ضريبةٌ تلو الأخرى جاعلةً حياة اللبناني كئيبة، فيما غياب روح الخدمة وطغيان عبادة السلطة والمال والنفوذ جعلت الفقير يزداد فقراً في ظل ديكتاتورية مقنّعة باتت تمارس على المواطنين. سلسلة ضرائب أقرها مجلس النواب أبرزها رفع الضريبة على القيمة المضافة إلى 11 في المئة، فرض 4 بالألف على الطابع المالي، تعديل التعريفات على الصكوك والكتابات، فرض طابع مالي على البناء بنسبة 5,1 على كل متر مربع من القيمة التخمينية للبناء مع استثناء المباني الصناعية، ووضع رسم 6 آلاف ليرة على الطن الواحد لإنتاج الإسمنت، والدخان والمشروبات الروحية. ما تأثيرها على الاقتصاد؟ وهل تساهم فعلاً في صنع موازنة صحيحة؟ وهل من تأثير لها على الليرة اللبنانية؟

النمو لن يتخطى الـ 1% في ظل هذه الضرائب

"علاقة مباشرة بين الضرائب وبين النمو الاقتصادي. هذه العلاقة تكون عكسية دوماً، إذا زادت الضرائب في زمن ركودٍ اقتصادي بنسبة معينة، يتراجع النمو بنسبة أعلى. وهذا ما يسمى الأثر المضاعف لزيادة الضرائب على انخفاض النمو الاقتصادي"، وفق الدكتور إيلي يشوعي في حديث لـ"النهار"، الذي يشرح أنه "في زمن الفورة الاقتصادية، تصبح زيادة الضرائب مطلوبة من أجل المحافظة على استقرار النقد والسيطرة على التضخم ونسب النمو أثناءها تتعدى الـ 7 إلى 8 في المئة. ولكنْ، في الوضع اللبناني اليوم العلاقة الأولى هي الصحيحة، إذ لسنا في فورةٍ اقتصادية بل في حالة ركود، وعندما تطال جيوب المواطن بطريقة غير مباشرة كالتي أقرت في مجلس النواب، نساهم في تراجع النمو الاقتصادي بنسبة أعلى. إي إذا كانوا يعتقدون أنَّ 2% هي نسبة النمو لعام 2017، مع ضرائب كهذه إذا وصل النمو إلى 1% فيكون ذلك أكثر من ممتاز!

ماذا عن التضخم؟ يجيب بأنَّ "نسبته متدنية، ولكن مع زيادة القيمة المضافة ورزمة الضرائب غير المباشرة التي تصيب الجميع أفراداً ومؤسسات، نسبة التضخم سترتفع لأنَّ ما من منافسة كافية في الأسواق. وثمة احتكارات تنعم بحصرية خارجية لتمثيلها التجاري وأخرى داخلية، وتجعل المُحتكر يتحكم بالأسعار كما يشاء. لم يكفوا عن الترداد بأن الضرائب لن تصيب الطبقات الفقيرة، إلاَّ أنَّ العكس حصل".

نسأل يشوعي إذا كانت هذه الضرائب تؤثر على الليرة اللبنانية؟ فيشرح بأنَّ "الليرة تتأثر عندما يتم طلب الدولار بكثرة وتبديل الليرة بكثرة، هذا ما فعله البنك المركزي ضمن سياسته المالية في الصيف الماضي، بالنتيجة الضرائب لا تؤذي الليرة بل تزيد الركود، وما من عمل حول هذا الموضوع بل ارتجال وعشوائية".

خفضوا إنفاقكم ولا تزيدوا الضرائب

من جهته، يعتبر الدكتور لويس حبيقة في حديث لـ "النهار" أنَّ "لزيادة الضرائب تأثيراً سلبياً لأن النمو الاقتصادي بطيء في لبنان والضرائب ستُبطئه أكثر. كما أنَّ معالجة موضوع المالية العامة لا يُحلّ عبر زيادة الضرائب بل تخفيض الإنفاق ولو بنسبة 10% ما يوفِّر ألفين و400 مليار. السلسلة يجب أن تقر، إذ لها تأثير مضاعف (multiplier effect) قيمته 4 مليارات دولار مع الوقت، ما يُدخل إلى الدولة إيرادات. حالياً، الناس خائفة من أن يكون هدف الضرائب الجديدة تمويل الفساد".

بالنسبة إلى حبيقة لا تصنع هذه الضرائب موازنة صحيحة، بل تبطء الحركة الاقتصادية، وتجعل الناس محبطين أكثر، وتدفع بالمستثمر إلى تأجيل استثماراته خصوصاً في ظل غياب قوانين منها قانون الانتخاب، "ما يُعقِّد الوضع ويعمق المشكلات ويُقيِّد الاقتصاد على المدى البعيد. ومن يتابع الأرقام يجد أنَّ الإنفاق في موازنة عام 2005 كان 10 آلاف مليار، في حين وصل عام 2017 إلى 24 ألف مليار، وهي زيادة غير طبيعية، وموازنة أي بلد لا ترتفع في 12 عاماً الضعف ونيف"، وهذا مؤشر واضح على الإنفاق المتفلت والتوظيف العشوائي". يرفض حبيقة مقولة أن الضرائب ستؤثر في الليرة اللبنانية، "لأنَّها ثابتة ويحميها مصرف لبنان بالاحتياطي النقدي والحفاظ على سعر الصرف، مما يعني أنَّ ما من خوفٍ على الليرة".

هل نسير على درب اليونان؟

نسأل حبيقة عمَّا إذا كان لبنان على خُطى اليونان في الإفلاس، وفق ما حذَّر من مغبته الرئيس سعد الحريري بعد عدم اكتمال النصاب لإقرار سلسلسة الرتب والرواتب في الجلسة التشريعية؟ يجيب أنَّ "هذه المقاربة خاطئة لأنَّ اليونان مرتبطة بمنطقة الأورو والمصرف المركزي الأوروربي، ولا تصلها تحويلات خارجية، كما أنَّ قوانينها تقيد الاستثمارات، والفساد فيها ضخم مقارنةً بلبنان تاريخياً. المسألة مختلفة في لبنان، لأنَّ الليرة ثابتة، ونرتكز في اقتصادنا على التحويلات من الخارج، كما أنَّ اقتصادنا حر".

يطرح حبيقة مجموعة حلول لافتاً ضمنها إلى أنَّ "زيادة الضرائب ستضرب الاقتصاد لا السلسلة التي ستساهم في زيادة عجلة الدورة الاقتصادية. لذا، يجب:

- العودة عن القرارات المتعلقة بإقرار الضرائب عبر تجميدها وعدم نشرها في الجريدة الرسمية.

- العمل الحثيث على تخفيض الإنفاق.

- تحسين إدارة أداء الإدارة العامة.

- إقرار سلسلة الرتب والرواتب.

- سنُّ قانون انتخاب لإرساء استقرار ينعكس إيجاباً على الاستثمارات معززاً الاقتصاد".

 

ارتضينا دفع ضرائب باسم التكافل الاجتماعي لأننا نعتبر بأن السلسلة حق لأصحابها، ووجب على المسؤولين والنواب وأصحاب الشأن إقرارها على الأقل قبل فرض الضرائب.