الناس تُسقط الضرائب والحريري يبادر للقاء والنقاش

 

النهار :

لم تنجح كل المساعي التي انطلقت منذ مساء الجمعة مع الرئيس سعد الحريري، واستمرت السبت مع الوزير جبران باسيل صباحاً، ومع السيد حسن نصرالله عصرا، في احتواء الشارع الذي جمع امس متظاهرين ناقمين على معظم السياسات، وخصوصا السياسة الضريبية التي بدأ اقرار بنودها في مجلس النواب، فيما تم تضييع النصاب قبل اقرار سلسلة الرتب والرواتب.
فالسلسلة مؤجلة بحكم الامر الواقع، وبأمر من الرئيس نبيه بري الذي أعاد جدولة الاهتمامات، ووضع قانون الانتخاب في رأس سلم الاولويات، وأيده في الجدولة الامين العام لـ "حزب الله" الذي اعلن عن لجنة ستعيد النظر في الضرائب المقترحة لتوفير التمويل اللازم للسلسلة من دون تحميل المواطنين الاكثر فقراً اعباءها.
بيان الرئيس بري الذي تضمن "اعادة الامور الى نصابها"، وحدد الاولوية لقانون الانتخاب، وتعيين لجنة برلمانية لكشف الفساد والمفسدين، قبل اقرار سلسلة الرتب والرواتب، معطوفا على كلام نصرالله أظهر تنسيقاً شيعياً وتبادلاً للادوار بين طرفي الثنائي، وامساكا بالقرار بما يخدم مصلحة الاستقرار ويدعم رئيس الجمهورية الذي بدا فريقه يتخبط في الازمات المزمنة والتي بدأت تحاصر العهد.
أما المشهد الشارعي، فتوزع أمس بين المختارة صباحاً، وساحة رياض الصلح منذ الظهر. وكانت مفاجأة وسط بيروت في اطلالة رئيس الوزراء سعد الحريري على المتظاهرين الذين تنوعت مشاربهم وانتماءاتهم ومناطقهم، ومنهم من ينتمي الى أحزاب الاشتراكي والكتائب والاحرار، واعداً بان "نكون الى جانب الناس وسنكمل المسيرة معاً، نحارب الفساد ونوقف الهدر، الاهم ألا ينشغل اللبنانيون عن هدف وطني اساسي يتمثل بإقرار قانون انتخاب جديد يتيح اجراء الاستحقاق كأولوية لمنع دخول البلد في المجهول". لكن الاطلالة الجريئة للحريري لم تمنع بعض المتظاهرين التعرض له، الامر الذي دفع آخرين الى الانسحاب. وعلى رغم بعض المواجهات الخفيفة مع القوى الامنية، لم تتحول التظاهرة أعمال شغب وتخريب، لكنها كما أفاد المنظمون لن تكون يتيمة، اذ ثمة استعدادات لتحركات اضافية، سيحد من اندفاعها عدم انعقاد مجلس الوزراء الاربعاء بسبب سفر رئيس الوزراء، كما عدم توجّه رئيس المجلس الى دعوة هيئة عامة الاربعاء كما كان متوقعاً، اذ سيعاد درس جدول الضرائب والواردات. ويعقد وزير المال علي حسن خليل مؤتمرا صحافيا ظهر اليوم للاعلان عن خطوات جديدة في هذا المجال.
أما في المختارة التي احتشد فيها اشتراكيون وفدوا من كل المناطق، فقد البس النائب وليد جنبلاط نجله تيمور كوفية الزعامة بمبايعة شعبية وسياسية واسعة شارك فيها الرئيس الحريري وممثلون لـ "حزب الله" وحركة "امل" و"التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، كما وفود من سفارات دول عربية، ومسؤولين فلسطينيين.
وشكل الحفل بخطابه السياسي المقتضب والذي أشاد فيه مجدداً بمصالحة الجبل، رسائل سياسية متعددة الاتجاه، أولاها في اتجاه رئيس الجمهورية وفريقه والمؤيدين له من الطائفة الدرزية بان جنبلاط هو زعيم الجبل والدروز ولا يمكن تجاوزه، ولا يمكن اقرار قانون انتخاب من دونه، وانه ايضا يتقن لعبة الشارع التي يلوح بها آخرون. كما وجه رسائل الى فريق 8 اذار، بانه الامين على الخط الوطني المدافع عن قضية فلسطين والمعادي لاسرائيل، وانه أعاد ترتيب اولوياته السياسية ليعيد تموضعه كنقطة التقاء بين الاطراف. ودعا تيمور الى السير مرفوع الرأس، يحمل تراث جده، ويشهر عالياً كوفية فلسطين العربية، وكوفية لبنان التقدمية، وكوفية المقاومين لاسرائيل، وكوفية المصالحة والحوار.
وقالت مصادر في الحزب التقدمي الاشتراكي انها تبلغت من القوى الامنية ان عدد المشاركين في مهرجان المختارة قارب الـ 120 الفا.

 

قانون الانتخاب
اما في الشق الانتخابي، فان اجتماعاً عقد ليل أمس للبحث في الاقتراح الاخير للوزير باسيل، يسبق سفره صباح اليوم. ومع تركيز الرئيسين بري والحريري على أولوية قانون الانتخاب، رأى السيد نصرالله ان "اللعب على حافة الهاوية بالنسبة الى قانون الانتخاب بات خطيراًً، داعياً الجميع الى "تقديم تنازلات للوصول اليه".
وقد تم أمس تجاوز المهلة القانونية لدعوة الهيئات الناخبة المحددة بـ90 يوما قبل موعد الاستحقاق. واذا كان القانون اللبناني حدد الاحد الاخير قبل انتهاء ولاية المجلس موعدا لاجراء الانتخابات، فانه يصادف الاحد 18 حزيران. وأعاد وزير الداخلية نهاد المشنوق اعداد الدعوة ووقعها ورفعها الى رئاسة الوزراء لتوقيعها ورفعها الى رئيس الجمهورية المصر على عدم التوقيع في ظل القانون الساري حالياً. لذا بات مسلماً بتمديد تقني لمجلس النواب يريده الرئيس جزءاً من مندرجات قانون الانتخاب الجديد الذي لم يكفّ عن دفع الجميع الى الاتفاق عليه قبل وصول المجلس الى نهاية ولايته.

