بعد وصول الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، إلى الحكم وتربعه على سلم الرئاسة الأميركية، يراهن الكثير من المراقبين والسياسيين على إمكانية إعادة العلاقة بين واشنطن والرياض وفق قواعد وأسس جديدة ومختلفة تتمثل في إعادة الاعتبارات والتوازنات بين الطرفين، خاصة وأنّ هناك معادلات طرأت على الساحة السياسية.
 

فملفات النفط والأمن والموقع الاستراتيجي للسعودية، إضافة إلى الملف النووي الإيراني تعتبر من أكثر القضايا الشائكة التي ترسم محددات العلاقة بين الطرفين.

تأتي هذه التكهنات بعد اختتام ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، زيارته إلى لواشنطن، والتي شهدت توافقاً ورغبة مُلحّة في التعاون بين الجانبين على كافة الأصعدة، خاصة في الملفين الإيراني والإرهاب في المنطقة، وذلك لأجل الوصول لعدة تفاهمات لمواجهة كافة التحديات التي تواجه الجانبين.

كما يراهن البعض على امكانية تغيير قانون جاستا في عهد ترامب أو تعديله، ليكون في صالح السعودية، لكن، ماهي الأوراق التي من الممكن أن تستغلها السعودية لتحقيق مثل هذا الأمر، والتي من شأنها أن تضمن علاقات مستمرة بين الرياض وواشنطن؟.

فمنذ نشأة السعودية بدأت العلاقات بين الطرفين لهدف اقتصادي بالدرجة الأولى، يتمثل في البحث عن النفط والطاقة، قبل أن تتحول لعلاقة "استراتيجية" متكاملة.

وبالتالي فإنّ السبب الرئيسي الذي خلق العلاقات الحميمة بين الطرفين طوال هذه الفترة هي أسباب اقتصادية، وتوجت هذه العلاقة في أوجها عبر لقاء جمع بين الملك عبد العزيز والرئيس الأميركي روزفلت وذلك على متن حاملة الطائرات الأميركية كوينسي في فبراير عام 1945، وكان اللقاء على أعلى مستوى في ذلك الوقت، وكان بداية العلاقة الحقيقية ويمثل اللبنة الأولى في العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين.

وبالنّظر إلى الطاقة، فوضع الولايات المتّحدة اليوم لا يجعلها في حاجة للاعتماد على النفط السعودي كما كان في الماضي، ويبقى لزاماً على الطرفين تحديد الملفات التي ترسم محددات هذه العلاقة، وضمان استمراريتها بما يتوافق مع المصالح المشتركة لضمان علاقة استراتيجية.

وفي هذا السياق يؤكدّ المحلل والخبير السياسي السعودي الدكتور وحيد هاشم على وجود شراكة استراتيجية بين السعودية وأميركا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى وجود مصالح متبادلة في كافة المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية بل وحتى الثقافية.

وينوه إلى أنّ هذه الشراكة وعلاقاتها "تخضع للكثير من عوامل التغيرات الفرعية وليس الأساسية أو الجذرية تحديداً بتغير الأجواء الإقليمية والدولية".

كما يرى هاشم بأنّ هذه العلاقات بين الجانبين "لا تتأثر بتغير القيادات السياسية في واشنطن ما بين الجمهوريين والديمقراطيين، لذا جاءت زيارة بن سلمان لواشنطن، لتثبيت الشراكة وبحث مستجداتها ومتطلباتها القادمة بما يخدم المصالح الاستراتيجية والحيوية لكلى الطرفين".

الملف الإيراني أحد أهم العوائق

يعتبر الملف الإيراني بين الجانب الأميركي السعودي، أحد أهم القضايا الشائكة والجدلية بين الطرفين، خاصة بعد التوافق الأميركي الإيراني حول الملف النووي في فترة الرئيس السابق باراك أوباما، الأمر الذي أثار حفيظة الرياض في هذا الأمر؛ نظراً للخطر الذي تمثله طهران على الأمن السعودي، خاصة في مثل هذه الظروف السياسية التي تعيشها العديد من الدول العربية وعلى رأسها العراق وسوريا واليمن من جراء التدخلات الإيرانية المتزايدة.

