من شأن التطورات السورية الاخيرة التي تمثلت في مفاجأة فصائل معارضة للنظام السوري قواته في مناطق قريبة من العاصمة او ايضاً في اتجاه حماه، ان تثير حماوة وحماسة في لبنان في ظروف مختلفة لولا ان لبنان انتقل الى مكان آخر وكذلك الامر بالنسبة الى سوريا. بدا لبنان وكأنه بات عصيّاً على موجات الحرب في جواره صعوداً ونزولاً او مداً وجزراً في تحوّل دراماتيكي نحو شؤونه الداخلية لإنقاذ وضع آيل الى الانهيار ما لم تتم معالجته.
 

 الا ان هذا لا يعني ان لبنان لا يتابع عن كثب ما يجري هناك والمفاجآت التي يمكن ان يحملها الوضع هناك تبعاً لتطورات مجهولة او غير متوقعة على غرار الحملة العسكرية التي فاجأت بها الفصائل النظام وحتى حلفائه ايضاً. الا ّان مطلعين متابعين للوضع بدوا حذرين في استخلاص امور اكثر من المتوقع انطلاقاً من ان النظام الذي انقذته روسيا في 2015 بقرار علني منها، من المرجح ان تنخرط اكثر اذا اضطر الامر من اجل استكمال عملية الانقاذ مجدداً، وكذلك الامر بالنسبة الى ايران بعدما باتت الرهانات كبيرة من حليفي الرئيس السوري على بقائه في هذه المرحلة. فالحملة العسكرية التي نجحت في انتزاع مناطق يسيطر عليها الجيش التابع للنظام، اظهرت على الاقل جملة عناصر من بينها ان الفصائل اكانت وحدها او مدعومة لا تزال قادرة على خوض معارك شرسة تستطيع من خلالها تحقيق مكاسب، في وقت لا تملك القوات السورية لا القدرة على المحافظة على الاراضي التي اعادتها الى سيطرتها ولا على شنّ هجوم معاكس ما لم تكن هذه القوات مدعومة ميدانياً او جوياً. فالعنصر اللافت في هذا الاطار، ان الامور لم تستتب كما اريد لها ان تكون على قاعدة ان المبادرة تبقى في يد الرئيس السوري لقصف ما يراه مناسباً من مناطق، في حين ان الاطراف الاخرى فقدت اي مبادرة تذكر. وثمّة من رسم علامات استفهام عما اذا كانت موسكو غضّت النظر في مكان ما من اجل ارغام الرئيس السوري على التجاوب مع المفاوضات التي تتولى روسيا لوحدها الدفع بها راهناً، ان في استانا او في جنيف، باعتبارها العملية السياسية التي تضع موضع التنفيذ رغبة روسيا في تثبيت وقف النار وفق الستاتيكو القائم راهناً. لكنّ عنصراً آخر يؤخذ في الاعتبار ويتصل بالصراع من ضمن الفصائل المعارضة نفسها والتي نجحت روسيا الى حد بعيد في تقسيمها عشية انعقاد مؤتمر جنيف 5، فيما يتذرّع النظام مدعوماً من حلفائه، بوجوب وجود محاور واحد في مقابله. وبينما يعتبر آخرون ان تصدر متشددين اسلاميين الحملة العسكرية الاخيرة فيما انضمت اليهم فصائل اخرى، انما يحمل رسالة واضحة الى روسيا تحديداً، باعتبارها راعية المفاوضات السلمية، بوجوب احترام تثبيت وقف النار وليس تركه مفتوحاً امام النظام للتصرف بحرية في مقابل فرضه على الآخرين.

وليس غائباً في الوقت نفسه عن اذهان متابعين كثر يدرجون التطورات الاخيرة في اطار التحركات التكتيّة في انتظار الخطوة الاميركية المقبلة في اتجاه الرقة من جهة وفي انتظار المقاربة الاميركية ككل للوضع في سوريا، خصوصاً مع اعلان وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون السعي الى "مناطق آمنة" في سوريا في موازاة السعي الى هزيمة تنظيم الدولة الاسلامية. فغياب المؤشرات عما ستكون عليه المقاربة الاميركية يترك جميع الافرقاء الآخرين يتحركون في فضاء معدوم التوازنات في انتظار ما ستكون عليه السياسة الخارجية الاميركية في المنطقة وتحديداً في سوريا.