أن يقول رئيس مجلس النواب نبيه برّي إنه «إذا كان عدم إقرار سلسلة الرتب والرواتب لمستحقّيها إفقاراً، فإنّ عدم إقرار قانون انتخاب جديد هو انتحار»، ففي هذا القول ما يدلّ إلى خطورة الدركِ الذي وصَلت إليه البلاد سياسياً واقتصادياً ومالياً ومعيشياً، مع ما يمكن أن يترتّب على ذلك من مخاطر أمنية.
 

هذه المعادلة التي يقيمها كلام برّي عن «الإفقار» و«الانتحار» تعبّر في رأي فريق من السياسيين، عن واقع الحال، فسِلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام التي تجرّ بأذيالها منذ سنوات وسنوات هي تعبير عن واقعِ البلاد المأزوم ماليّاً واقتصادياً ومعيشياً والذي بلغَ في هذه المرحلة درجةً عالية الخطورة، بما يهدّد الاستقرار العام للبلاد عموماً في ظلّ ما يسود من مخاوف على الوضع المالي على رغمِ إجراء ما سُمّي «الهندسة المالية»، وكذلك في ضوء ما يُحكى عن احتمال إجراء تغييرات في «القيادة المالية»، إذا جاز التعبير.

لذلك، يرى هؤلاء السياسيون أنّ برّي في حديثه عن «الإفقار» في حال عدمِ إقرار السلسلة لأصحابها، إنّما يدقّ ناقوس الخطر على الوضع المعيشي، إذ لا يمكن المستفيدين من السلسلة وهُم شريحة كبيرة جداً من اللبنانيين أن يتحمّلوا تأجيلاً إضافياً لإقرارها، وكذلك لا يمكن لبنان باقتصاده وناسِه تحمُّل مزيد من التدهور في المستوى المعيشي الذي بلغَ الخطوط الحمرَ نتيجة ضرائب جديدة، خصوصاً في ظلّ تفاقمِ أزمة النزوح السوري وضغوطها على الاقتصاد اللبناني، وهذه الأزمة كان بري السبّاقَ إلى التحذير من مخاطرها منذ أيامها الأولى اقتصادياً ومالياً وأمنياً، إذ ليس هناك في الأفق أيّ مؤشّرات على حلّ عمليّ لهذه القضية، بغَضّ النظر عن الحلّ السياسي المنتظر للأزمة السورية والذي ما يزال بعيداً ولا يمكن أحد التكهّن بموعده.

ما يعني أنّ ضغوط النزوح مستمرّة على اقتصاد لبنان ومعيشةِ اللبنانيين إلى أجلٍ غير معلوم، ولن تنفعَ معها أيّ معالجات، سواء بإقرار السلسلة أو غيرها، علماً أنّ الأسعار التي ارتفعت ابتداءً من الأسبوع الماضي قد بخّرَت كلّ ما ستعطيه هذه السلسلة للمستفيدين منها من جهة، وفاقمَت الوضعَ المعيشي من جهة ثانية إلى حدود «الإفقار» الذي يحذّر منه رئيس مجلس النواب.

وأمّا «الانتحار» الذي يحذّر منه بري في حال عدم إقرار قانون الانتخاب العتيد، فهو سيَنجم من تفاقم الأزمة السياسية في حال عدم إنجاز الاستحقاق النيابي وفق قانون انتخاب جديد ينتِج سلطة سياسية جديدة متوازنة تستطيع إدخالَ البلاد في انفراج سياسي ينعكس تلقائياً انفراجاً مالياً واقتصادياً ومعيشياً.

ويَعتقد هؤلاء السياسيون أنّ تحذير بري من «الإفقار» و»الانتحار» ينطوي على تحفيز وحضّ على إقرار سلسلة الرتب والرواتب في موازاة إقرار قانون الانتخاب العتيد، بل إنّ هذا التحذير سيَجعل من هذين الأمرين حتميَين، بحيث لن يتكرّر تأجيل البتّ بأيّ منهما مثلما حصَل منذ العام 2009 وحتى الآن في شأن قانون الانتخاب، ومنذ العام 2012 وحتى الآن في شأن السلسلة «التي لم ينتهِ مسلسلها فصولاً بعد».

فعدم إقرار قانون انتخاب، سيَحول دون إجراء الانتخابات، ما يدخِل البلاد في فراغ نيابي، خصوصاً أنّ المسؤولين قد ألزَموا أنفسَهم بموقف باتوا أسراه وهو أنّهم لن يقبلوا بإجراء الانتخابات إلّا على أساس قانون جديد، ولن يكون في إمكانهم القبول بإجرائها على أساس قانون الستين النافذ، وهذا ما يرتّب عليهم مسؤولية دفعِ مختلف الأفرقاء السياسيين الى الاتّفاق على قانون انتخاب حتى إذا استوجب الأمر تمديداً لولاية المجلس الحالي، فيكون لمدّة قصيرة، علماً أنّ مجرّد إقرار مِثل هذا القانون يَجعل من فترة التمديد مسألةً غير مهمّة طالما إنّ الانتخابات ستجرى وفقَ القانون الجديد.

وفي الموازاة، سيكون على المسؤولين أيضاً مسؤولية دفعِ المعنيين في اتّجاه إقرار سلسلة الرتب والرواتب والخروج من دوّامة الاعتراضات من هنا وهناك، وكذلك توفير المصادر اللازمة لتمويلها وعدم فرضِ أيّ ضرائب تصيب المواطنين في معيشتهم وتجعل من السلسلة عبئاً إضافياً عليهم بدلاً من أن تكون عاملاً محسّناً ومحصِّناً لمستوى معيشتهم المتدنّي إلى حدود الفقر.