تبقى كلّ الأعياد مؤجّلة لدى أمهات العسكريين المخطوفين، لكن لـ"عيد الأمّ" غصّة في القلوب التي تتقلب على جمر الانتظار، ولا تبرّدها معلومة أو رسالة أو إتصال من فلذات الأكباد الغائبين عن العين والسمع، في ظلّ عجز رسمي من الدولة بكلّ أجهزتها عن معرفة مصيرهم.

يمرّ "عيد الأم" ثقيلاً، فالفرح يجافي الأمهات، والأمل يُقفل أبوابه في وجوههن، والتفاؤل بلقاء حبّات القلوب يتضاءل يوماً بعد يوم، إلّا من دعاء أمهات في جوف الليالي إلى العليّ القدير أن يجبر قلوب كسرها الحزن والخوف، وأن يرحم عيوناً جفّت دموعها ولم تتوقف عن البكاء.

سنتان و7 أشهر، وأمهات العسكريين يكتوين بنار الفراق، حتى أنّ عودة أبنائهن يمكن إنتظارها، مقابل أن يسمعن خبراً أو معلومة تطمئنهنّ عن أولادهنّ وتؤكّد لهنّ أنّهم على قيد الحياة، وعندها فلتأخذ الدولة وقتها وراحتها في السعي لإطلاق سراحهم، لكن من يبرد تلك القلوب المحترقة؟

أمّهات وصلن إلى حدود اليأس، وأخريات لجأن إلى من لا تضيع عنده الودائع، وأمهات يتمسّكن بالأمل، فيناجين فلذات أكبادهنّ ليلاً، فيأتون إليهنّ في أحلامهن، ويحملون إليهنّ بعضاً من طمأنينة تبقيهم على قيد الانتظار بصلابة وقوة من خلال تحركات لا تهدأ وإعتصام ما يزال مفتوحاً في تلك الخيمة التي أضحت معلما للإرادة ورمزاً وطنياً.

لا تفارق الدموع أمّ محمد يوسف، ويكاد لسانها لا يهدأ مع كلّ نفس في الدعاء إلى الله أن يجمعها بابنها وأن يفرّج همها، ويفك أسره ليعود إلى أحضانها وإلى عائلته وإلى ولده الذي تركه بعمر سنتين.

لا تفارق أمّ محمد يوسف حفيدها، فهي ترى فيه طفولة محمّد الذي ربّته "كلّ شبر بندر" حتى بلغ أشده وأدخلته إلى المؤسّسة العسكرية ليكون درعاً من دروع الوطن.

لا تخفي أمّ محمد أنّ النار تملأ قلبها، وهي تدعو الله أن لا يذيق أمّاً ما أذاقه إلى أمّهات العسكريين التسعة، اللواتي لم يعدن يقدرن على الانتظار، ولم تعد قلوبهن تحتمل مزيداً من الخوف والرعب على أولادهن.

لكن أمّ محمد تؤكّد أنّ ولدها ما يزال على قيد الحياة، وأنّه جاء إليها أكثر من مرة في المنام ليطمئنها عنه، ويقرأ السلام على والده حسين الذي لم تهن عزيمته أو تلين إرادته وما زال صامداً متابعاً كلّ شاردة وواردة عن إبنه وعن العسكريين المخطوفين.

يفخر حسين يوسف بأمّ محمد التي تعطيه الأمل وتقف إلى جانبه ليتمكن من الصمود.

وهو يقول لـ"سفير الشمال" إنّه يتحدّث باسم العسكريين المخطوفين التسعة، ليقول للأمهات: "كل عام وأنتن بألف خير، وليكن أملكن كبيراً بنا وبالله، فنحن عبر دعائكن نصمد، ونأمل من الله أن يجمعنا بكن على خير وبسلام وأمان وطمأنينة، راجين المولى أن يزيل هذه الشدّة، وأن نعود إلى أحضانكنّ التي اشتقنا أن نضع رؤسنا عليها وأن نرتاح إليها".

كما نقول لأمهات أولادنا، كلّ عام وأنتن الخير والجمال والثبات والصمود، على أمل اللقاء بكنّ، لأنّه آن للعيد أن يأتي.

(سفير الشمال)