هي سياسة الترقيع والمعالجة ب المفرق لأزمات لبنان التي حولت حياة المواطن إلى جحيم حقيقي.
 


لا تنتهي أزمات لبنان ولن تنتهي ما دام هناك عقلية مبرمجة على نسق معين من التفكير يختلط فيه المعارض بالموالي للسلطة.
ولعل لهذا الإختلاط أسباب عديدة أهمها أن الأمر الواقع وتأمين لقمة العيش للإستمرار في هذه الجمهورية يحتم على من يتعاطون الشأن العام لعب أدوارهم بطريقة مختلفة عن ما يجب أن يلعبوه  فتأتي النتائج دائما هكذا.
والأزمة اللبنانية والتي بأغلبها اليوم مطروحة كأزمة إجتماعية وإقتصادية باتت ثقل وعبء على كاهل اللبنانيين  وتحولت إلى  أزمة جمهورية تبحث عن سلطة نظيفة ومعارضة واضحة وشعب واع.

سلطة فاسدة متحكمة:

هذه السلطة تتحكم بمفاصل البلد وهي نتاج سنين حكم للعديد من الإقطاعيات والبيوتات السياسية ومجرمي الحرب الأهلية اللبنانية.
لكن هل تتقيد هذه السلطة بأدبيات معينة تفرض عليها ممارسة السلوك التقليدي المتعارف عليه عن أصحاب السلطة؟
هي تتقيد بخداع  وتجتهد بمكر  وتتطرف عند اللزوم أيضا فتحولت هذه المنظومة السلطوية إلى مافيا " مقوننة " بإجتهادات وتفسيرات خاطئة للدستور ولي عنق لمواد القانون بما يناسب مصالحها .
وهذه السلطة محمية بأحزاب سياسية لها ميليشياتها الخاصة ومجالسها الدينية وجمعياتها الوهمية ولوبياتها الإقتصادية التي تتحكم بحياة ومستقبل أجيال البلد.

إقرأ أيضا : الضرائبُ المجحفةُ والرواتبُ الظالمة
فتشكل هذه السلطة درع حماية حولها تلهي الشعب بخلافاتها السياسية لكن عندما تلحظ وجود حراك ضدها ، تتحد فيما بينها لمواجهة هذا الحراك لأن ما يجمع بينها شبكة مصالح إقتصادية ضخمة تؤمن لها السيولة اللازمة لإستمرارها وتخضع المؤسسات الدينية والقضائية والامنية والعسكرية لإمرتها، وما هذه السلطة إلا مجموع لهذه المكونات جمعت مع بعضها البعض على طريقة " المناصفة ".
وينتج عن ذلك غياب الخيارات لدى المواطن والذي يضطر إلى أن يكون تابعا لها وخاضعا لإمرتها ومقدسا لرموزها ويكد  للحصول على الحد الأدنى من الخدمات في ظل غياب المحاسبة الحقيقية والمراقبة الشفافة.

 

 

معارضة تبحث عن ذاتها:

فالمحاسبة والمراقبة وظائف يمارسها الشعب اللبناني عبر ما يسمى ب :" المعارضة ".
لكن المضحك المبكي في لبنان وهو الإستثناء الوحيد في ديمقراطيات العالم أن المعارضة نفسها هي السلطة والعكس صحيح مع بعض الإستثناءات.

إقرأ أيضا : الجدال على مجلس الشيوخ.... فساد ووقاحة السياسيين في لبنان
وإذا ما وجدت معارضة فالأسباب تكون بمجملها طائفية أو مذهبية لا ترقى للهم الوطني ولمستوى معالجة أزمة نظام تعاني منه الجمهورية.
ولو غضضنا النظر عن المجموعات المعارضة اللاهثة فقط نحو السلطة وتريد فقط إستنساخ تجربة السلطة وتقليدها، لو غضضنا النظر عن هذا كله ونظرنا إلى بعض المعارضة التي تهدف إلى إصلاح حقيقي وتغييري.

إقرأ أيضا : أرقام المالية العامة للعام 2016 مخيفة.... عجز بمليارات الدولارات بالخزينة
هذه المعارضة الحقيقية تبحث عن ذاتها ، نواياها صافية وأهدافها طموحة وبعض أساليبها إرتجالية وشعبوية وينعت أتباعها دائما ب " المندسين " لأنهم يعبرون بغضب ووضوح عن وجعهم وألمهم دون " فزلكات " و "برستيج " بل بشكل طبيعي يحاكي حجم النار التي تحرق أرواحهم لتغيير الوضع القائم فهم فقط من يعيشون الإهانة اليومية وهم فقط من يتربى في داخلهم وحش " الإنتقام " من قوى السلطة وأتباعها من المعارضة المزيفة  فيفجرون غضبهم في ساحات النضال والمواجهة.
والحقيقة أن هذا الشيء جميل ، فمتى لم تكن  المعارضة والعمل النضالي إلا تطبيقا لممارسة الغضب والإنتقام والملاحقات في الشوارع وتحدي السلطة القائمة وأزلامها؟!
والأجمل أن مفردة " معارضة " بالواقع تعادل هذه الأشياء كلها وتترجمها.

إقرأ أيضا : السلطة اللبنانية في قلق وهذا ما فعلته لإفشال حراك الأحد !
ولكن هذا لا يكف لقطف ثمار التغيير والإصلاح،  فهذا الغضب بحاجة إلى توجيه وهذا الإنتقام بحاجة إلى توعية،  والتوجيه والتوعية يترجمان عبر مشروع سياسي كامل يتبنى رؤية إصلاحية واضحة وقائمة على عقلية مغايرة لا تهدف إلى تقليد السلطة بل إلى إبتكار أفكار جديدة لمعالجة جدية وجذرية لمشكلة النظام.
والأهم في هذا البرنامج أن توضع حدود وخطوط واضحة تفصل بين من هو معارض وبين من هو في السلطة لتحميل المسؤوليات لأصحابها.
عندها فقط يمكن الحديث عن أمل في التغيير الحقيقي والإصلاح المنشود البعيد عن سياسات الترقيع وخداع الشعب.