 

 

المستقبل :

بشجاعة غير مسبوقة، وبمسؤولية رجل الدولة الذي لا يكتفي بمخاطبة المواطنين من وراء الشاشات وإنما وجهاً لوجه وفي الشارع، وفي عزّ أعمال الشغب ضدّ القوى الأمنية ومحاولات إزالة العوائق الحديدية للوصول إلى السراي الحكومي، فاجأ رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري المتظاهرين في ساحة رياض الصلح أمس بحضوره شخصياً إلى المكان، وخاطبهم بوضوح «كما وعدناكم»، ليؤكد الوقوف إلى «جانب الناس ووجعهم.. ومحاربة الفساد ووقف الهدر».

هذه الخطوة التي لم تمنع بعض المندسّين في التظاهرة من مقابلتها بخطوات هوجاء، أرادها رئيس الحكومة وسيلة مباشرة للتواصل مع المواطنين ومع قضاياهم، رغم تحوُّل هذه التظاهرة التي قادها «الحراك المدني» وأحزاب «الكتائب» و«التقدمي الاشتراكي» و«الوطنيين الأحرار» إلى هرج ومرج وأعمال شغب أساءت إلى العناوين المطلبية.

وقال رئيس الحكومة أمام المعتصمين: «وعدناكم أن نكون واضحين معكم، وإن شاءالله سترون أن هذه الحكومة مع فخامة الرئيس ستكون دائماً إلى جانبكم وإلى جانب الناس ووجع 

الناس». أضاف: «صحيح أن هناك هدراً في البلد وصحيح هناك فساد، لكننا سنحارب هذا الفساد.. وسنوقف الهدر». وفي تغريدة له عبر موقع «تويتر» دعا الحريري منظّمي التظاهرة إلى «تشكيل لجنة ترفع مطالبهم لمناقشتها بروح إيجابية».

وكانت عناصر مندسّة انضمّت إلى التظاهرة وعمدت إلى إلقاء عبوات المياه والحجارة والمفرقعات النارية على القوى الأمنية، فيما عمل شبّان ملثّمون على إزالة العوائق الحديدية في محاولة للوصول إلى السراي الحكومي. وتمكّنت القوى الأمنية من حفظ الأمن وحماية التظاهرة واحتواء الموقف.

وفي وقت لاحق، انسحب مناصرو «الكتائب» و«التقدمي الاشتراكي» و«الأحرار» من التظاهرة احتجاجاً على أعمال الشغب.

وتوالت ردود الفعل المستنكرة لما تعرّض له رئيس الحكومة خلال مخاطبته المتظاهرين، ونوّهت بجرأته وبدعوته إلى مناقشة مطالب المعتصمين «بروح إيجابية».

 

الديار :

من ساحة رياض الصلح الى المختارة، قال الشارع أمس كلمته ووزع الرسائل في اكثر من اتجاه، فارضا ايقاعه مرة اخرى على المشهد السياسي المتصدع الذي بدا بحاجة الى ترميم سريع، قبل استفحال تأثير الاهتزازات المتلاحقة التي يتعرض لها.
في الجبل، بايع عشرات الالوف من الموحدين الدروز خيارات النائب وليد جنبلاط بعد استشعارهم بـ «الخطر الوجودي»، وكانوا شهودا على انتقال كوفية الزعامة من الاب الى الابن تيمور في الذكرى الاربعين لاغتيال جده كمال جنبلاط.
وفي وسط بيروت، انتفض اللبنانيون على «دكتاتورية» الضرائب و«محميات» الفساد، وقالوا «لا» مدوية لمحاولة تمويل سلسلة الرتب والرواتب المشروعة من خلال لحمهم الحي، بعدما افترضت السلطة ان بامكانها «تهريب» الزيادات الضريبية عبر «الخط العسكري»، بأقل ضجيج ممكن.
وربما تكون السلطة قد اصبحت، في أعقاب انتفاضة المجتمع المدني «المتجددة»، اكثر ميلا الى تأجيل الانتخابات النيابية، سواء تقنيا او سياسيا، خشية من ان تفلت منها خيوط اللعبة، وان يُترجم المزاج الشعبي «المتمرد» الى اصوات هادرة وثائرة في صندوق الاقتراع.
ولئن كان الرئيس سعد الحريري قد حاول احتواء غضب المحتشدين في وسط بيروت بنزوله الى الارض الساخنة ووقوفه على «خط التماس» مع المتظاهرين مخاطبا اياهم ومحاولا طمأنتهم، إلا انه سرعان ما تبين ان حجم الاحتقان الشعبي هو اكبر من ان تحتويه مبادرة فردية لرئيس الحكومة، حتى لو اعتبرها البعض «شُجاعة»، ما اضطره الى «الانسحاب» سريعا، بمواكبة مرافقيه، تحت وابل من رشقات الزجاجات الفارغة وخفقات «القلوب الملآنة»...
لقد بدا الحريري وكأنه يحاول ان «يقود» التظاهرة، رافعا لواء محاربة الفساد والهدر ومبديا تعاطفه مع المطالب المحقة، إلا ان هذا «الانزال» خلف شعارات المحتجين لم ينجح في تحييده عن «بنك الاهداف» الذي حدده المعترضون في الشارع، رافضين التفاوض معه، في تعبير عن ازمة الثقة بين الناس والدولة.
وليست الحكومة والسلطة التشريعية هما المطالبتان فقط بالتقاط نبض الشارع ومحاكاة تطلعه الى تحقيق الاصلاح الملح والعدالة الاجتماعية، بل ان رئيس الجمهورية ميشال عون معني، وربما أكثر من غيره، بملاقاة الناس في أول الطريق، لا في منتصفها، وصولا الى الاستجابة لصرختهم ضد الضرائب المجحفة ولالحاحهم على وضع قانون انتخاب جديد، قبل ان يؤدي تراكم عناصر الخلل الى استنزاف زخم العهد ورصيده باكرا.
والمهم ألا يكون ما حصل بالامس مجرد «نزهة احتجاجية»، في يوم عطلة، وبالتالي فان المحك يكمن في البناء على لحظة النهوض الشعبي وتفعيلها، لمواصلة الضغط على مراكز القرار الرسمي بشكل تراكمي، ودفعها نحو مراجعة خيار فرض الضرائب واعطاء الاولوية لتحدي مكافحة الفساد.

