لم يكن مشهد الأمس غريباً على الشارع اللبناني، ولعل غضبه لابد أن يثور ويستيقظ أكثر ليتحرك أكثر. فهو من سيموّل سلسلة الرتب والرواتب من جيوبه الخالية كما فرضت عليه دولته الكريمة!
 

وعودٌ كثيرة لم تكن على قدر الثقة، وعودٌ أدت إلى خيبات كثيرة، وبعد الإصرار بأن لا يكون هناك ضرائب جديدة ها هي الوعود تفشل في الجلسة الرابعة للمرة المليون ربما، وما يُضحك أكثر إختلافات النواب وأسبابهم غير المقنعة لتعطيل الجلسة، ما أدى إلى ثورة غضب في الشارع اللبناني الذي صرخ "كفى استهزاءاً بعقولنا".
حتماً فشلت الدولة، فكيف لها أن تنكر ما حصل في الجلسة التي لم تُعقد، كيف لها أن ترفض زيادة الضرائب وهي من فرضتها؟ أمام شاشاتنا هم معنا، هم ضد الضرائب ويعملون لمصلحة الفقراء، ينكرون شائعات سُربت على حد قولهم وسيعاقب من سربها!! وفي الداخل "ربك أعلم" ماذا يحدث، ما هي تلك الطبخة التي يتم تحضيرها؟ طبخة طعمها مر كالسم يشربه المواطن على جرعات سرطانية. 
إقرأ أيضاً: الكوتا النسائية: لبنان في المركز ما قبل الأخير
المواطن اللبناني لا يهمه خلافات نوابه الداخلية وعلى ماذا يعترضون فالكل يغني على ليلاه، ما يهم هذا المواطن الفقير العيش بكرامة في وطن لا يهدر المزيد من أمواله، والأهم من هذا كله يهمه أن لا يعود وينتخب نفس النواب مرة ثانية.
شائعات كذبتها الدولة ورفضها المجتمع المدني ثائراً، وما يزيد الطين بلة أن الدولة استنكرت الإتهامات التي وُجهت إليها، متوعدةً بالملاحقة والمعاقبة. وعن خلافات الأمس، وجه النواب إتهامات لبعضهم أيضاً وسط فوضى مضحكة فلا يكفي تغيّب عدد كبير من النواب عن الجلسة متناسياً دوره القانوني اتجاه شعبه، إلا أن هذه الفوضى دفعتهم إلى التهرب وتحميل مسؤولية التعطيل لبعضهم البعض ليكون المشهد على الشكل التالي:
رفع نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري الجلسة لعدم إكتمال النصاب مضطراً إلى تأجيلها لموعد يحدده رئيس مجلس النواب نبيه بري، ليعقد مؤتمراً صحافياً مشتركاً مع رئيس الحكومة سعد الحريري متهماً رئيس حزب الكتائب سامي الجميل بمحاولة إلغاء إقرار سلسلة الرتب والرواتب وتعطيلها مما سيؤدي إلى "إضاعة حقوق أكثر من 250 الف عائلة" على حد قوله. فهل اصبحت الدولة مستعجلة لإقرار السلسلة لهذا الحد؟ في وقت باتت فيه خائفة على تلك الحقوق التي لطالما تعب مطالبوها من النزول إلى الشارع دون الإستجابة! واليوم الدولة أشفقت على تلك العائلات متذرعةً بحجة عرقلة الجلسة وتعطيل إقرار السلسلة من قبل حزب الكتائب ورئيسه الذي بدوره نفى مستغرباً تلك الإتهامات متسائلاً "هل حزب الكتائب بنوابه الأربعة فقط باتوا من يعطلون الجلسة؟"
أما رئيس الحكومة سعد الحريري فلم يبدو مرتاحاً لا من شعارات المجتمع المدني ولا من مواقع التواصل الإجتماعي ليشن عليها هجوماً بتسريب شائعات غير صحيحة كما اعتبر، وظل متمسكاً كما السابق بإقرار السلسة قريباً حسب قوله.
إقرأ أيضاً: 14 آذار: ذكرى باقية لشهدائها لكنها يتيمة
وبعد كل تلك المشاورات الفوضوية رأى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع "أنّ تأجيل الجلسة أتى لتحصين السلسلة" كاشفاً عن "وجود ازدواجية يمارسها الجميّل لجهة أن البنود نفسها التي وافقت عليها كتلته في جلسة الهيئة العامة في 2014 هي نفسها التي ترفضها اليوم، تماماً كما فعل مع خطة النفايات وعاد واعترض عليها بحكم العلاقات التي تربطه بمصالح شركات النفط الموجودة على ساحل المتن" على حد قوله. كما أعرب جعجع عن نية كتلته المشاركة في الجلسات المقبلة، لكن لن تؤيد السلسلة. 
إقرأ أيضاً: فلسطين في عيون أطفالها
إن كانت تلك الضرائب المسربة مجرد شائعات فعلاً، فالدولة وحدها من يتحمل هذا الخطأ فكما يحق لها الإستنكار والتأكيد على أنها ستنصف الفقراء، يحق للمواطن الإعتراض على عملها، وأن يفقد ثقته بها. ولنفترض أن الضرائب مجرد شائعات فهل علمت الدولة أن أصحاب المتاجر اليوم رفعوا الأسعار بطريقة عشوائية؟ فهل نفي الدولة للشائعة سيمنع رفع تلك الأسعار؟