مازالت الجماهير الفقيرة والغفيرة تصفق لغنى الطبقة السياسية التي مات الكثيرون من أجلها ومازال الكثيرون رهن إشارة الزعيم للدفاع عنه حتى العبادة المطلقة.
 

 وهذه الجماهير واحدة في المجتمع اللبناني رغم الإختلافات الطائفية والمذهبية والفوارق الإجتماعية فلا فرق بين المسيحيين والمسلمين في عبادتهم لإله الطائفة أو الحزب ولا فرق بين طائفة وطائفة وبين مذهب ومذهب في الإعتقاد الراسخ بالذود عن حماة الطائفة وحرّاس العقيدة من سياسيين ودينيين يمسكون بزمام الأمور لتحسين شروط الطائفة والمذهب عند الله وشروط عائلاتهم وحاشياتهم في السلطة ومكاسب الدولة .

إقرأ أيضا : العونية السياسية
جاءنا التيّار الوطني بشعارات كبيرة أكبر بكثير من شعارات الثورة الفرنسية وظننا أن هناك بعثاً جديداً قادماً على لبنان ووافداً عليه لينقذ المسيحيين من حزب العائلة وقوّات الزوج والزوجة والمسلمين من أحزابهم الطائفية والمذهبية وظننا أن هناك فرصة ما لتصحيح المسار السياسي والخلل القائم في بنية النظام الطائفي وكانت ملاقاة هذه الشعارات كبيرة جداً من قبل لبنانيين ينتظرون فرصاً تاريخية تجعل من لبنان دولة بمعايير الدول الغربية خاصة و أن في لبنان وجوداً مسيحياً وازناً ومتأثراً في الغرب عموماً وبفرنسا خصوصاً على خلاف المسلمين المتأثرين بهوى آخر وأن التيار الواعد هو مسيحي ويدفع باتجاه العلمنة بعد أن وعى التجربة العلمية في المعرفة والممارسة .

إقرأ أيضا : لبنان مهدد بفراغ قاتل وهذه هي خيارات عون للمواجهة
عندما إجتاح التيار الوطني الشارع المسيحي في أوّل إنتخابات نيابية في ظل حصار كبير من قبل أحزاب الاتفاق الرباعي أصبح الظن يقيناً وبتنا نرصد ونتطلع الى هذا التيّار بعين مختلفة وعندما رفع شعار المحاسبة والمساءلة القانونية للمفسدين في الدولة إرتفعت أسهم هذا التيّار عند المنتظرين لفرج قريب يضع لبنان في مصافي دول القانون وهكذا دخل التيّار وبقوّة الى السلطة السياسية وكانت بداية الصهر الأول طبيعية باعتباره رائداً من روّاد المعارضة العونية ومن ثم توسعت دائرة الشخص لا الدور في الحسابات السياسية الى أن وصل للوراثة الفعلية مع امتداد طوعي لشبكة العائلة في مفاصل التيار وبنية السلطة الى أن وصلت الى حد تجاوز فيه التيّار ما مارسته الأحزاب المسيحية التقليدية والتي تعتمد على النفوذ العائلي في الحزب والسلطة عوضاً عن ممارسة غير بعيدة لما هو ممارس ومتبع من قبل روّاد الطبقة السياسية .

إقرأ أيضا : آنتيل جنبلاط معطل
لقد بدا التيار واحداً أكثر تطوراً من الأحزاب التي قام عليها وانتقدها وحملها مسؤولية هدم الدولة في ورشها كافة وبات صريحاً في إختبار الأمكنة اللازمة والضرورية والمواقع الحسّاسة لصالح الشبكات القريبة في النيابة والوزارة والوظائف وداخل التيّار .
لقد فقدنا إحساساً جميلاً في التعلّق بشيء يشبه الخيال في لحظة هوس سياسي طوباوي دفعنا الى التعلّق بخشبة خلاص في بحر متلاطم الأزمات وسرعان ما قذفنا موجه الى شاطىء الانتظار المرّ لتيّار آخر ولكننا بتنا نشك بوجود مثل هذه التيّارات بعد أن مات الأمل منذ زمن من خلال تجارب كنا نعدها صحوات سياسية ولكنها كانت أسوأ بكثير مما إشتكت منه سواء في المعارضة أو في السلطة .