كلّهم هربوا. إختفى وزير المالية. لا أثر له لا في الإعلام ولا في مجلس النواب ولا في مجلس الوزراء. إختفى الرئيس ميشال عون. كان في روما. توقيت قاتل في صوابيته. إختفى الرئيس نبيه بري أيضاً. يتقبّل التعازي بوفاة صهره.

كان صعباً جداً تأجيل الجلسة النيابية من الأربعاء إلى الإثنين مثلا، ريثما ينتهي تقبّل التعازي. ولا أحد يعثر على وزراء حزب الله. خرج الأمين العام حسن نصر الله ليعلن وقوفه بوجه الضرائب. جبران باسيل أعلن أنّه خاض معركة لفرض ضرائب على الأغنياء. واللائحة تطول.
 

وحده سعد الحريري تصدّى لكاميرات التلفزيونات في النقل المباشر ليل الأربعاء من مجلس النواب بعد الجلسة التي شهدت فرض الضرائب. تصدّى متحدثاً عن مبالغة في رسائل وزّعها مجهولون عبر واتساب. دافع عن رأيه. رأيه الذي هو نفسه رأي حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الإشتراكي وتيار المردة وكلّ الأحزاب الموجودة في مجلس النواب.
 

وحده سعد الحريري كان "صادقاً". رئيس حكومة "استعادة الثقة" لم يهرب. لم يترك المنبر للرئيس فريد مكاري يجيب عن أسئلة الصحافيين. وبعد يومين، الجمعة مساء، لم يترك منبر مجلس الوزراء لوزير الإعلام، كما هي العادة والعرف، ولا لوزير المال، المعني الأوّل بالضرائب وفرضها وآلياتها وأصولها وفذلكاتها... وقف وخاطب اللبنانيين، ملؤه الثقة والمسؤولية والصدق.
 

وحده سعد الحريري، منذ تأسيس دولة لبنان الكبير في العام 1920، وصولا إلى 19 آذار 2017، منذ 100 عام تقريباً، الرئيس اللبناني الوحيد، وربما المسؤول الرسمي الوحيد، الذي نزل ووقف أمام آلاف المتظاهرين الذين يهتفون ضدّه ويتظاهرون ضدّ حكومته وضدّ مشروع الضرائب الذي تبّنته... وقف أمامهم وخاطبهم، موافقاً معهم على أنّ "في البلد هدر وفساد، بالتأكيد، وأعدكم بالعمل على محاربتهما".
 

وحده سعد الحريري لم يلعب اللعبة المفضلة للأحزاب، وهي المشاركة في فرض الضرائب، ثم النزول إلى الأرض للتظاهر ضدّها. لم يكذب. لم يتلوّن كما فعل كثيرون. لم يناور. لم يختبىء في الكواليس. لم يكذب. لم يكذب. لم يكذب.

حتّى "استعادة الثقة"، حتى انقطاع النفس. أخذ المشهد في صدره. قال: "أنا المسؤول، وأعدكم بالمعالجة". خاطب اللبنانيين من الأرض، وليس من فوق. ليس ببيان ولا بمؤتمر صحافي. رشقه البعض بزجاجات المياه الفارغة. قال:

"معليش"، وأكمل كلامه.
 

هذا الرجل يستحقّ الثقة... هذا الرجل يستحقّ الثقة.