 مهرجان المختارة 

على المقلب الآخر من الجغرافيا والسياسة، كان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط يعيد تثـبـيت موقع «المكوّن الدرزي» في النظام ومنظومة التوازنات، على طريقته التي لا تخلو من الابهار البصري والحبكة الدرامية.
واستعان جنبلاط في تظهير هذه المشهدية المركّبة بـ «الاحتياط الاستراتيجي» من جمهوره الذي لبّى النداء وهبّ لنصرة الزعيم والوريث، زاحفا بعشرات الالاف من بلدات الجبل وراشيا وحاصبيا الى قصر المختارة، في يوم «حشر» للخصوم الذين كان بعضهم حاضرا، حتى قيل انها «تسونامي درزية».
وإذا كان 8 و14 آذار هما التاريخين اللذين شكلا علامة فارقة على المستويين السياسي والشعبي منذ عام 2005، وحتى الامس القريب، فان جنبلاط استطاع ان يُدخل 19 آذار الى المنافسة بقوة، محوّلا اياه الى يوم يُحسب له حساب في روزنامة المناسبات اللبنانية، على قاعدة ان ما بعده ليس كما قبله.


 لقد استخدم جنبلاط البارحة لغة الارقام ليصيغ بها رسالة موجهة الى كل من يهمه الامر فحواها انه يجيد فن الحشد والتعبئة كما غيره، وان حجمه الحقيقي يقاس بعدد الذين حضروا، لا بمزاجية الذين يفصلون قوانين الانتخاب ويوزعون الحصص كالإعاشات.
صحيح، ان كلمة جنبلاط تفادت الخوض العلني في الملفات الخلافية، واستوت عند الثوابت الاساسية، لكن ما همست به بين السطور كان يكفي لترسيم الحدود بين المقبول والمحظور، في رد ضمني على محاولة الاستفراد والاقصاء، التي يستشعر بها زعيم الجبل وجمهوره.
وامام الحشد الواسع في الذكرى الاربعين لاستشهاد كمال جنبلاط، استكمل رئيس «اللقاء الديموقراطي» مراسم «الانتقال السلس» للزعامة الموروثة الى تيمور، فأودعه مجموعة وصايا مستمدة من دروس التجربة، وألبسه الكوفية الفلسطينية بكل ما تختزنه من رمزية ودلالة، الامر الذي يضع الابن امام تحديات مفصلية وينقل دوره السياسي من مرحلة «التعاقد» الى مرتبة «التثبيت»، ومن مستوى «الهواية» الى عالم «الاحتراف». 
والكوفية الفلسطينية جرى توزيعها على جميع الحاضرين، فكانت قاسما مشتركا بينهم، على اختلاف تلاوينهم وانتماءاتهم، في زمن التآمر عليها والتنصل منها. والمناسبة جمعت كل الاطياف الداخلية حول جنبلاط الاب والابن، من «تيار المستقبل» الى «حزب الله» و«حركة امل» مرورا بـ «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر».  
وفي ظل المزج بين خصوصية ذكرى اغتيال كمال جنبلاط، واحتفالية تجيير الزعامة الى تيمور، وتفاقم الهواجس الدرزية بفعل «فوبيا» قانون الانتخاب... امتد السيل الجماهيري عبر كيلومترات طويلة، وصولا الى المختارة، حيث ضاقت اروقة القصر الجنبلاطي والساحات المحيطة به بالوافدين من كل الاعمار، في استنفار شعبي يكاد يكون غير مسبوق، ورافقته حالات اغماء تطلبت تدخل الصليب الاحمر. 
وكانت الوفود الشعبية قد بدأت منذ ساعات الصباح الاولى، بل حتى قبل صياح الديك، بالتدفق في اتجاه موقع المهرجان، سعيا الى حجز امكنة في الصفوف الامامية المشرفة على المنصة التي سيطل منها جنبلاط، لكن الزحمة الشديدة فرضت على الكثير من الحافلات والسيارات التوقف في بقعاتا المجاورة، ليشق المناصرون طريقهم الى المختارة سيرا على الاقدام، في رحلة لا تخلو من بعض المشقة، خصوصا بالنسبة الى كبار السن. 
شباب وشيوخ ونساء واطفال حملوا اعلام «التقدمي الاشتراكي»، وامتدوا كسلسلة مترابطة على مسافة طويلة، تواكبهم الاناشيد الحزبية، وتحميهم قوى الجيش والامن الداخلي، فيما تولت عناصر اشتراكية الاشراف على التفاصيل اللوجستية والتنظيمية.
ومع الاقتراب شيئا فشيئا من قصر المختارة، كانت «الحمّى الجماهيرية» ترتفع، وهوامش المناورة المرورية تضيق الى حد «الاحتباس البشري». بصعوبة شديدة، اخترق المدعوون الرسميون من سياسيين واعلاميين الحشود المتجمعة وعبروا الى داخل القصر، حيث كان جنبلاط وابنه تيمور في استقبالهم.
ووسط التدافع والهتافات، القى جنبلاط كلمة اكد فيها انه «مهما كبرت التضحيات من اجل السلم والحوار والمصالحة تبقى هذه التضحيات رخيصة امام مغامرة العنف والدم او الحرب». واضاف : «لذا، يا تيمور، سر رافع الرأس واحمل تراث جدك الكبير كمال جنبلاط، واشهر عاليا كوفية فلسطين العربية المحتلة، كوفية لبنان التقدمية، كوفية الاحرار والثوار، كوفية المقاومين لاسرائيل ايا كانوا، كوفية المصالحة والحوار، كوفية التواضع والكرم، كوفية دار المختارة»..

 

 

الجمهورية :

تحوّلت سلسلة الرتب والرواتب كرة نار، آخذة في التدحرج على كل المشهد الداخلي، مُولّدة إرباكاً على كل المستويات السياسية والحكومية والمطلبية. ما طرح في زحمة الوقائع المتسارعة السؤال عن ايّ احتمالات يقف البلد على حافتها؟ فيما بَدا أنّ القوى السياسية على اختلافها لا تملك الحل للمعضلة الراهنة في الوقت الذي تتمسّك بشعارات وعناوين صدامية تستدعي مثلها. فيما اغتنم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذكرى الأربعين لاغتيال والده كمال جنبلاط لإلباس نجله تيمور كوفية الزعامة الجنبلاطية وسط حشد سياسي وشعبي كبير غصت به المختارة.

