أن يتظاهر لبنانيون لا ينتمون لأحزاب الطبقة السياسية بحثاً عن حقوقهم المهدورة والضائعة في سلال لصوص السياسة ودفعاُ نحو وطن وميلاد دولة جديدة يعني أن لبنان بخير ومازال ينبض فيه شريان الحياء بعد أن هُدر دمُه رخيصاً لصالح أشخاص يتنعمون ويتلذذون بفاكهة الثروة الوطنية هم وأبناؤهم وعشيرتهم وآخرون من جنود الحماية للنظام الطائفي .
 

تظاهرة اليوم تشكل وعداً لغد قادم لا محال إذا ما إستمر الوعي في الاتساع مدى و أفقاً ورؤية لتحسين شروط المواجهة من جهة مع أعداء الفقراء والاقتراب أكثر من حلم قيام الدولة لا المزرعة من جهة ثانية .
يبدو أن قدر اللبنانيون هو في أيديهم فكلما ابتعدوا عن إصطفافاتهم الطائفية والمذهبية كلما دنوا من إحتمالات الفرج وكلما ركنوا الى مصالحهم الوطنية كلما استفاقوا من نعاس سياسة الزعيم والعائلة والحاشية وفرضوا منطق الاستفادة العامة لا الخاصة وهذا ما سيعيد رسم حسابات سياسية جديدة متخلية عن الحسابات القائمة لصالح جهويات مخربة للبلاد والعباد ومعمرة للنفوذ الذاتي .

إقرأ أيضا : الشيخ الجوهري والنائب الجميل يدعوان إلى أوسع مشاركة في تظاهرة الأحد ضد زيادة الضرائب
رغم أن تجارب الاعتراض على النظام الطائفي محاولات فاشلة ورغم أن حالات البحث عن الحقوق ومستلزمات الحياة كادت أن تنسى نتيجة إرتباط الناس بمصالح زائفة وفرها الاقطاع السياسي الجديد وغذاها الاقطاع الديني الاّ أن المشهد الشعبي يبقى وحده الحاجة الملحة لتحسين شروط الحياة والاستمرار نحو أهداف تصحيحية وتغييرية تتيح إنتاج نظام يعكس مصالح مجتمع لا مصالح فئوية .
حتى الان يبقى الرهان مفتوحاُ على هذا الأحد الكبير وعلى غيره من أيام الربيع اللبناني لأننا لا نملك خيارات أخرى ويبدو أن وجعنا المتضخم والمتزايد والمتسع يدفع بنا الى الساحات بعد أن أصبح رغيف الخبز مبلولاً بالذُل .

إقرأ أيضا : بالصورة: هذه لائحة أسعار الدخان الجديدة بعد زيادة الضرائب
لقد فتحت بالأمس أزمة النفايات شهية الناس على رفع الصوت وها هي أزمة الضرائب الجديدة تدفع الناس مجدداً الى إطلاق الصرخة المخنوقة في مرحلة يُعاد فيها محاصصة السلطة وفق رغبات متزايدة لدى رموز الطبقة السياسية لهدم ما تبقى من طبقة وسطى ودفع البلاد نحو أقلية فاحشة الثراء و أقلية مدقعة الفقر . وثمّة خوف حقيقي من إستدراج الناس لعروض سياسية وظيفتها توظيف الناس في الاستحقاق الانتخابي القادم من خلال استغلال سلسلة الرتب والرواتب وتحريك خطوات المتظاهرين في مواقع معينة .

نأمل أن تكون مساحة الاعتراض بحجم الأزمة القائمة وعياً وحضوراً وهذا ما يغذي الشعور الشعبي بقدرة المعارضة الاجتماعية على تفعيل وبلورة دورها غير المرهون أو المرتبط بهواجس سياسية طائفية بل بمجال وطني يلبي طموحات حاضرة وبقوّة كيّ تكون في خضم المعركة الحقوقية ومقاومة الفسادين السياسي والمالي وبداية التأصيل لسياسة غير منحازة لطرف من أطراف الأزمتين السياسية والاقتصادية .
إن هذا اليوم طليعة نهضة جديدة اذا ما عرف المتظاهرون كيف يسيرون في شوارع تنتشر فيها الألغام الطائفية بكثرة ووفرة ودلالة على عمق المعاناة المستوجبة لبروز قوى نضالية جديدة لا تشبه القوى السائدة بشيء على الاطلاق .
وغير ذلك ستكون هذه التظاهرة عبثية أو غيبية وغير معروفة لا مع من ولا ضدّ من ومجرد حركة في الهواء الطلق .