لكنّ اللقاء الأخير الذي جمع الأمير بن سلمان والرئيس ترامب، شكّل تطوراً جديداً في مسار العلاقات التاريخية بين الطرفين، حيث اتفق الجانبين في اجتماعهما على أنّ النظام الإيراني "يمثل تهديداً أمنياً على المنطقة".

كما أكدّ الجانبان على تطابق وجهات نظرهما بشكل تام حول خطورة التحركات الإيرانية التوسعية في المنطقة، مشددين على أنّ النظام الإيراني يحاول كسب شرعيته في العالم الإسلامي عبر دعم المنظمات والعناصر "الإرهابية".

وعن مدى جدية واشنطن لاتخاذ إجراءات حقيقية ضد طهران، يؤكدّ هاشم بأنّ ترامب "رجل أعمال في بداية الأمر، ثمّ أنّه رجل سياسة بالدرجة الثانية، ويهمه استقرار المنطقة خاصة الاستقرار الأمني، ولكون إيران تمثل تهديداً أمنياً خطيراً لحركة التجارة والاقتصاد؛ فمن الطبيعي أن تتفق وتتوافق وجهات النظر السعودية الأميركية حيال حقيقة المخاطر الإيرانية خاصة سياسة الهيمنة والتغلغل والتوسع في المنطقة".

السعودية وقانون "جاستا"

يشكل قانون "جاستا" الذي أقر من قبل الكونغرس الأميركي، في ظل مساعي سابقة لتعطيل "الفيتو" من قبل الرئيس الأميركي السابق ضد هذا القانون، نقطة خلاف رئيسية، حيث سيكون من المقدور بموجبه مقاضاة دول كالسعودية على خلفية هجمات الحادي عشر من أيلول.

ومن هنا فأنّ هذا الملف يعدّ أحد العوائق الكبيرة في تحديد طبيعة العلاقات بين الجانبين السعودي الأميركي، ومدى إمكانية قيام القيادة الأميركية الجديدة وتحركها لإحداث ضغوطات تجاه هذا الملف للتنازل عنه أو تعديله جوهرياً على الأقل لأجل تحقيق المصلحة السياسية مع الجانب السعودي بما يتوافق مع المصالح المشتركة بين الطرفين.

"تخبط" ترامب ومستقبل العلاقة

لكنّ المفكر والخبير الاستراتيجي القطري الدكتور جاسم سلطان، يؤكدّ بأنّ قانون جاستا هو "مجرد فزاعة تهديد من قبل واشنطن تجاه السعودية، وغالباً لن ينفذ ولن يزال في نفس مكانه"، مشدداً على أنّ التوازن في العلاقات بين الطرفين "يعتبر أقرب للخيال بمعطيات الواقع، فهو يحتاج لإرادة واستعداد لترتيب الداخل الأميركي المرير ومن ثمّ تحمل تكاليف الفطام، لكن ما من شيء من ذلك يلوح في الأفق في الفترة الحالية".

ويرى سلطان بأنّ "واشنطن تتغير بتوجهات الرئيس؛ لكنّ الرئيس الجديد ترامب حتى هذه اللحظة غير معروف إلى الآن على مستوى المصداقية ولا حتى على مستوى توجهاته، بسبب طبيعة شخصيته واختلاف تصريحاته ومواقفه المتخبطة بين الفينة والأخرى".

وحول محددات العلاقة بين الطرفين وهل ستتغير بناء على المعطيات الجديدة والمعاصرة، يعتقد سلطان بأنّ واشنطن "حتى لو وفرت الطاقة البديلة عن النفط فإنّها لن تستغني في الاعتماد على النفط السعودي، وذلك حتى لا يتم تسليم مثل هذه الثروة في يد أطراف أخرى دولية أو إقليمية"، مشدداً على أنّ طبيعة العلاقة في عهد ترامب "ستتغير".

(الخليج اونلاين)