كان التجمّع الجماهيري في ساحة رياض الصلح أمس، مطالبةً بإقرار السلسلة، الحدث الذي وَلّد جملة علامات استفهام حول بعض ما رافقه من مشاهد لا تنسجم مع الهدف المعلن، وهو الحصول على السلسلة.

حراك متداخل لا يجتمع على كلمة سواء، مُنطلق من خلفيات مختلفة. كلّ يغني على مطلبه، في الوقت الذي برزت فيه مشاهد شاذّة بَدت واضحة في الوجوه المقنّعة التي دخلت على خط الحراك وتسللت بين المعتصمين، في محاولة تبدو وكأنها مسعى خبيثاً لجرّ التظاهرة، وبالتالي الوضع، الى منحدر مفتوح على سلبيات قد لا تحصى.

وبَدا للمراقبين انّ الاوضاع سائرة في اتجاه جولة جديدة من الاضطراب سيحاول البعض خلالها التفلّت من التزامات والهروب من استحقاقات.
وفي اعتقاد مصادر معنية بالاستحقاق النيابي انّ البلاد ما تزال امام فرصة لإقرار قانون انتخاب جديد، بغضّ النظر عن المهل الانتخابية، إذ انه قياساً على إنجاز الاستحقاق الرئاسي وسَير البلاد بعده من إنجاز الى آخر لا بدّ من ان يتم إقرار قانون انتخاب لأنّ الرهانات البديلة لدى ايّ فريق ليست من المتانة التي تطغى على أهمية قانون الانتخاب.

وتوقعت هذه المصادر ان يتفاعل الموقف الذي أعلنه الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في شأن قانون الانتخاب ودعوته الجميع الى تقديم تنازلات في هذا الاتجاه، خصوصاً انّ ايّ تمديد يمكن ان يطرح للمجلس النيابي لا يمكن السير به ما لم يكن تقنياً مستنداً الى قانون انتخابي اتّفق عليه او هو في طور الاتفاق عليه ولن يكون هناك تمديد للمجلس في المطلق.

ولاحظت مصادر سياسية مواكبة للحراك أمس انّ نقاطاً اساسية رافقته، أبرزها:

اولاً، إلتقاء منظمات من المجتمع المدني وأحزاب وقوى سياسية متباعدة في السياسة على الدعوة الى التحرّك. وبذل المشاركون جهوداً صعبة جداً للاتفاق على الحد الأدنى من القواسم المشتركة من خلال لجنة تحضيرية اجتمعت مرّات عدة خلال اليومين الماضيين من دون ان تتمكن من الاتفاق على قراءة مشتركة للمطالب، فانتهى الامر باتفاق عمومي على رفض الضرائب واختلاف حول البدائل استدعى اتصالات مكثفة للخروج ببيان في ختام التحرك للاتفاق على أن يكون البديل وقف الهدر والفساد وضريبة على أرباح المصارف لا تطاوِل المودعين.

ثانياً، لوحظ انّ مجموعات ملثّمة دخلت على الخط في سيناريو مشابه لما شهده الحراك المدني ضد النفايات. وعلى رغم انّ المنظّمين عملوا منذ ما قبل بدء التحرك على محاولة تلافيه، إلّا انهم فشلوا في ذلك ما أدى الى استهداف القوى الامنية ببعض المفرقعات والعبوات البلاستيكية والعصي ومحاولة اجتياز الحواجز الحديدية.

ثالثاً، بروز عودة الحركات اليسارية الى الساحة اللبنانية في الوقت الذي انقرضَ اليسار في العالم، ما يُعدّ ظاهرة استثنائية في لبنان.

رابعاً، برزت في الحراك أمس جمعيات غير حكومية هي نفسها التي حاولت في الحراك السابق النزول الى الشارع يدعمها بعض السفارات.

خامساً، بروز عدد من المطالب، ففي حين طالب بعض المتظاهرين بالسلسلة في منأى عن موضوع الضرائب، طالب آخرون بعدم دفع الضرائب بغضّ النظر عن إقرار السلسلة، بينما طالب طرف ثالث بإقرار السلسلة بلا ضرائب، لكنّ اللافت انّ هناك قوى كانت تطالب بفرض ضرائب على الاغنياء وبعض القطاعات الاقتصادية واستثناء الطبقات المعوزة.

سادساً، حاول رئيس الحكومة تَلقّف كرة النار لعلّه يتمكن من استيعابها واحتوائها وفتح حوار مع المتظاهرين، لكنّ محاولته باءت بالفشل. فعوض ان يلتقط المتظاهرون هذه المناسبة الديموقراطية التي أبداها الحريري أطلقوا هتافات معادية ورشقوا موكبه بزجاجات المياه الفارغة والحجارة والعصي، ما يكشف وجود نيّات مبيّتة غير حوارية، بل تصعيدية لدى بعض أطراف الحراك.

سابعاً، إتصالات سياسية رافقت الحراك بين القوى السياسية والحزبية المشاركة في الحكومة في محاولة لصوغ خطة مشتركة لمواجهة خصومهم ومنعهم من الاستفادة من الحراك الشعبي لتعزيز مواقعهم الانتخابية في ظل الموجة الشعبية الرافضة للضرائب واتجاه بعض القوى والاحزاب الى الانقلاب على مواقفها السابقة بدعم الضرائب والموازنة التي اقرّتها الحكومة.

ثامناً، إلغاء رئيس مجلس النواب نبيه بري سفره الى المغرب وهو ما ربطه البعض بخريطة الطريق التي كان قد أعلنها، والتي تعتبر خطته لإعادة الامساك بزمام المبادرة في رسالة ضمنية الى الحكومة والعهد في اعتباره الضمان السياسي لهما.

تاسعاً، إتخاذ الدولة استعدادات أمنية كثيفة اكثر من المرات السابقة وكأنها كانت تتوقع حصول تفاعلات. لكنّ المميّز انّ القوى الامنية تعاطت مع المتظاهرين حضارياً ولم ترد على ايّ تطاول عليها، سواء بعد رشقها بالحجارة او بتوجيه مفرقعات نارية صوبها.

واذا كان هدف الحراك إعادة النظر في الضرائب والسلسلة، فالأمر سينتهي قريباً، فحسب معلومات «الجمهورية» أّن الدولة ستعيد النظر في نوعية الضرائب ومصادر الايرادات لتمويلها، علماً انّ هناك مَن بدأ يتحدث عن إمكان إرجاء إقرار السلسلة الى ما بعد الانتخابات النيابية في وقت لم يقرّ بعد قانون انتخابي جديد.

