تنويه: قبل أن تشرع في قراءة خاطرتي أريدك أن تعلم أنني لن أدرج ضمنها أي اقتباسات، ولا عناوين كتب، ولا أسماء لرواد المفكرين، فليس الهدف لدي أن أدفعك لتقرأ شيئاً، أو أن أوقظ داخلك حس السؤال.
 

فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليلحد، إنما أحكم عليك بطريقة تعاملك معي، كإنسان وفقط، ولتعتقد أنت ما شئتَ!

لقد تعوَّدنا في مجتمعاتنا العربية أن نتدين، فمنا المسلم ومنا المسيحي، وبينهما قبطي وشيعي وسني، حتى تتعب ياء النسبة لكثرة الطوائف والشعب، مع اختلاف أفكارنا ومعتقداتنا ونسب التزامنا يجمعنا شيء واحد، أننا ندين بدين أسلافنا، ونتربى على ما وجدنا عليه آباءنا.. أولو كان آباؤنا في ضلال مبين؟!

بهذه الطريقة كبر معظمنا يفرغ يوماً بعد يوم التدين من محتواه، حتى أصبح مجرد جواب لسؤال ما دينك؟

ما حدث مع أواسط عقود القرن الماضي، في فترة ما بين استقلال معظم الدول العربية وبين ظهور التكنولوجيا، أن انتشرت القراءة بين صفوف الشباب والنخبة، وصادف ذلك ازدهار الفكر الشيوعي والتنويري المعاصر؛ لتنتشر بذلك كتب مفكرين عرب تدور عجلة فكرهم بطريقة عملية لا تعترف بما هو روحي، إنما هي ماكينات تفكير جوفاء لا تجر أثقال الميراث الديني، هذا أثَّر بشكل كبير على صلب المجتمعات العربية وبين صفوف الشباب، وإن أفلت معظمهم من شباك الإلحاد مع بلوغ سن النضج والمسؤولية وعادوا "ليتدينوا" ويورثوا ذلك لأبنائهم.

ومع أبنائهم طفا وضع آخر، فبين عقود ما قبل التسعينات وما بعدها حفرت التكنولوجيا حُفراً عظيمة العمق، عريضة الوسع، غير قابلة للتجاوز، أصبح لدى الوارثين الجدد للدين القدرة على بلوغ ما شاءوا من كتب وآراء ومواقف من التطرف في الدين إلى الغلو في التمرد والإنكار، وإن كانت الكتب نسخاً إلكترونية فذلك لا يخفي كيف هو أسلوب الشيخ الكاتب بين الترهيب والتهديد والوعيد وإبراز -فقط- صورة الله الجبار ذي العذاب الشديد، وحتى في مقاطع الفيديو "الواعظة" تضاف إليها كلمات بنبرة مرعبة، أو تلاوة آيات العذاب وجهنم والقبر.

بربِّكم كيف تريدون من شاب ما زالت الحياة متقدة في قلبه، وفتاة تحلم بفعل الكثير، لجيل كله أمل، كله حياة، كله طاقة، أن يجذبهم خطابكم بسوداويته وبوعيده، وبجحيمه؟! اتقوا فيهم ربكم، واحترموا رسالات الرسل فكلها سلام.

اقتدوا بالمفكر المحب للحياة، المتأمل بالمستقبل، ذاك الذي يرى نور الأمل في الأفق لا ضوء نيران جهنم، حببوهم في الدين، أقنعوهم بما تورثونهم من معتقدات، ابنوا لديهم علماً ومعرفة، لا فقط "أنت مسلم وهو كافر.. أنت أفضل منه".

والمفارقة أن ملحدنا، الذي لا يخجل من الجهر بذلك، ما زال يحمد الله عند سؤاله إن كان بخير، ويعترف بمشيئة الله مع كل موعد يضربه، ويؤكد عليه بإن شاء الله، وغيرها الكثير، إنما لا يصوم رمضان، ولا يصلي، إنما هي مشكلة التزام، ومنه حتى ملحدنا -قد- لا يدخل النار.