هي مشهدية تثير على ضفتيها الكثير من الاعتمال المخيف كما من الإعتمال الإيجابي سواء بسواء
 

. إيانا وإطلاق الأحكام الجاهزة سلفا لئلا يصيبنا ما أصاب المراصد الاعلامية والسياسية والصحافية التقليدية في الولايات المتحدة في انتخاب دونالد ترامب وكما قد يصيب أشباههم في فرنسا عشية انتخاباتها الرئاسية. هناك ايضا كانت السقطة الكبرى في عدم التقاط نبض طالع جرف كل شيء بسوء التقديرات. بين مشهديتي المختارة ووسط بيروت في الامس المشهود صعدت بقوة جارفة احتدامات يعتمل بها معظم شوارع لبنان ولو ان لا رابط بين ما حفز التعبئة الدرزية للزحف الى قبلة الزعامة الجنبلاطية و"عاصمتها " غير المنازع على قوتها الساحقة وما حفز الجموع للاحتشاد في ساحة رياض الصلح قبلة للتعبير الصارخ عن ضيق الناس بطبقة تترنح في ادارة البلاد. ولعل المفارقة الاشد صخبا بين جنبات العراضات الشعبية والتعبوية ان مشهدية المختارة غير المسبوقة من زمن بعيد بدت كأنها ترفض بالألوف المؤلفة من ابناء الموحدين الدروز وهم الأقليات في تحديد الاتجاهات السياسية المفصلية المصيرية. حتى انها بدت كأنها الرد على الزعيم الجنبلاطي نفسه الذي استطاع بزعامته التاريخية لطائفته ان يستدرج هذه المشهدية فيما هو اكبر الساخرين دوما من "انقراض" طائفته والطوائف المماثلة مما يسمى الأقليات. إذاً هو لبنان ذاك الذي لا يستقيم فيه اتجاه اذا عاندته اصغر الطوائف كما اكبرها تماما، ما نطقت به مشهدية المختارة. وبايحاء آخر لا يتصل بمشهدية مذهبية، تصاعدت من ساحات وسط بيروت مجددا نذر ثورة اجتماعية حقيقية عابرة لكل الصنميات السياسية المتكلسة المتوارثة التي ارتكبت اشد آثامها وارتكاباتها الخاطئة بل الفادحة في التوغل بالارتكاب حين استهانت باشعال فتائل اللقمة والعيش المتعثر الصعب وسط ادارة سياسية تستهين بالتطور التواصلي. بدت بمثابة "ميني ثورة" إجتماعية؟ ربما. لكن الخطأ القاتل حقاً سيكون في الامعان أكثر في التقليل من مشهديتها اذا لم تكن رسائل الاعتمالات الخطرة جدا قد وجدت طريقها الى العيون المحدقة بقوة الى ما وراء جمع الحشود وجذبها عشية الانتخابات الهائمة مع طبقة سياسية مرتبكة تجمعها للمرة الأولى لعنة الناس المشتعلين بنيران الغضب. هنا وهناك، في يوم البارحة المشهود، إيانا وإياهم الخطأ في الحسابات. هذه تركيبة شديدة التناقض والتعقيد الى حدود الخطر القاتل. حين تحتشد العراضات الشعبية بمثل ما كان في 19 آذار، وبمثل المفارقة التي تجمع "معظم" طائفة من هنا وحشودا عابرة للطوائف والفئات من هناك ترانا على الاقل امام تهيب وخشية كبيرين من كيمياء طائفية واجتماعية وسياسية،حذار الف مرة استسهال مآلها المتدحرج. هذا بلد يحبل بالخطر وبنفاد الصبر وانهيار الضوابط، ولن يفيد أحد ترف النظر الى مشهديتين كأنهما قابلتين لاحتواء كلاسيكي عفن.