فإذا كان صحيحاً انّ هناك اتجاهاً لاعتماد هذا القرار، فالأمر خطير جداً كونه يربط السلسلة بموعد غير موجود، لأن لا أحد يعرف حتى الآن متى ستحصل الانتخابات النيابية، لذلك الدولة اليوم مدعوّة الى معالجة الموضوع بدقة، وإلّا فإنّ لعبة الشارع تتخطّى اللعبة السياسية، وهذا أمر ليس بالمحمود في بداية عهد وضع اللبنانيون فيه آمالاً كثيرة نظراً الى شخصية رئيس الجمهورية من جهة، وتأليف حكومة وحدة وطنية، وفي وقت استعاد المجلس النيابي نشاطه التشريعي.

رياض الصلح

وكانت ساحة رياض الصلح على موعد أمس مع تظاهرة شعبية ستتجدد بعد غد، رفضاً لسياسة فرض الضرائب ودعماً لإقرار السلسلة ووقف مزاريب الهدر والفساد.

وشارك في التظاهرة والاعتصام عدد من الأحزاب والجمعيات ومواطنون، قبل أن يعلن حزب الوطنيين الاحرار والحزب التقدمي الاشتراكي و«14 آذار - مستمرون» انسحابهم «بعد افتعال عدد من الملثّمين إشكالات ومواجهات مع القوى الامنية». كذلك أعلن حزب الكتائب انتهاء التظاهرة بعد انتهاء الوقت الذي كان حدّده للمشاركة فيها، بانتظار اعلان موعد جديد لتظاهرة أخرى.

وتخلل التظاهرة والاعتصام هرج ومرج بين المتظاهرين، واندلعت أعمال شغب خلال ظهور بعض الملثّمين الذين تصادموا مع القوى الأمنية ورمى البعض زجاجات المياه الفارغة والمفرقعات النارية في اتجاه القوى الامنية وتمكّنوا من إزالة الحواجز الحديدية عند مدخل شارع المصارف.

الحريري وسط المتظاهرين

وقد ارتفع منسوب التوتر في الشارع عقب ظهور رئيس الحكومة سعد الحريري بين المتظاهرين مخاطباً إيّاهم، قبل ان يدعوهم عبر «تويتر» الى تشكيل لجنة ترفع مطالبهم «لمناقشتها بروح إيجابية». ورمى بعض من في الشارع الزجاجات والعصي في اتجاه الحريري خلال إلقاء كلمته، ما دفعه إلى الإنسحاب سيراً في اتجاه السراي الحكومي.

وأثارت حادثة التعرض للحريري ردود فعل مستنكرة خصوصاً في الوسط السياسي السنّي، وفي هذا الصدد، قال الرئيس نجيب ميقاتي: «حق التظاهر والتعبير عن الرأي مشروع وندعمه، أمّا التعرض لمقام رئاسة مجلس الوزراء وشخص دولة الرئيس سعد الحريري فأمر مرفوض ومستنكر».

وقال الوزير السابق أشرف ريفي إنّ «الإساءة التي تعرّض لها الرئيس سعد الحريري ومقام رئاسة الحكومة مرفوضة وتأتي من الجهات نفسها التي أرادت تشويه صورة التحرك الشعبي وإجهاض أهدافه».

«14 آذار»

وقال مصدر قيادي في أمانة سر«14 آذار - مستمرون» لـ«الجمهورية»: «إنّ عودة ناشطي 14 آذار الى الشارع للمرة الأولى منذ سنوات يعتبر رسالة الى من يهمهم الأمر بأنّ مرحلة جديدة من مراحل معركة استعادة السيادة الكاملة للدولة اللبنانية بدأت».

وأضاف: «انّ 14 آذار - مستمرون»، تعتبر انّ المرافق الحيوية التابعة للدولة اللبنانية، وفي مقدمها المرفأ والمطار والحدود البرية التي تعتبر الممر الاجباري للاستيراد، وبالتالي للجباية الجمركية خاضعة لوصاية غير شرعية تُفقد الدولة 700 مليون دولار سنوياً باعتراف وزير المال نفسه. كما انّ تقريراً نشر الاسبوع الماضي يشير الى انّ التهرّب الضريبي في لبنان يُفقد الدولة ما يزيد على المليار و200 مليون دولار.

انّ استعادة الدولة سيادتها الكاملة غير المنقوصة يحلّ مشكلة السلسلة ويخفّض العجز في الموازنة من دون ايّ ضريبة جديدة، وهذا هو عنوان المعركة السيادية المقبلة لـ 14 آذار بالتعاون مع كل من يرغب خوض هذه المعركة المُحقّة».

مرجع أمني

وأبدى مرجع أمني ارتياحه الى التدابير التي رافقت الحشد الشعبي، وأشاد بالروحية التي تحلّت بها القوى الأمنية التي كلفت أمن الساحة والمتظاهرين والممتلكات العامة والخاصة.

وقال لـ«الجمهورية»: «انّ حكمة هذه القوى وصبرها حالا دون ايّ إشكال يذكر، ذلك انّ المتظاهرين كانوا في قمة الرقي في ممارسة حقهم طوال النهار، وكانوا وديّين تجاه القوى الأمنية وعبّر أكثر من مسؤول حزبي عن احترامه لهذه القوى وفهمه للمهمة التي كلّفوا بها وشكّلوا قبل الظهر ما يمكن اعتباره سَداً بين المتظاهرين والقوى الأمنية على رغم عدم الحاجة اليه.

ولكنّ اندِساس بعض الشبّان الذين لا يشبهون ايّاً من المتظاهرين في صفوفهم عَكّر صفو الأمن، والمراجع المعنية تعرفهم فرداً فرداً وقد اعتادت عليهم الساحة سابقاً عندما كانوا يتسللون اليها من شوارع قريبة منها ومحيطها، وباتت أسماؤهم وصورهم في عهدة الأجهزة الأمنية التي تنتظر قرارات المرجعية الأمنية لمحاسبتهم».

ونفى المرجع «أن يكون هؤلاء قد شكّلوا ايّ خطر أمني على المتظاهرين او على سلامة الحريري الذي زارَهم في مبادرة كان يجب ان تلقى ترحيبهم بدلاً من رَشق الموكب بالقناني الفارغة والشعارات».

