مناهضو الزواج المبكر: يخدمون الشياطين وإبليس. الأمين العام لـحزب الله حسن نصرالله - 18 مارس 2017 دعاة المساواة بين الجنسين: صهاينة يريدون تدمير المجتمع البشري. المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي - 19 مارس 2017
 

بفارق زمني بسيط، وضع الرجلان جانباً عباءة السياسة التي تطبع خطاباتهما عموماً، واستحضرا عباءة الدين في "يوم المرأة المسلمة" وذكرى ولادة السيدة فاطمة الزهراء. شجع الأول على الزواج المبكر، وحذر الثاني من المخاطر المدمرة للمساواة ومن التشبه بالغرب الذي "جعل من المرأة سلعة".

تحذيرات بدت أقرب إلى فرض، كيف لا؟ والشيطان برأي الرجلين سيكون حليف من يخالف، والمجتمع - الإسلامي تحديداً - هو الضحية المفترضة للمتشبّه بالغرب و"الصهاينة".

بدت التصريحات مفاجئة للبعض، بينما استهجنها كثر، واستهجنوا معها خوض الأمين العام لحزب الله، على سبيل المثال، في هذا الشأن الديني الذي سيقلّب النفوس عليه. لا سيما في ظل الدعوات العالمية لمكافحة الزواج المبكر والتحذير من مغبته وآثاره الاجتماعية والنفسية المتفاقمة.

ولكن هل لهذه الدعوات محفز ديني حصراً؟ أم أن للسياسة دور في الأمر؟

أثار تزامن تصريحات كل من نصر الله وخامنئي الكثير من التساؤلات حول الغاية من تعويم مواضيع الزواج المبكر والتشجيع على زيادة النسل ورفض المساواة، في مثل هذه الظروف السياسية والأمنية الطاغية.

إذا ما أخذنا الإطار الديني الصرف، تجد مثل هذه الدعوات فيضاً من التفسيرات والموجبات. يأتي من بينها ضرورة حماية المجتمع من الانحلال الأخلاقي الذي يتسبب به تأخير الزواج والبحث عن الجنس خارج إطاره، إضافة إلى رفض مبررات تحديد النسل باعتباره تجاوزاً لمشيئة الله وشكاً بتوزيعه العادل للثروات وبمفهوم "الرزقة".

وتضم كذلك التأكيد على دور المرأة كأم ومربية، باستحضار نموذج السيدة فاطمة الزهراء، التي قال الخامنئي عنها "رغم تلك العظمة والمهام التي تفوق الفهم والتصور البشري... أحد شؤون ومشاغل السيدة فاطمة هو دور الأم والزوجة والمربية".

في المقابل، لم يغب عن الرجلين استحضار نظرية المؤامرة على الإسلام التي يشنها برأيهم الغرب والصهاينة، إذ يروّج هؤلاء لكلام "ناقص وعبثي" حول نظرة الإسلام للمرأة، ويسعون لزرع أفكار سامة لا تمت للإسلام بصلة.

وفي ذلك، كما في تفسيرات أخرى يسوقها المقال التالي لاحقاً، ما يظهر الجانب السياسي المرجو من الكلام الديني. مع العلم أن الدين لطالما أتاح لرجاله (لا سيما من القادة السياسيين) أدوات دينية طوعوها في خدمة أغراض سياسية فرضتها المراحل والظروف.

العامل الديني: إثبات هوية أم تضييق؟

في الجانب الأول، يظهر التفسير السياسي للخطابين كمحاولة لاحتواء الحملات والدعوات والميول الثقافية المتصاعدة حالياً ضد المؤسسات الدينية في لبنان (كحملة رفع سن الحضانة في لبنان في وجه المحكمة الشرعية)، وفي وجه تقييد النظام السياسي للحريات كما في إيران.

وتماشياً مع هذا التفسير، رأى البعض في تصعيد الرجلين بهذا الشكل إحساساً ملموساً لديهما بخطر الخروج المتزايد لدى الأجيال الجديدة من العباءة الدينية، وبتململ متصاعد يستشعرونه حتى في البيئات الموالية لهم.

لقد شكلت سياسات الهوية ذات الطابع الديني عاملاً أساسياً في رسم إطار المصلحة الذاتية، مع انتصار الثورة الإسلامية وصعود نجم "حزب الله" لاحقاً، وأسهمت في إقناع الجماهير - التي عايشت عصر "الانتصار الذهبي" لهذه السياسة - بالتعاليم الدينية واتباعها كجزء من التعبير عن الهوية والوجود والقوة.

مع تزايد التحديات التي يشهدها هذا المحور في مناطق معينة، بدأت الأجيال الجديدة، التي تعايش الإرباك وجزء من الخيبات الناتجة عنه أكثر مما تتلذذ بالانتصارات التي عايشتها الأجيال السابقة، تجد في التعاليم الدينية المحددة للحياة الشخصية قيوداً خانقة أكثر منها إثبات وجود.

