تحت عنوان "تجربتي مع الصحافة السعودية" قدم منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف في برنامجه لهذا الأسبوع قراءة في تجربة صحفية امتدت ثلاثة عقود للكاتب والناقد الدكتور أحمد سماحة وسط حضور نخبوي من أدباء وكتاب ومثقفين، وذلك مساء الثلاثاء 22 جمادى الآخرة 1438هـ الموافق 21 مارس 2017م.

وقد صاحب الندوة فعاليتان تضمنت إحداها مشاركة الأستاذ علي الرضي الذي قدم شرحاً لمبادرة "فريق المشي بسيهات" لرياضة المشي التي انطلقت في اكتوبر الماضي بخمسة أشخاص ووصل تعداد المجموعة حالياً إلى خمسين شخص بعد تبني دعم المبادرة من قبل أحد أعضاء المجموعة، وتهدف هذه المبادرة إلى تشجيع رياضة المشي لأهميتها الصحية والنفسية، داعياً إلى توسيع الاهتمام بهذه الرياضة في كل مدينة وبلدة، مشدداً على تفعيل دور الجهات الرسمية ذات العلاقة مع المبادرات الأهلية في تهيئة مضامير مناسبة لتشجيع الناس من كافة الأعمار لممارستها، وتضمنت الفعالية الأخرى مشاركة التشكيلية دعاء المسكين بلوحاتها الفنية المبدعة للأسبوع الثاني على التوالي التي تحدثت عن تجربتها كهواية ثم تطورت إلى فن تشكيلي أهلها للمشاركة في المعارض الفنية وذلك منذ انطلاقتها الفعلية في 2012م.

وقد أدار الأمسية الأستاذ محمد المحسن رئيس اللجنة المنظمة للمنتدى مشيراً بالقول بأن تجربة الدكتور سماحة مثلت قامة ثقافية وحضوراً في المشهد الثقافي السعودي على مدى ثلاثة عقود، وتأتي أهمية التعرف على هذه التجربة في وقت تشهد فيه الصحافة الورقية تحدياً من الصحافة الالكترونية، ثم عرف بسيرة الدكتور سماحة بأنها غنية بملامح متعددة شملت الكتابة والتأليف والنقد في مجالات المسرح والسينما والفن التشكيلي والسرديات، ومن كتبه “جماليات المكان في روايات نجيب محفوظ”، “الصعود في النص”، “الهجرة إلى الداخل”، وله ديواني شعر هما "خوف يرقبني" و"مرايا النار".

بدأ الدكتور سماحة حديثه بعد إشادته بالدور الثقافي والاجتماعي لمنتدى الثلاثاء بالإشارة لعلاقته المبكرة بالصحافة منذ طفولته التي قد تكون تأثرت باهتمام عائلته باقتناء الصحف المحلية المصرية، حيث كونت لديه في مرحلة عمرية مبكرة حساً بمحاكاة كتاب المقالات الأدبية والثقافية وقراءة الشعر والتي تعمقت في مرحلة الدراسة الثانوية، الأمر الذي حذا به في دراسته الجامعية للهندسة أن يجمع إلى جانبها دراسة المسرح والسينما، مشيراً إلى رفضه العمل بعد تخرجه بشهادة الهندسة فعمل مسئولاً عن نوادي السينما في مصر ليتفرغ بعد ذلك للعمل الثقافي والاعلامي.

وحول توجهه للعمل بالمملكة أشار بأن ذلك جاء بعد زيارة عابرة للمملكة صادف أن حضر خلالها أمسية للشاعر علي الدميني أقيمت بالغرفة التجارية بالدمام فتعرف عليه عدد من الكتاب بجريدة اليوم فأقنعوه بالإقامة للعمل الصحفي داخل المملكة، عندها ومنذ عام 1982م بدأ عمله ككاتب وناقد ثقافي بالصحف المحلية السعودية وبعض الصحف الخليجية والعربية، ولم يتفرغ للعمل ضمن جريدة اليوم إلاّ في عام 2005م في القسم الثقافي وذلك مع تقلد الأستاذ محمد الوعيل رئاسة تحريرها.

بعد ذلك تحدث الدكتور سماحة شيئا مقتضباً حول تاريخ الصحافة السعودية التي بدأت على أيدي أدباء حيث كان طابعها العام أدبياً قبل أن تتحول إلى صحافة مؤسسات وتأخذ موقعيتها في المجتمع السعودي، محيلاً من يريد التوسع حول هذا الجانب لكتابات الأستاذ محمد القشعمي والدكتور الشامخ، معبراً من جهة أخرى عن تشاؤمه من مستقبل الصحافة الورقية وقال إنها بحاجة لدعم أكبر وسعة في طرح القضايا والمناقشات حتى تستطيع مواجهة التحدي القادم من الصحافة الالكترونية، موضحاً انحسار تأثير الصحافة الورقية بسبب القوانين المقيدة في هذا الشأن.

