العلاقة بين الحاكم والمحكوم في لبنان في أسوأ حالاتها، فعبر المتظاهرون يوم الأحد عن سخطهم على الحال التي وصلت إليها أمور البلد إقتصاديًا بعدما بات اللجوء إلى الشارع ضرورة لتصويب الخلل الحاصل فهل يسمع الحاكم والمسؤول؟
 

يوم بعد يوم تتضاءل الثقة بين الشريحة الأكبر في المجتمع اللبناني وحكامه ويزداد منسوب الشك لدى المواطن من إمكانية إصلاح وضعه الإقتصادي والمعيشي في ظل هذه التركيبة السياسية والحزبية الحاكمة التي أقامت جدارًا عاليًا وسميكا بينها وبين الشعب البائس والمغلوب على أمره كي لا تسمع معاناته وصرخات احتجاجاته ولا ترى تحركات الناس في الشوارع واليافطات المطالبة بالحد من فساد هذه الطغمة الحاكمة والمتسلطة على البلاد وعلى رقاب العباد. 
والذين إعتصموا وسط العاصمة بيروت منذ أيام قليلة والذين طالبوا برفع سيف الضرائب المسلط على عواتقهم والتخفيف من حدة الغلاء الذي يطال رغيف الخبز اليومي وحبة الدواء لم يعد يكفيهم إرتداء رئيس حكومتهم لبوس التواضع والنزول بين اوساطهم لإعطاء صورة الحاكم الذي يشارك شعبه في آلامه وأماله وهم يدركون جيدًا أن بضع كلمات معسولة لن تعيد إليهم حقوقهم وتستجيب لمطالبهم وتبقى عاجزة عن إستعادة ثقة المرؤوس برئيسه، وهي ليست أكثر من محاولة يائسة لإمتصاص نقمة الناس المتجمهرين في الشوارع.

إقرأ أيضًا: الإصلاح قبل فوات الأوان
فما أن تجمهر المتظاهرون في وسط بيروت يوم الأحد الماضي لإطلاق صرخة مدوية تعبر عن رفض الشعب اللبناني لقرارات الحكومة بزيادة الضرائب على الكثير من السلع الضرورية بهدف تمويل سلسلة الرتب والرواتب الذي يقضي برفع رواتب موظفي القطاع العام مع مطالبة الدولة بتأمين موارد من خلال محاربة الفساد ووضع حد لهدر المال العام في المرافق العامة والمبادرة إلى إستيفاء رسوم حرمت منها خزينة الدولة لعقود من الزمن بسبب هيمنة بعض القوى الحزبية على هذه المرافق، حتى سارع رئيس الحكومة سعد الحريري لاحتواء نقمة الناس والحؤول دون الإنفجار الشعبي فقد خاطب الحريري المعتصمين مباشرة وأطلق وعودًا بمحاربة الفساد ومحاكمة المفسدين. 
وفي المشهد السياسي العام بدا واضحًا حالة الإرباك التي تعيشها كافة المكونات السياسية والحزبية الممسكة بمفاصل السلطة فهي وفي الظاهر بغالبيتها مع إقرار السلسلة وتحسين الظروف المعيشية والحياتية للقطاع العام، وفي ذات الوقت مع فرض ضرائب جديدة على الشعب اللبناني بمن فيه الشريحة التي لا تستفيد من السلسلة باستثناء حزب الكتائب الذي عبر عن رفضه لمسألة فرض ضرائب جديدة على المواطن. 

إقرأ أيضًا: المسؤول بين الخداع ودموع التماسيح
وهذا يدلل على الإهتراء السياسي الذي يعيشه البلد والناتج عن إلغاء دور المؤسسات الدستورية والإستهانة بعملها وإختصارها بأشخاص يمثلون أحزابهم بحيث يتم تسخير هذه المؤسسات لمصالح القوى الحزبية وليس لمصلحة الناس، الأمر الذي أدى إلى فقدان ثقة المواطن بحكامه، ويتجلى ذلك في شكوك الشعب اللبناني في نوابه وفي وظيفة المجلس النيابي برمته فلم يعد الجهة الصالحة التي تدافع عن حقوقه بعدما فقد وكالة الشعب لهذا المجلس الذي مدد لنفسه ولاية كاملة دون إستشارة موكله، وبالتالي لم يعد لهذا المجلس دور رقابي على عمل الحكومة بعدما بات تشكيل الحكومات يتم بالتوافق بحيث تتمثل فيها كل الكتل النيابية فتصبح محاسبتها من قبل النواب أمرا محرجًا ومستحيلًا وممنوعًا. 
فوجد المواطن نفسه مضطرا للنزول إلى الشارع للإعتصام والتظاهر والمطالبة بحقوقه على قاعدة ما حك جلدك غير ظفرك  بعدما إنعدمت الثقة بين الحاكم والمحكوم وإستطاع أن يفرض مطالبه كأولوية على جدول أعمال مجلس الوزراء.