الى القاهرة

على صعيد آخر يتوجه الحريري ووفد وزاري اقتصادي ومالي وسياحي الى القاهرة مساء غد لترؤس الجانب اللبناني من أعمال اللجنة المشتركة اللبنانية ـ المصرية على مدى يومين.

باسيل الى واشنطن

من جهته، يتوجّه وزير الخارجية جبران باسيل غداً الى واشنطن للمشاركة في اجتماع لممثلي دول الحلف الدولي ضد الإرهاب. وعلمت «الجمهورية» انّ ممثلي 40 دولة سيشاركون في هذا الاجتماع لمناقشة التطورات الخاصة بالمواجهة المفتوحة التي يخوضها الحلف مع الإرهاب في العراق وسوريا ومختلف القارات والدول التي طاولتها أعمال ارهابية مختلفة.

وسيعقد باسيل في واشنطن لقاءات رتّبها المستشار الرئاسي السفير عبد الله ابو حبيب، الموجود هناك منذ اسبوعين، مع المسؤولين الكبار في الخارجية ومسؤولين آخرين في مجلس الأمن القومي وعدد من رؤساء وأعضاء لجان الكونغرس الأميركي.

المشنوق
الى ذلك،علمت «الجمهورية» انّ وزير الداخلية نهاد المشنوق سيزور قصر بعبدا قبل ظهر اليوم للبحث في مشروع المرسوم الذي أعدّه لتوجيه الدعوة الى الهيئات الناخبة الى الانتخابات النيابية المقبلة الذي اقترح تجديد الدعوة إليه يوم الجمعة الفائت.

 

 

الجمهورية :

تحوّلت سلسلة الرتب والرواتب كرة نار، آخذة في التدحرج على كل المشهد الداخلي، مُولّدة إرباكاً على كل المستويات السياسية والحكومية والمطلبية. ما طرح في زحمة الوقائع المتسارعة السؤال عن ايّ احتمالات يقف البلد على حافتها؟ فيما بَدا أنّ القوى السياسية على اختلافها لا تملك الحل للمعضلة الراهنة في الوقت الذي تتمسّك بشعارات وعناوين صدامية تستدعي مثلها. فيما اغتنم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذكرى الأربعين لاغتيال والده كمال جنبلاط لإلباس نجله تيمور كوفية الزعامة الجنبلاطية وسط حشد سياسي وشعبي كبير غصت به المختارة.

كان التجمّع الجماهيري في ساحة رياض الصلح أمس، مطالبةً بإقرار السلسلة، الحدث الذي وَلّد جملة علامات استفهام حول بعض ما رافقه من مشاهد لا تنسجم مع الهدف المعلن، وهو الحصول على السلسلة.

حراك متداخل لا يجتمع على كلمة سواء، مُنطلق من خلفيات مختلفة. كلّ يغني على مطلبه، في الوقت الذي برزت فيه مشاهد شاذّة بَدت واضحة في الوجوه المقنّعة التي دخلت على خط الحراك وتسللت بين المعتصمين، في محاولة تبدو وكأنها مسعى خبيثاً لجرّ التظاهرة، وبالتالي الوضع، الى منحدر مفتوح على سلبيات قد لا تحصى.

وبَدا للمراقبين انّ الاوضاع سائرة في اتجاه جولة جديدة من الاضطراب سيحاول البعض خلالها التفلّت من التزامات والهروب من استحقاقات.
وفي اعتقاد مصادر معنية بالاستحقاق النيابي انّ البلاد ما تزال امام فرصة لإقرار قانون انتخاب جديد، بغضّ النظر عن المهل الانتخابية، إذ انه قياساً على إنجاز الاستحقاق الرئاسي وسَير البلاد بعده من إنجاز الى آخر لا بدّ من ان يتم إقرار قانون انتخاب لأنّ الرهانات البديلة لدى ايّ فريق ليست من المتانة التي تطغى على أهمية قانون الانتخاب.

وتوقعت هذه المصادر ان يتفاعل الموقف الذي أعلنه الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في شأن قانون الانتخاب ودعوته الجميع الى تقديم تنازلات في هذا الاتجاه، خصوصاً انّ ايّ تمديد يمكن ان يطرح للمجلس النيابي لا يمكن السير به ما لم يكن تقنياً مستنداً الى قانون انتخابي اتّفق عليه او هو في طور الاتفاق عليه ولن يكون هناك تمديد للمجلس في المطلق.

ولاحظت مصادر سياسية مواكبة للحراك أمس انّ نقاطاً اساسية رافقته، أبرزها:

اولاً، إلتقاء منظمات من المجتمع المدني وأحزاب وقوى سياسية متباعدة في السياسة على الدعوة الى التحرّك. وبذل المشاركون جهوداً صعبة جداً للاتفاق على الحد الأدنى من القواسم المشتركة من خلال لجنة تحضيرية اجتمعت مرّات عدة خلال اليومين الماضيين من دون ان تتمكن من الاتفاق على قراءة مشتركة للمطالب، فانتهى الامر باتفاق عمومي على رفض الضرائب واختلاف حول البدائل استدعى اتصالات مكثفة للخروج ببيان في ختام التحرك للاتفاق على أن يكون البديل وقف الهدر والفساد وضريبة على أرباح المصارف لا تطاوِل المودعين.

ثانياً، لوحظ انّ مجموعات ملثّمة دخلت على الخط في سيناريو مشابه لما شهده الحراك المدني ضد النفايات. وعلى رغم انّ المنظّمين عملوا منذ ما قبل بدء التحرك على محاولة تلافيه، إلّا انهم فشلوا في ذلك ما أدى الى استهداف القوى الامنية ببعض المفرقعات والعبوات البلاستيكية والعصي ومحاولة اجتياز الحواجز الحديدية.

ثالثاً، بروز عودة الحركات اليسارية الى الساحة اللبنانية في الوقت الذي انقرضَ اليسار في العالم، ما يُعدّ ظاهرة استثنائية في لبنان.

رابعاً، برزت في الحراك أمس جمعيات غير حكومية هي نفسها التي حاولت في الحراك السابق النزول الى الشارع يدعمها بعض السفارات.

