أثار الموقف هذا النهار يوم السبت الماضي الذي تناول ازدواجيّة باكستان المتمثّلة بتحالف مع أميركا من جهة، وبدعم مستمر من عسكرها لمجموعة كبيرة من التنظيمات الإسلاميّة البالغة التشدّد، أثار تساؤل الكثيرين عن الطريقة التي تستطيع بها أميركا إقناع إسلام أباد بالتخلّي عن الازدواجيّة، وعن الضغوط التي يمكن أن تمارسها عليها.
 

حاول باحث آسيوي نشيط وجدّي الجواب عن هذا التساؤل، فقال إن إدارة ترامب تستطيع اتخاذ إجراءات عدّة، إضافة إلى وضع باكستان على لائحة الدول الداعمة للارهاب. منها تحذيرها أنها قد تفقد وضعيّة الحليف الرئيسي لحلف شمال الأطلسي رغم عدم عضويّتها فيه. ومنها أيضاً إعطاء الأولويّة في التعامل إلى الزعماء السياسيّين المدنيّين فيها على حساب الجيش والاستخبارات. ومنها ثالثاً فرض شرط محاربة الإرهاب في مقابل أي دعم عسكري ومالي أميركي لها. ومنها رابعاً وضع لائحة بسلسلة من العمليّات المحدّدة ضد "المقاتلين" المسؤولين عن هجمات خارج باكستان والطلب منها تنفيذها وفق جدول زمني معيّن. ومنها أخيراً الإصرار على عمليات ضرب المتطرّفين واعتقال بعض قادتهم ووضع بعضهم الآخر في الاقامة الجبريّة، والتحقيق في تسريب أخبار العمليّات ضد جماعاتهم من داخل الأجهزة الأمنيّة والمؤسّسة العسكرية. هل يقنع كل ذلك باكستان باحترام تحالفها مع أميركا والتزامها محاربة إرهاب التنظيمات الإسلاميّة البالغة التطرّف؟ يجيب الباحث الآسيوي نفسه أن الحكومة الباكستانيّة والمؤسّسة العسكريّة والأجهزة الاستخباريّة تؤمن بأن الولايات المتحدة تفضّل سيطرة الهند في منطقتها، ولذلك سمحت لها بتأسيس نفوذ لها في أفغانستان. وقد أشار إلى ذلك وإن على نحو غير مباشر قائد القوّة العسكريّة الأميركيّة في أفغانستان الجنرال جون نيكولسون، في أثناء إدلائه بشهادته أمام إحدى لجان الكونغرس، بتقديمه الشكر للهند على مساعداتها الماليّة لأفغانستان المقدّرة حتى الآن بمليارات الدولارات. وكثيرون داخل المؤسّسات الباكستانيّة وخصوصاً الجيش والاستخبارات يعتبرون مقاتلي التنظيمات الارهابيّة الإسلاميّة مفيدين في الحرب بالوكالة التي تشنّها إسلام أباد على نيودلهي. والمثير بل المُغيظ هنا هو دعم المؤسّستين غير المدنيّتين المُشار إليهما للتنظيمات الإسلاميّة السعوديّة النمط سواء المؤمنة بالعنف والمُمارسة له أو غير العنفيّة. وهذه النظرة الإسلاميّة المحافظة للعالم بل المتطرّفة صارت جزءاً من آليات العمل في إدارات متنوّعة داخل الدولة والحكومة الباكستانيّتين، كما داخل المجتمع نفسه. والانقضاض على المقاتلين الإسلاميّين المتطرّفين بأمر من أميركا أو بتوصية يمكن أن يثير مشكلات عدّة بمقدار ما يمكن أن يقدّم حلولاً.
أين الحل في رأي الباحث الآسيوي نفسه؟ الحل قد يكون في بيجينغ. فالكثيرون في باكستان يعلّقون آمالهم في نمو اقتصادي مهم على خطة الصين استثمار نحو 46 مليار دولار في البنى التحتيّة لهذه الدولة كما في الطاقة. ورغم إقدام الصين على التصرّف كدرع حماية للمقاتلين الإسلاميّين الباكستانيّين في مجلس الأمن، فإنّها تمارس في الوقت نفسه ضغطها على إسلام أباد لتصحيح أسلوبها أو سياستها. وفي اختصار فإن باكستان هي منطقة تستطيع أميركا والصين أن يجعلا منها قضيّة مشتركة.
ما رأي المُتابعين الأميركيّين في كل ذلك؟
يقول أحدهم وهو خبير عتيق إن هناك خلافاً رئيسيّاً أو ربمّا انشقاقاً داخل القوّات المسلّحة الباكستانية. فالجيش المقاتل داخلها معادٍ للارهاب وممارسيه على أنواعه. أما مؤسّستها الاستخباريّة فمؤيّدة جدّاً للعناصر الارهابيّة لأنها تعتبرها متراساً حصيناً ضد الهند. ومحاولات الصين وأميركا نشر الديموقراطيّة في أفغانستان يؤشّر مباشرة إلى غيابها عن باكستان. ولا تستطيع أميركا أن تفعل شيئاً نهائيّاً حيال كل ذلك باستثناء المحاولة. وإذا لم تستمر في "المحاولة" فإن باكستان ستصبح قاعدة لـ"القاعدة" التي أحبطت أميركا قيامها بحربها على أفغانستان عام 2001. وهو يلفت في هذا المجال إلى وجود خطّة قصوى تقضي باطلاق العنان للهند. لكن ذلك لن يحدث إلّا إذا نجحت أميركا في تحييد الترسانة النوويّة المهمّة والصاروخيّة لباكستان. وذلك صعب جدّاً الآن. وإذا تخلّت واشنطن عن إسلام أباد وكابول فإن الحل الوحيد لتلافي الأخطار سيكون بدفع المنظّمات الإرهابيّة الكثيرة إلى التقاتل في ما بينها، علماً أن النجاح في ذلك ليس مضموناً.