ثم تطرق الدكتور سماحة للملحق الثقافي لجريدة اليوم مشيداً بمستوى ملحق "المربد" الذي كان يحظى بالقراءة على مستوى العالم العربي وينشر للعديد من الكتاب والمثقفين العرب ، ولشدة اعجابه الشخصي بالملحق حرص على الكتابة فيه ومتابعته قبل مجيئه للعمل في المملكة رغم المحدودية الضئيلة لتوفر جريدة اليوم في المدن المصرية آنذاك، وفي إشارته لمحاولة استعادة هذا الملحق بعد توقفه تحت مسمى "اليوم الثقافي" بتعاون عدد من كتاب الجريدة كالمرحوم شاكر الشيخ، محمد الدميني، مبارك الخالدي، حسن السبع، أحمد الملا قال: رغم أنه لم يصل لمستواه السابق تحت مسمى "المربد" بيد إنه قدم مستوى متقدم من العطاء الثقافي واحتضن فيه العديد من الأقلام الناشئة الذين تخرجوا تحت رعايته كتاباً ولهم اليوم قراء ومتابعون إلى أن توقف هذا الملحق مرة أخرى مع حرب الخليج الثانية، أما المحاولات التي جاءت بعد ذلك لاستعادته أصبحت متعثرة، مؤكداً في نهاية ورقته عن اعتزازه بالعمل في صحافة المملكة التي منحته كثيراً مما كان يطمح إليه من النتاج الأدبي مضيفاً أن انتاجه خلال وجوده في بلده مصر لم يتجاوز رسالته في الدكتوراه، أما باقي نتاجه النقدي تم في المملكة كما دعا إلى على أهمية أن تظل جريدة اليوم كنقطة توهج ثقافي.

بعد ذلك بدأت المداخلات بتساؤل مدير الندوة محمد المحسن لاستيضاح أسباب تراجع العمل الثقافي في الصحافة وهل لتراجع الصحافة الورقية دور أساس، حيث عقب الدكتور سماحة بالقول: أن بعض العاملين في الحقل الثقافي يجعلون من الثقافة عملاً نخبوياً والنخبوية تكون دائماً ضيقة الإطار، ولابد من توسيع مفهوم الثقافة وعدم حصرها بالأعمال الأدبية لتشمل مختلف شئون الحياة مستشهداً بفعاليات اسبوع الفن بدبي في ذلك.

الأستاذ خليل الفزيع أشاد في مداخلته بشخصية الدكتور سماحة مشيراً إلى العبء الكبير الذي يتحمله مسئول القسم الثقافي بالصحافة حيث يعرضه للنقد وعدم الرضا، وتحدث عن الكتابة الصحفية بعد تحولها لصحافة مؤسسات حيث كان لها دور في تقديم الرؤى تجاه التنمية التي تواكبت مع هذا التحول، كما أشار إلى التحول لدى قراء الصحافة اليوم حيث يتوقعون من الجريدة أن تقدم لهم ما بعد الخبر من التحليل والمعلومة، الأمر الذي قد توفره وسائل الاعلام الفضائي والالكتروني.

وفي مداخلة الكاتب حسن السبع تساءل عن الوسط الثقافي الذي تنتسب اليه التجربة النقدية للدكتور سماحة، كما عبر عن سعادته لمعرفة الدكتور سماحة منذ عام 1987م والعمل سويا في تحرير صفحة "كتابات" التي اهتمت باحتضان وتشجيع الكتابات الواعدة للشباب الموهوبين بجريدة اليوم مؤكداً على صعوبة الاشراف على هذه الصفحة، وقارن الأستاذ محمد المسكين بين الصحافة العربية والصحافة في أوربا وايجابيات ومساوئ المنهجين في الصحافة، كما انتقد الأستاذ محمد الشقاق حالة "الشللية" في المؤسسات الثقافية بما فيها القسم الثقافي للصحافة، طالباً القاء الضوء عن مدى واقعية هذه المسألة في الوسط الثقافي، الأمر الذي نفاه الدكتور سماحة بقوله بأنه لا يمكن تسمية المجموعات الواحدة بالشللية، وإلاّ كانت الثقافة كلها كذلك.

الكاتب فهد الخالدي أشاد بالجانب الانساني في شخصية الدكتور سماحة مؤكداً على أهمية توثيق السيرة الذاتية له، كما عبر الأستاذ يوسف كشغري عن الحضور العميق للدكتور سماحة في المشهد الثقافي المحلي والذي تعرف عليه قبل أكثر من اثنين وعشرين عاماً وكتب حول ديوان مرايا النار باللغة الانجليزية ونشرها في بعض الصحف العربية، كما تحدث عن العوامل الغير مباشرة والتي تضغط بانحسار دور الصحافة الورقية، من جهته تحدث الأستاذ منصور آل سلاط عن الجانب النقدي الذي كانت توفره جريدة اليوم سابقاً بشكل أكبر، مؤكداً أهمية توسيع مساحة النقد بالصحافة.

الأستاذ علي الحرز تساءل عن الفوارق والمشتركات بين الصحافتين السعودية والمصرية، حيث لفت الدكتور سماحة في هذا الشأن إلى وجود تشابه الطرح بين الصحافتين والاختلاف يبقى موجوداً في فهم مصطلح الثقافة التي تؤثر فيه العادات والتقاليد الاجتماعية، وتحدث الفنان عبد العظيم الضامن عن اعجابه لمنهجية الدكتور سماحة في رؤيته النقدية للحركة التشكيلية معبراً عن أسفه بأن التجربة التشكيلية في المملكة ليست فتية ولكنها لا تحظى بمستوى الاهتمام الذي تتلقاه بعض التجارب التشكيلية الفتية المجاورة، وكشف الشاعر مصطفى الكحلاوي عن تميز الدكتور سماحة بالأسلوب الراقي في استيعاب الطاقات الأدبية وتشجيعها، كما أشاد الأستاذ عيسى العيد بأريحية وتواضع شخصية سماحة بما يمثله كناقد وكاتب والذي تعرف إليه منذ سنوات من خلال تردده على إحدى المكتبات بالقطيف.

وفي الختام تساءل راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب حول أسباب تفاوت سقف التعبير بين الصحف وعن مستقبل الصحافة المحلية الورقية، مشيداً باستمرارية تواصل الدكتور سماحة مع الوسط الثقافي المحلي شاكراً إياه لاستجابته دعوة المشاركة بالمنتدى مختتماً اللقاء بتقديم درعاً تذكارياً باسم منتدى الثلاثاء الثقافي.

 

منتدى الثلاثاء الثقافي