خامساً، بروز عدد من المطالب، ففي حين طالب بعض المتظاهرين بالسلسلة في منأى عن موضوع الضرائب، طالب آخرون بعدم دفع الضرائب بغضّ النظر عن إقرار السلسلة، بينما طالب طرف ثالث بإقرار السلسلة بلا ضرائب، لكنّ اللافت انّ هناك قوى كانت تطالب بفرض ضرائب على الاغنياء وبعض القطاعات الاقتصادية واستثناء الطبقات المعوزة.

سادساً، حاول رئيس الحكومة تَلقّف كرة النار لعلّه يتمكن من استيعابها واحتوائها وفتح حوار مع المتظاهرين، لكنّ محاولته باءت بالفشل. فعوض ان يلتقط المتظاهرون هذه المناسبة الديموقراطية التي أبداها الحريري أطلقوا هتافات معادية ورشقوا موكبه بزجاجات المياه الفارغة والحجارة والعصي، ما يكشف وجود نيّات مبيّتة غير حوارية، بل تصعيدية لدى بعض أطراف الحراك.

سابعاً، إتصالات سياسية رافقت الحراك بين القوى السياسية والحزبية المشاركة في الحكومة في محاولة لصوغ خطة مشتركة لمواجهة خصومهم ومنعهم من الاستفادة من الحراك الشعبي لتعزيز مواقعهم الانتخابية في ظل الموجة الشعبية الرافضة للضرائب واتجاه بعض القوى والاحزاب الى الانقلاب على مواقفها السابقة بدعم الضرائب والموازنة التي اقرّتها الحكومة.

ثامناً، إلغاء رئيس مجلس النواب نبيه بري سفره الى المغرب وهو ما ربطه البعض بخريطة الطريق التي كان قد أعلنها، والتي تعتبر خطته لإعادة الامساك بزمام المبادرة في رسالة ضمنية الى الحكومة والعهد في اعتباره الضمان السياسي لهما.

تاسعاً، إتخاذ الدولة استعدادات أمنية كثيفة اكثر من المرات السابقة وكأنها كانت تتوقع حصول تفاعلات. لكنّ المميّز انّ القوى الامنية تعاطت مع المتظاهرين حضارياً ولم ترد على ايّ تطاول عليها، سواء بعد رشقها بالحجارة او بتوجيه مفرقعات نارية صوبها.

واذا كان هدف الحراك إعادة النظر في الضرائب والسلسلة، فالأمر سينتهي قريباً، فحسب معلومات «الجمهورية» أّن الدولة ستعيد النظر في نوعية الضرائب ومصادر الايرادات لتمويلها، علماً انّ هناك مَن بدأ يتحدث عن إمكان إرجاء إقرار السلسلة الى ما بعد الانتخابات النيابية في وقت لم يقرّ بعد قانون انتخابي جديد.

فإذا كان صحيحاً انّ هناك اتجاهاً لاعتماد هذا القرار، فالأمر خطير جداً كونه يربط السلسلة بموعد غير موجود، لأن لا أحد يعرف حتى الآن متى ستحصل الانتخابات النيابية، لذلك الدولة اليوم مدعوّة الى معالجة الموضوع بدقة، وإلّا فإنّ لعبة الشارع تتخطّى اللعبة السياسية، وهذا أمر ليس بالمحمود في بداية عهد وضع اللبنانيون فيه آمالاً كثيرة نظراً الى شخصية رئيس الجمهورية من جهة، وتأليف حكومة وحدة وطنية، وفي وقت استعاد المجلس النيابي نشاطه التشريعي.

رياض الصلح

وكانت ساحة رياض الصلح على موعد أمس مع تظاهرة شعبية ستتجدد بعد غد، رفضاً لسياسة فرض الضرائب ودعماً لإقرار السلسلة ووقف مزاريب الهدر والفساد.

وشارك في التظاهرة والاعتصام عدد من الأحزاب والجمعيات ومواطنون، قبل أن يعلن حزب الوطنيين الاحرار والحزب التقدمي الاشتراكي و«14 آذار - مستمرون» انسحابهم «بعد افتعال عدد من الملثّمين إشكالات ومواجهات مع القوى الامنية». كذلك أعلن حزب الكتائب انتهاء التظاهرة بعد انتهاء الوقت الذي كان حدّده للمشاركة فيها، بانتظار اعلان موعد جديد لتظاهرة أخرى.

وتخلل التظاهرة والاعتصام هرج ومرج بين المتظاهرين، واندلعت أعمال شغب خلال ظهور بعض الملثّمين الذين تصادموا مع القوى الأمنية ورمى البعض زجاجات المياه الفارغة والمفرقعات النارية في اتجاه القوى الامنية وتمكّنوا من إزالة الحواجز الحديدية عند مدخل شارع المصارف.

الحريري وسط المتظاهرين

وقد ارتفع منسوب التوتر في الشارع عقب ظهور رئيس الحكومة سعد الحريري بين المتظاهرين مخاطباً إيّاهم، قبل ان يدعوهم عبر «تويتر» الى تشكيل لجنة ترفع مطالبهم «لمناقشتها بروح إيجابية». ورمى بعض من في الشارع الزجاجات والعصي في اتجاه الحريري خلال إلقاء كلمته، ما دفعه إلى الإنسحاب سيراً في اتجاه السراي الحكومي.

وأثارت حادثة التعرض للحريري ردود فعل مستنكرة خصوصاً في الوسط السياسي السنّي، وفي هذا الصدد، قال الرئيس نجيب ميقاتي: «حق التظاهر والتعبير عن الرأي مشروع وندعمه، أمّا التعرض لمقام رئاسة مجلس الوزراء وشخص دولة الرئيس سعد الحريري فأمر مرفوض ومستنكر».

وقال الوزير السابق أشرف ريفي إنّ «الإساءة التي تعرّض لها الرئيس سعد الحريري ومقام رئاسة الحكومة مرفوضة وتأتي من الجهات نفسها التي أرادت تشويه صورة التحرك الشعبي وإجهاض أهدافه».

«14 آذار»

وقال مصدر قيادي في أمانة سر«14 آذار - مستمرون» لـ«الجمهورية»: «إنّ عودة ناشطي 14 آذار الى الشارع للمرة الأولى منذ سنوات يعتبر رسالة الى من يهمهم الأمر بأنّ مرحلة جديدة من مراحل معركة استعادة السيادة الكاملة للدولة اللبنانية بدأت».

