ما تزال الكتب التي تؤلف عن الإصلاح وحركاته ورموزه على اختلاف كبير بين وجهات النظر فيما يكتب ويؤلف.
ومن قديم هذا الإختلاف وتحليلاته لا يوجد إتفاق بين الباحثين حتى على الإجابة عن سؤال لماذا فشلت بعض الحركات الإصلاحية في الوطن العربي؟ ولماذا التدافع بين بعضها الآخر بشعارات الإقصاء والإقصاء المضاد؟ وما تفسير هذا الإعتراك بين حركات وتيارات يفترض بها أن تكون مفتوحة الأعين على عدوها الحقيقي؟ 
وفي ضوء ذلك فإن الحديث عن إستيلاد مشروع عربي يجب أن ينطلق من دراسة عوامل سقوط الحضارة العربية بجناحيها المشرقي والأندلسي وصولًا إلى دراسة عوامل إخفاق الحركات الإصلاحية بمفارقاتها الإسلامية والليبرالية من جهة، وإنتكاس دور العقل والعقلانية عن مشاريعها من جهة ثانية.
ولكي لا نهمل الجوانب الإيجابية من رصيد الإصلاح وإنجازاته فإن ضرورات التفاعل والتكامل تفرض على الجميع تجديد الوعي بثقافة الحوار وقيمه.
وإذا كانت آمالنا بالإصلاح قد تهدمت بفعل القطيعة مع الآخر فلسفةً وفكرًا وثقافة، فإن القطيعة مع الذات ستكون كارثية لأنها قطيعة مع عقل الإصلاح وعقل الحوار في زمن لا يستطيع فيه أحد الإدعاء بمعرفته المطلقة بصلاح الأمة وإصلاحها.

إقرأ أيضًا: الحوار والتقريب في منهج العلايلي
وبحسب بعض الباحثين فإن الجنس البشري لا يتعلم إلا من أخطائه، أما أخطاء الآخرين فهي أمور يظن أنها لن تقع له وعليه أن يرتكب الخطأ هو بنفسه حتى يعرف مغبته، وكم هي متطابقة هنا تجارب الشعوب أي التجربة الجماهيرية مع التجربة الفردية والفرق الوحيد أن الأخيرة تأتي بالضرر على شخص واحد، أما الأولى فيشمل ضررها فئات كثيرة وربما يمتد ضررها إلى أجيال وأجيال عديدة.
وإذن مع غيبة الحوار وثقافته وتصاعد وتيرة الصراع بين الحركات الإصلاحية نفسها تحت حراب الاتهامات المتبادلة بالظلامية والتخوين والتكفير تبدد مفهوم - الفكر الإصلاحي - وعدنا إلى نقطة الصفر لنواجه سؤال الإصلاح ما هو؟ ومقاصد الوعي بتجديد الفكر الإصلاحي ما هي؟ بشهادة ما أنتجته المكتبة العربية من آلاف الكتب المتخصصة بمطارحات الأحزاب الإصلاحية ومعاركها الدامية فتراجع المشروع الحضاري العربي وخسر العرب والمسلمون إستقلالهم السياسي في مشهد مدمر انتقل معه الخطاب الإسلامي من مشروع كان يهدف في القرن الماضي إلى تحرير العقل من رواسب الجهل والخرافة والبدع إلى خطاب يرتدي اليوم عباءاته المذهبية والطائفية، أما الخطاب العلماني الليبرالي فقد إنتقل هو الآخر من مشروع التحرر من الإنحطاط والإحتلال وثقافة المطلقات واليقينيات إلى مشاريع ترتدي اليوم عباءات السلاطين وملوك الأنظمة المقدسة.
والآن بين فكر مرجعيته الإسلام وفكر حامل لمرجعية الفلسفة الغربية بمختلف مذاهبها كيف نعيد النظر بالفكر الإصلاحي العربي لا بوصفه متهمًا وناشزًا عن جذور ثقافتنا بل بتصويب النظر إليه باعتباره مشروعًا وموضوعًا للحوار بملاحظة أننا لا نتحدث في اللحظة الراهنة عن فكر إصلاحي واحد بل عن تيارات متنوعة إنشغلت وما تزال منشغلة بقضايا الإصلاح وتجديد الوعي بأسئلته وتحدياته؟
وبمعزل عن تباين المنطلقات التي قسمت الرؤى الفكرية للإصلاح وجرى اختزالها بين إسلامية وغربية، فإن أحزان الواقع العربي ما تزال عند شكواها من آثار الفتن ونتائج القطيعة بين مشروعين كان يجمع بينهما هاجس الإصلاح والإستقلال من جهة، ومقاومة عوامل التخلف الفكري والثقافي الذي فتح شهية المستعمر القديم الجديد على إحتلال أرضنا العربية وتمزيقها.. فماذا جرى؟ 
في الماضي إستفاد العقل العربي من جدال الأشاعرة والمعتزلة في بناء تياراته الفكرية والفلسفية، وإستفاد أيضًا من فرص التعايش النقدي مع الثقافات المغايرة - يونانية وفارسية وهندية - واستطاع من خلالها ومن دون حرج أن ينتج ثقافته الخاصة، فلم يشعر بشيء من التغريب أو تهديد الهوية.

إقرأ أيضًا: توصيات ومقترحات مؤتمر المواطنة واقع وتحديات
ومن رحم هذا المناخ وبيئته نشأت الحركات الإصلاحية على إختلاف إنتماءاتها غير أن إسقاطاتها الأيديولوجية على جوهر العلاقات العربية - العربية في الراهن المعاصر انتهى بإكراهاتها وإستبدادها الديني والسياسي إلى إنشطار العقل العربي وانغلاق نوافذ الحوار لا إتجاه القضايا الخلافية فحسب، بل تجاه الجوهري - الجوهري من قضايا الأمن والوجود والمصير فوقعت الواقعة على رؤوس الجميع، وأسدل الستار على المشهد العربي المأزوم بين إصلاح جريح يقاوم صارخًا بوجوب نقد الذات وبناء الذات والتنمية المعرفية الشاملة، وإصلاح لا يكف عن رفع شعارات القطع والقطيعة وتدمير الذات العربية وتحطيم آخر ما تبقى من قواسمها المشتركة ..