لا يمكنك أن تمر على قرية بكيفا في البقاع الغربي اللبناني دون أن تسمع أو أن يحدثوك عن الريسة (سليمة درغام)، التي كانت أول رئيسة بلدية في لبنان، والأولى في تاريخ بلدية بكيفا وقد تولت رئاسة المجلس البلدي مدة 30 سنة   وكانت درغام قد إنتخبت رئيسة لبلدية بكيفا في آخر إنتخابات نيابية في العام 1964 وحملت هذه الرئاسة مع سيدة من آل عيد إنتخبت كرئيسة بلدية مزرعة الضهر – الشوف، وإستمرت في خدمة أبناء بلدتها حتى العام 1998، أول إنتخابات بلدية جرت بعد الحرب الأهلية.

ودرغام من مواليد العام 1918 في عين عنوب "قضاء عاليه"، إنطلقت من جمعية نهضة المرأة الدرزية، التي لطالما إعتبرتها المدرسة الإجتماعية الأولى في حياتها والتي كانت بالنسبة إليها بداية إنطلاقتها إلى المجتمع والدافع إلى العمل البناء المنتج.

إقرأ أيضًا: راشيا: أزمة النزوح تلقي بظلالها

وقد حازت درغام على وسام الأرز من رتبة فارس من قبل الرئيس الراحل سليمان فرنجية في حفل أقيم في البارك اوتيل في شتورة العام 1974، ووسام الأرز من رتبة ضابط من قبل الرئيس الياس الهراوي، ووسام الإستحقاق اللبناني المذهّب، ومن كلمتها في حفل تكريمها عام 1974: "مسؤوليتي أن أستحق كل يوم هذا الوسام، والويل لمن يسقط وسامه عن صدره"، عرفتها بحكم قرابتها بوالدتي وكنت أحدثها كثيرًا عن الحقبة التي تولت بها رئاسة المجلس البلدي في بكيفا، وكانت تردد دائمًا: ليس المهم كيف يقيموك أو ماذا يقولون عن الإنسان، المهم هو ما فعله هذا الإنسان نفسه لمجتمعه ولقريته ولوطنه، دائما ما كنت أراها مبتسمة، إبتسامة الإنسان الواثق السعيد بما قدم، فالسيدة درغام قدمت لبكيفا العديد من الإنجازات كمعصرة الزيت الأولى في المنطقة، ومعمل الخياطة الأول في المنطقة، بالإضافة إلى قاعة للأفراح والأتراح ومساهمتها الكبيرة في بناء مركز نادي بكيفا الثقافي الخيري، ومساهمتها في دعم الأسر الأكثر فقرًا قدر المستطاع، وما يجب أن يذكر أنها كانت على علاقة قوية بكل القوى السياسية النافذة في طائفة الموحدين الدروز وخاصة بالزعيم الدرزي وليد جنبلاط.

كرمت من الرئيس إلياس الهراوي ومنحها وسام برتبة ظابط تقديرًا لمجهودها الكبير في بناء قريتها وفي إيصال هذه القرية إلى المكان الذي تحلم به كانت تردد كثيرًا: ليس الفضل لي وحدي بما فعلت، الفضل لزوجي علي درغام الذي منحني الثقة والإمكانيات لكي أسير في طموحي، وخاصة أننا عشنا فترة زمنية طويلة في نيويورك، وندرك أهمية بناء الإنسان والمجتمع في عصر تحاول كل المجتمعات أن تفرض نفسها وبقوة لإثبات ذاتها، لها أسرة مكونة من أربع سيدات وشاب يعمل في حقل إدارة الأعمال هو نبيل درغام ولأن يوم الوداع الأخير للإنسان هو يوم تكريمي له في مجتمعه وبيئته كان يوم وفاتها أشبه بمهرجان كبير حضرت فيه الوفود من كل لبنان، بالإضافة لمعظم الشخصيات السياسة من كل الإتجاهات السياسية والدينية والثقافية، وما يجب أن يذكر أنها في الخمسة عشر عامًا الأخيرة من حياتها إتجهت إلى الإلتزام الديني لإقتناعها بأن ثقافة التوحيد ثقافة مؤسسة لكل تقدم ونجاح، وهي المدماك الوحيد لثقافة الوطن، وهذا ما قالته إبنتها هدى التي تعيش في الهند وتمارس مهنة التعليم هناك منذ مدة: أمي بذلت الكثير من الجهد لإيصال الصورة الأجمل والأرقى لبكيفا ومشروعها بحاجة لمن يكمله لأن عمل الخير وبناء المجتمع هو مشروع مستمر إستمرار الإنسان نفسه، كانت أمي تقول لنا دائمًا: إفعلوا الخير ولا تأبهوا، ففعل الخير هو جزء من كينونة الإنسان ومن جمالية وجوده، نذكرها في كل لحظة ونحاول أن نسير في الإتجاه الذي سارت به.