لقد بات لبنان بحاجة فعلية إلى الإصلاح وتطهير المؤسسات من الهدر والسرقة والفساد وعلى حماة الدستور الذين أقسموا يمين الحفاظ على الوطن أن يلتزموا قسمهم قبل فوات الأوان
 

لم يعد ينفع مع هذه الطبقة السياسية الحاكمة اي إمكانية للإصلاح مع انغماسها بهذا المستوى من الفساد وهبوطها لهذه الدرجة من الإنحطاط الأخلاقي الذي ضاعت معه المعايير والمقاييس الانسانية، فأصبحت كالثوب المهلهل البالي الذي لم تعد تجد فيه إبرة الخياط أي بقعة متينة وصالحة تمكنها من غرس الخيط فيها لترقيعه وحجب الجسد العاري عن الأنظار إليه. 
وليس من المبالغة في شيء القول أن هذه الطبقة الفاسدة بكافة مكوناتها من نواب ووزراء ومسؤولين وزعماء ورؤساء احزاب وتنظيمات وميليشيات ودون إستثناء أحد منهم لأنهم وبالأذن من الشاعر مظفر النواب كلهم أولاد حقبة بل هم أكثر عهرا من العاهرة وأكثر سوءًا من بنات الهوى والليالي الحمراء.
فالعاهرة لم تختار طريق الإنحراف بملء إرادتها الظروف كانت قاسية وأكبر من أن تتحملها فاضطرت مكرهة ومجبرة للإنغماس في حياة الرذيلة وبالتالي فإن مساوىء اختيارها لهذه البيئة الشاذة تعود بالضرر عليها وحدها دون سواها وهي بمفردها تتحمل مسؤولية ضياع شرفها وسمعتها. 

إقرأ أيضًا: أراذل القوم يحكمون البلد
أما هذه الطبقة السياسية الحاكمة بكل مكوناتها وبكامل وعيها وبكافة قواها العقلية وعن سابق تصور وتصميم فانها تحركت بنوازع الأنانية والطمع واللصوصية والحسد والحقد والكراهية وكل عوامل الشر التي تختزنها وسلكت طريق الفساد، ليس فقط للسرقة والتزوير والرشاوى وهدر المال العام والصفقات المشبوهة والعبث بحياة المواطن وضرب الأمن والإستقرار وفرض مناخات من الفوضى والتحكم بمصير البلد وتعريضه للإفلاس والانهيار وتحويله إلى ريشة في مهب الرياح الإقليمية والدولية العاتية وإيصاله إلى شفير الهاوية والمراهنة على مصيره والمغامرة بمستقبل أجياله، بل أنها فعلت أكثر من ذلك بكثير فإنها عمدت إلى ضرب المؤسسات الشرعية والوطنية فيه وألغت دورها ومنعتها من القيام بممارسة وظيفتها ومهامها، فألغت دور الأجهزة والمؤسسات التي أنيط بها مهمة التوظيف والمراقبة والتفتيش للحد من الإستغلال والإحتكار وإستبدلتها بالأزلام والمحاسيب وذوي الحظوة وشرعت أبوابًا لذوي النفوذ وعلية القوم للتوظيف خارج قنوات الدولة المولجة بهذا الأمر، بحيث لم تعد الكفاءة والخبرة معيارا لملء الشواغر بل تم إعتماد تسعيرة لكل وظيفة مع الأخذ بعين الإعتبار الإنتماء الحزبي وذوي القربي والتزلف والضرب بسيف السلطان. 
أما مسألة الشهادات والإختصاص فهي مجرد أوراق تحفظ داخل إطارات براويز تزين الجدران ليس إلا. 
وهذا الواقع من الطبيعي جدًا أن يزيد من منسوب الإرتهان للقوى السياسية والفاعليات الحزبية والانتساب إلى الميليشيات، ما يعني وصول المستزلمين والشبيحة إلى مواقع الوظيفة. 
فعلى سبيل المثال لا الحصر فقد تم إلغاء دور مجلس الخدمة المدنية وهو الجهة الصالحة التي يمكن لها أن تكون القناة الطبيعية لإيصال صاحب الكفاءة ووضع الموظف المناسب في الوظيفة المناسبة وإعطاء كل ذي حق حقه. 
فمعظم الموظفين اليوم غير مؤهلين ويفتقدون إلى الشروط المطلوبة للوظيفة وإنما تم توظيفهم بقوة الأحزاب التي ينتسبون اليها وتحت ضغط المحسوبية والوساطات والرشاوى. 

إقرأ أيضًا: إعجاز القانون الإنتخابي
وكذلك فقد تم ضرب أو إلغاء مهمة أجهزة الرقابة والتفتيش التي تنحصر مهمتها بمحاسبة المقصرين كالتفتيش المركزي والهيئة العليا للتأديب والتي أنشئت أساسًا لفصل الوظيفة عن السياسة وإعطاء الموظف حقوقه دونما أي وساطات، لكن مع هذه الطبقة الحاكمة الفاسدة فقد أعادت الوظيفة إلى حضن السياسيين ومزاجهم وأهوائهم. 
وعليه فإن البلد وفي ظل هذه الثلة المتغطرسة والمتسلطة يسير نحو المزيد من الإنهيار، والدولة تسير والرب راعيها والشعب إلى مزيد من الفقر والجوع، والمواطن الذي قارب أن يفتقد رغيف الخبز سوف لن يقيته البسكويت لسد رمقه ولم يعد أمامه إلا الانتفاض كمقدمة للثورة على هؤلاء الطغاة الحاكمين باسم الدين وبإسم القانون. 
وعلى حماة الدستور والذين اقسموا يمين الحفاظ على الوطن وسيادته وحريته المبادرة إلى الإصلاح قبل فوات الأوان وهم من رفعوا شعار التغيير والإصلاح وذلك بتفعيل عمل المؤسسات لإعادة لكل ذي حق حقه والحد من الفساد وهدر المال العام.