وأضاف: «انّ 14 آذار - مستمرون»، تعتبر انّ المرافق الحيوية التابعة للدولة اللبنانية، وفي مقدمها المرفأ والمطار والحدود البرية التي تعتبر الممر الاجباري للاستيراد، وبالتالي للجباية الجمركية خاضعة لوصاية غير شرعية تُفقد الدولة 700 مليون دولار سنوياً باعتراف وزير المال نفسه. كما انّ تقريراً نشر الاسبوع الماضي يشير الى انّ التهرّب الضريبي في لبنان يُفقد الدولة ما يزيد على المليار و200 مليون دولار.

انّ استعادة الدولة سيادتها الكاملة غير المنقوصة يحلّ مشكلة السلسلة ويخفّض العجز في الموازنة من دون ايّ ضريبة جديدة، وهذا هو عنوان المعركة السيادية المقبلة لـ 14 آذار بالتعاون مع كل من يرغب خوض هذه المعركة المُحقّة».

مرجع أمني

وأبدى مرجع أمني ارتياحه الى التدابير التي رافقت الحشد الشعبي، وأشاد بالروحية التي تحلّت بها القوى الأمنية التي كلفت أمن الساحة والمتظاهرين والممتلكات العامة والخاصة.

وقال لـ«الجمهورية»: «انّ حكمة هذه القوى وصبرها حالا دون ايّ إشكال يذكر، ذلك انّ المتظاهرين كانوا في قمة الرقي في ممارسة حقهم طوال النهار، وكانوا وديّين تجاه القوى الأمنية وعبّر أكثر من مسؤول حزبي عن احترامه لهذه القوى وفهمه للمهمة التي كلّفوا بها وشكّلوا قبل الظهر ما يمكن اعتباره سَداً بين المتظاهرين والقوى الأمنية على رغم عدم الحاجة اليه.

ولكنّ اندِساس بعض الشبّان الذين لا يشبهون ايّاً من المتظاهرين في صفوفهم عَكّر صفو الأمن، والمراجع المعنية تعرفهم فرداً فرداً وقد اعتادت عليهم الساحة سابقاً عندما كانوا يتسللون اليها من شوارع قريبة منها ومحيطها، وباتت أسماؤهم وصورهم في عهدة الأجهزة الأمنية التي تنتظر قرارات المرجعية الأمنية لمحاسبتهم».

ونفى المرجع «أن يكون هؤلاء قد شكّلوا ايّ خطر أمني على المتظاهرين او على سلامة الحريري الذي زارَهم في مبادرة كان يجب ان تلقى ترحيبهم بدلاً من رَشق الموكب بالقناني الفارغة والشعارات».

الى القاهرة

على صعيد آخر يتوجه الحريري ووفد وزاري اقتصادي ومالي وسياحي الى القاهرة مساء غد لترؤس الجانب اللبناني من أعمال اللجنة المشتركة اللبنانية ـ المصرية على مدى يومين.

باسيل الى واشنطن

من جهته، يتوجّه وزير الخارجية جبران باسيل غداً الى واشنطن للمشاركة في اجتماع لممثلي دول الحلف الدولي ضد الإرهاب. وعلمت «الجمهورية» انّ ممثلي 40 دولة سيشاركون في هذا الاجتماع لمناقشة التطورات الخاصة بالمواجهة المفتوحة التي يخوضها الحلف مع الإرهاب في العراق وسوريا ومختلف القارات والدول التي طاولتها أعمال ارهابية مختلفة.

وسيعقد باسيل في واشنطن لقاءات رتّبها المستشار الرئاسي السفير عبد الله ابو حبيب، الموجود هناك منذ اسبوعين، مع المسؤولين الكبار في الخارجية ومسؤولين آخرين في مجلس الأمن القومي وعدد من رؤساء وأعضاء لجان الكونغرس الأميركي.

المشنوق
الى ذلك،علمت «الجمهورية» انّ وزير الداخلية نهاد المشنوق سيزور قصر بعبدا قبل ظهر اليوم للبحث في مشروع المرسوم الذي أعدّه لتوجيه الدعوة الى الهيئات الناخبة الى الانتخابات النيابية المقبلة الذي اقترح تجديد الدعوة إليه يوم الجمعة الفائت.

 

 

اللواء :

بين دفاع وزير الخارجية جبران باسيل عن سلّة الضرائب، والمرافعة عن انجازاته في الملاحقات والتعيينات، التي لم ير لها المواطن اثراً ملموساً، وخارطة الطريق التي وضعها الرئيس نبيه برّي، والذي لم يدع إلى جلسة لمجلس النواب الأربعاء لمتابعة مناقشة وإقرار سلسلة الرتب والرواتب، كما كان متوقعاً، والذي قلب فيها رأسا على عقب اجندة الاولويات الحكومية، متهماً الحكومة بأن «سيوفها كانت على السلسلة وقلوبها على المافيات»، عاش وسط بيروت يوم أمس، يوماً من ايام الحراك الاحتجاجي على الزيادات الضريبية المقترحة لتمويل السلسلة التي دخلت في «ذمة» التأجيل، واصبحت في عالم الغيب.
وفي حدث نادر من نوعه، توجه رئيس الحكومة سعد الحريري الى ساحة رياض الصلح، حيث تدفق نحو الفي شخص (رويترز) وهم يهتفون: «لن ندفع» حاملين اللافتات والإعلام اللبنانية، وخاطب المتظاهرين، مؤكداً أن «الحكومة مع رئيس الجمهورية ستكون دائماً إلى جانب الناس ووجع النّاس، وتواجه الفساد وسنوقف الهدر، والمشوار سيكون طويلاً». لكن المتظاهرين رددوا هتافات ضد رئيس الوزراء، ورشقوه بالزجاجات الفارغة، فغادر، ثم غرد على موقع «تويتر»، داعياً منظمي التظاهرة إلى تشكيل لجنة ترفع مطالبهم لمناقشتها بروح إيجابية.
ولاقت هذه التصرفات من جانب المتظاهرين ردود فعل سلبية ومؤيدة لخطوة الرئيس الحريري بالحضور الى الساحة ومخاطبتهم، وعلى التو خرج انصار أحزاب التقدمي الاشتراكي والكتائب والاحرار من الساحة احتجاجاً، فيما وصف الرئيس نجيب ميقاتي التعرّض لمقام رئاسة