من هنا، لا يزال التلويح بخطر المؤامرة الغربية سلاحاً أساسياً في الخطاب الديني، يؤتي ثماره في شحذ الهمم. قبل حوالي الأسبوعين، صرّح خامنئي قائلاً إن "مؤامرات العدو الثقافية أكثر خطراً من المؤامرات العسكرية"، داعياً إلى استنهاض الهمم والعودة إلى نقاء "مرحلة الدفاع المقدس".

تعزيز النسل في مواجهة الاستنزاف؟

في الجانب السياسي الثاني، تظهر الدعوة إلى الإنجاب والتكاثر، لأن المرأة تعني "إنتاج أسمى منتج ومتاع في عالم الوجود أي البشر"، بحسب ما قاله خامنئي في معرض الدعوة لإعادة القيمة، التي نزعها الغرب وفق المرشد الأعلى، إلى الإنجاب والتربية.
لا يختلف الركون هنا إلى عامل الإنجاب لأغراض سياسية، عن غيره من الأمثلة في الكثير من دول العالم (الاتحاد السوفييتي، الصين، الولايات المتحدة...) التي لعبت الظروف السياسية والحروب لدى أنظمتها دوراً محورياً في تحديد النسل من عدمه. مع العلم أن العديد منها لجأ إلى الدين كعامل إقناع موجب لدعم موقفه، بينما ساهمت العوامل الاقتصادية والاجتماعية بدورها في ترجيح كفة خيار على آخر.
بالعودة إلى إيران، ومعها "حزب الله" الذي يتبع خطى مرشدها الأعلى، فقد مرّ موضوع التكاثر فيها بعدد من المراحل.
في مناسبات عدة، قيل إن تشجيع الزواج المبكر والتكاثر فيها سببه خلق أجيال جديدة تتابع حمل لواء الجهاد، كما تسهم برفد المد الشيعي بكثرة عددية.
وخرجت في هذا الإطار تحليلات تفسر الخطابين الأخيرين بأنهما حاجة للتكاثر العددي في ظل الاستنزاف العددي الحاصل في بيئاتهما المنخرطة في الحرب على جبهات عدة.
لا مجال للنقاش في صحة هذه النظرية هنا، ولا معطيات دقيقة تعين على تأكيدها أو نفيها. في المقابل، يمكن العودة إلى سياسة تحديد النسل وتعاطي إيران معها عبر السنين، لاستخلاص أن الدعوات الأخيرة هي أكثر من دعوة دينية بحتة يثيرها رجل دين صرف.

هنا أيضاً تحضر المؤامرة التي يقوم بها الغرب الذي شعر بالفزع من ازدياد أعداد المسلمين ومن شدتهم، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالموارد الطبيعية، فأوعز لمفكريه بأن يغرقوا العالم بالمخاوف من الانفجار السكاني والمجاعات وغيرها، بينما يسعى هو إلى زيادة عدده.
بغض النظر عن صحة ذلك، الجدير ذكره هنا أن إيران نفسها قد دعت في فترة من الفترات إلى الحد من النسل، عندما اقتضت الحاجة لذلك، لتعود في فترة أخرى إلى تجريم مثل هذا القرار.
هكذا تبدلت الشعارات من "أطفال أقل = حياة أفضل" إلى "تمتع بحياة أفضل من خلال إنجاب أطفال أكثر" بحسب الظروف.
في العام 1959، كان أول ظهور لبرنامج تحديد النسل في إيران عبر "اتحاد الإرشاد الصحي للأسرة"، وهو مؤسسة غير حكومية. وكان ينشط في طهران وبعض الدوائر الضيقة، مع العلم أن عمله في تقديم وسائل منع الحمل كان مشروطاً إلى حد كبير، كإنجاب أربع أولاد بالحد الأدنى والحصول على موافقة خطية من الزوج.
عند انتصار الثورة الإسلامية توقف هذا النشاط، لكنه عاد للظهور بشكل شبه رسمي هذه المرة عقب انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية.
عندما شرعت إيران بخطة إعادة البناء بينت الإحصاءات الرسمية عن ازدياد كبير في عدد السكان جعلها بين الدول الأولى في النمو السكاني، وعليه أعيد طرح تحديد النسل من مسؤولين رسميين، واتخذ الموضوع بعداً جدياً وأكثر شرعية.
لم تعد هذه الفكرة من مخلفات نظام الشاه المكروه، بل أصبح لها تفسيرات أخلاقية وفقهية، وعُقدت لأجلها مؤتمرات كـ"الإسلام والسياسة السكانية" في العام 1990، وكُتبت دراسات لتفسير هذا الموضوع تتحدث عن الحاجة لاستثمار الموارد وتوزيعها وتحقيق التنمية.
ولكن بعد مرور حوالي عشرين عاماً على محاولة إيران تقليص عدد سكانها، برزت الحاجة إلى سياسة معاكسة.
العامل المستجد هنا كان تحول إيران إلى "مجتمع كهل" لا سيما مع تحديد النسل وعزوف الجيل الجديد عن الزواج، فدق الباحثون، ومعهم علماء الدين، ناقوس الخطر. وهكذا دعا خامنئي في أكثر من مناسبة إلى زيادة عدد المواليد، آملاً أن يصل عدد الإيرانيين إلى 150 مليوناً.