سابعة التناقضات والتحدّيات التي أحبطت جزئيّاً، وقد تحبط مُجدّداً، علاقة الولايات المتحدة بالدول العربية في الخليج، والتي دفعت أميركيّين كثيرين، كان ترامب منهم، إلى نسيان عقود من التعاون معها هي، في رأي باحث أميركي جدّي شغل مواقع ذات صلةّ بالشرق الأوسط، احتمال أن لا تتقبّل الدول المذكورة اقتراح الرئيس الجديد للولايات المتحدة أن تقوم هي بتمويل إقامة "المناطق الآمنة" في سوريا. علماً أن هذا المشروع خطر وفكرته لم تُدرس على نحو جيّد. إذ له هدفان الأوّل قد يتحقّق وهو تثبيت النازحين السوريّين داخل أرضهم فيها. أمّا الثاني فغير قابل للتحقيق وهو عودة السوريّين الذين لجأوا إلى الخارج إليها.
وثامنة التناقضات والتحدّيات هي أن عرب الخليج لا يحبّون القيام بأدوار فاعلة لأنها قد تحمل أخطاراً جسيمة عليهم. فضلاً عن أنهم ينقسمون دائماً عندما يُواجهون تحدّياً من هذا النوع. وربما يعود ذلك إلى تفوّق الروس والأتراك عليهم من الناحية العسكريّة ولا سيّما بعد التطوّرات السلبيّة في نظرهم التي شهدتها سوريا في السنتين الماضيتين. كما يعود إلى تفوّق من يحارب عن هؤلاء في سوريا مثل الجيش السوري ووحدات "الحرس الثوري" الإيراني و"حزب الله" وميليشيات شيعيّة أخرى بعضها قَدِم من العراق والبعض الآخر من باكستان وأفغانستان.
وتاسعة التناقضات والتحدّيات الشك الدائم للأنظمة السنّية وخصوصاً العربية في أن يؤدّي تنفيذ الهدف الأوّل على "أجندة" ترامب، وهو تدمير "الدولة الإسلاميّة" ("داعش")، إلى السماح لنظام الأسد ولإيران بملء الفراغ الذي يحدثه ذلك وتالياً بتهديد مصالحها. طبعاً تعرف الأنظمة المذكورة أن مشروع "الهلال الشيعي" الذي تعمل إيران على تنفيذه من زمان بدءاً من العراق ولبنان ومروراً بسوريا بعد سطوع شمس ربيعها ثم تحوّله شتاء عاصفاً ومدمّراً، تعرف أنه "منتفخ" جدّاً وقابل للفشل. لكنّه يبدو حقيقيّاً على الأقل في سوريا. والسعوديّون أحبطتهم أميركا أوباما ويخشون أن تحبطهم مرّة ثانية إدارة خلفه ترامب جرّاء افتقارها إلى إرادة محاربة إيران في سوريا بالوكالة وذلك لا يضعف النفوذ الإيراني فيها ولا يُقوّض نظام الأسد.
وعاشرة التناقضات والتحدّيات في رأي الباحث الجدّي الأميركي نفسه الصراع المُزمن بين الفلسطينيّين وإسرائيل. وقد فاق أحياناً كثيرة التفاؤل في تسويته بالتفاوض الحقيقة المتعلّقة بدعم الدول العربيّة عملية صنع السلام بينهما. إلّا أن هذا الموضوع يستحقّ الاختبار مرّة جديدة في ضوء الاتجاه الإيجابي ما بين إسرائيل ودول الخليج الذي فرضه الخوف المشترك من إيران و"الجهاديّين" السُنّة. باستثناء هذا الخوف لم يؤثّر أي عامل إيجاباً على عمليّة السلام. لكن فكرة توسيع دائرة صنع السلام يجعل أطرافها كلّهم يقدّمون تنازلات أقل إيلاماً وأكثر مضمونيّة ليست في الواقع إلّا "تعبئة النبيذ القديم بزجاجات جديدة". وهي قد تكون مُنتجة إذا كانت إسرائيل والفلسطينيّون جاهزين لاتخاذ قرارات صعبة في المسائل الجوهريّة مثل الحدود والقدس. لكن لا توجد إشارات إلى استعداد كهذا. ومن الصعب الاعتقاد أن الدول العربية ستتخلّى عن مبادرتها للسلام عام 2002، وستعترف بإسرائيل من دون حصول الأشقّاء الفلسطينيّين على شيء مُهم في المقابل. فالسعوديّون يرسلون إشارات إيجابيّة فعلاً، لكن لا شيء مجاناً.
ماذا ستفعل أميركا في هذه الحال؟
ستكتشف عاجلاً أم آجلاً أن العرب السُنّة سيكونون شركاء "صعبين"، وأن عملية تفعيل التعاون الإقليمي لن تصل إلى مكان. فدُولهم سجلّها ضعيف في العمل معاً وخصوصاً في المجال العسكري، ودعم أميركا لها سيدفعها إلى التدخّل في شؤون جيرانها. وربّما يُحبط ذلك ترامب كما أحبط أوباما. ولذلك على أميركا إبقاء سقف توقّعاتها مُنخفضاً كما عليها عدم الإنجرار إلى تنفيذ كل ما يطلبون. فإذا نجحت يُصفّقون ويُهلِّلون. وإذا فشلت يرمون اللوم عليها. فضلاً عن أن سياسات الإدارة الجديدة في واشنطن، مثل وضع قيود مشدّدة على هجرة المسلمين إلى أميركا ودعم العناصر المتشدّدة في إسرائيل، سيجعل التعاون معهم أكثر صعوبة. علماً أن ذلك لا يعني غياب أي مجال للتعاون بين الفريقين. فمجال الدفاع البحري والصاروخي مفتوح، ومعه مجال الدفاع عن البنية التحتيّة الاستراتيجيّة في الخليج وحمايتها من اعتداءات إيران والإرهابيّين. لكن الحلم باستعادة الاستراتيجيا الأميركيّة الواسعة للشرق الأوسط صار صعب التحقيق.