الحكام سياسة الاستتباع لمصالح خاصة ولأوامر الجهات النافذة في العالم دون أن يكون لهم رأياً في المواضيع التي تستنزف طاقات الأمّة وهذا شيء اعتدنا عليه ولا مجال للإهتجاس من بيانات ثابتة لا تغير في محتواها ومضمونها ولا طارىء فيها فكلها منسوخة من زمن نهضة الدولة الوطنية وإعلان الخروج كرهاً عن وصاية وسلطة الاستعمار .

ثمّة من يبقى واقفاً يلوح بيديه ضدّ العرب أنظمة وحكاماً مع العلم أن المصريين هم الذين إختاروا لباسهم العسكري وهم من وجدوا ضالتهم في الإخوان المسلمين وفي اعتبار اللحية هي الحلّ وبعد أن تبين لهم مشكلة اللحية عادوا مجدداً الى الجزمة العسكرية . كما أن الأردنيين هم من والوا الملك ويفدون ملوكهم بالغالي والنفيس ويحيطون بأس السلطة ببؤسهم وهذا ما ينطبق على باقي الدول العربية دون إستثناء فالشعوب توفر السبيل لمن يحكمها ومن ثم تلعن حال الدول والأنظمة والحكومات تماماً كما يفعل اللبنانيون المدمنون على اللعن للقاصي والداني وهم من قاتل ويقاتل من أجل زعماء وقادة ونواب ووزراء ومسؤولين يتهمونهم بالفساد وإغراق البلاد والعباد بأزمات كبيرة لا قوة لأحد على مواجهتها .
اقرأ ايضاً : كان الله بعون الرئيس بري على نواب2017

لا نأمل جديداً من المستوى العربي الرسمي والأنظمة بصيغها كافة قد أثبتت فشلها ولكن ما البديل ؟ هل الاسلام السياسي هو الحل ؟ أم الاسلام الجهادي ؟ أم التكفيري ؟ أم العودة الى الجنون القديم العبثية الشيوعية على الطريقة العربية ؟ أم إنتاج بعث شبيه بالبعثين العراقي والسوري ؟ 

مشكلة الجماهير والنخب العربية أنها تدفع دائماً نحو خيارات أسوأ مما هو قائم من حكم فالحل الذي يرضيهم هو استبدال الملك بالزعيم والأمير بالأمين العام دون الدخول في تعديل جوهري في طبيعة الحكم اذا أنهم يجنحون دائماً نحو الإستبداد ويعادون الديمقراطية ويقدسون العنف ويسيؤن الى الحرية .

نبقى مع النموذج اللبناني الكل ضدّ الدولة ولكنهم مع حكامها ولم يرتضوا وبعد حرب ضروس سوى النظام الطائفي الذي يرشقونه بالأحجار ويدافعون عنه بالدماء ويعتبرون العلمانية عاهرة سياسية يجب رجمها وللأسف أكثر العلمانيين مصطفين في طوابير الطوائف بل في الجنائز الدينية تحت عناوين شتى ومبررات أيديولوجية مريضة .

أمس وقع الرئيس في وليس من قمّة الأردن فانبرى اللبنانيون أمّا للدفاع أو للتهجم والشماتة وهذا ما يعكس طبيعة الموقف من السلطات القائمة وعلى النحو المذكور فترى البعض يحيد الرئيس اللبناني ويشتم رؤساء العرب وترى البعض الآخر لا يستثني احداً وهكذا دواليك نبقى في نفس الدوامة التي آلفتنا منذ الخروج من صيغة الخلافة الى صيغة الدولة – العشيرة- وهناك حنين كبير لدى المجاهدين الاسلاميين على اختلاف تشكيلاتهم في استرجاع عصر نور عمّة الخلافة ويزمر لهم الكثيرون ممن لا يعرفون قبلة ولا يفقهون حديثاً في الدين .

علينا أن نعترف بأننا نحن من يقف وراء هؤلاء الملعونين من شياطين أولي الأمر ونحن من صنع أصنام الحكام ونحن من يُبرز في كل موسم صنماً جديداً يأكل من لحمنا ويقتات على جهلنا نحن من آمن بالجاهلية الجديدة بكل رموزها و أسمائها ونحن من آمن بثورات خربت البلاد والعباد سواء كنا ماركسيين أو قوميين أو إسلاميين فهذه تجاربنا حاضرة وسجونها مازالت مفتوحة وعصاها الغليظة تحفرعميقاً في قلوبنا.