في 18 كانون الثاني 2016، أعلن سمير جعجع الإنتصار لوحدة المسيحيين وتكاتفهم بعد سنوات طويلة من الخصام. ولدخول ميشال عون معراب والإعتراف بالقوات كثاني أكبر قوة مسيحية في لبنان وشريك أساسي على الساحة السياسية. وقد اعتبر جعجع أن تلاوته ورقة من عشرة بنود، بحضور عون وموافقته عليها، تعني اعادته إلى ثوابت "ثورة الأرز"، وأولى بوادر خروج عون من حضن حزب الله إلى رحاب الشرعية. 

في المقابل، قدّم جعجع تنازلاً وحيداً لمصلحة عون، وهو ترشيحه إلى رئاسة الجمهورية، وإن كان في حينها لم يظنّ أن ذلك سيحصل. لكن وإن حصل، فلدى جعجع مكاسب متراكمة سيستفيد منها مستقبلاً. ومنها، أولاً، تكريس مفهوم الرئيس القوي، وبالتالي تقدمه ليكون مرشحاً للعهد المقبل. وثانياً تسليف عون دعماً سيحصله منه بعد ست سنوات، بالإضافة إلى إنتزاع موقف متمسك بالقرارات الدولية والسلاح الشرعي من عون.

لكن، كل ذلك ذهب أدراج الرياح بضربة واحدة. دفن عون كل ما ورد في وثيقة التحالف مع القوات، عند تمسّكه بسلاح حزب الله، وإعلانه أن الجيش ضعيف والحزب قوة مكمّلة له. كما أن نهج الوزير جبران باسيل في الإدارة السياسية وقانون الانتخاب ينحصر في تحجيم القوات وحصّتها، لتكريس نفسه رئيساً لأقوى تيار مسيحي، أي التيار الوطني الحرّ، وبالتالي ليكون هو المرشح لخلافة عون في الموقع الأول في الدولة.

المعركة الأساسية التي يخوضها باسيل موجهة ضد القوات اللبنانية، بمعزل عن التصريحات الإيجابية من هنا وهناك. ما حصل في التعيينات الأمنية والعسكرية، وفي قانون الانتخاب، وما يسمع من همس قواتي أن باسيل والتيار يستحوذان على كل المناصب المسيحية في الدولة، دليل على حرب الإلغاء الناعمة التي تُخاض في وجه معراب، والتي بدأت منذ مشاورات تشكيل الحكومة. وهناك من يعتبر أن القوات تعرّضت إلى مجزرة في مسألة التعيينات، فلم تحصل سوى على عضو في الجمارك.

إبان حرب الإلغاء، وصف جعجع أداء عون السياسي، قائلاً: "الجنرال عون يعمل في السياسة كمن يركب على البسكلات". المقصود بهذه العبارة، أن من يمتطي الدراجة الهوائية لا يمكنه التوقف، بل عليه دائماً السير نحو الأمام كي لا تفقد الدراجة توازنها، وتقع. والمقصود أكثر في المعنى السياسي، أن عون يعتمد دوماً سياسة الهروب إلى الأمام، والتي غالباً ما تكون هروباً بدافع الهجوم. منذ انتخاب عون إلى اليوم، أصبحت هذه العبارة تنطبق على جعجع، الذي يهرب إلى الأمام في مواقفه الإيجابية تجاه العهد والإنجازات التي يراكمها، لأنه غير قادر على المواجهة حالياً، خصوصاً على أعتاب استحقاق الانتخابات النيابية.

تبدو القوات اليوم كمن يعضّ على الجرح. تخفف من وطأة الضربات التي تتلقاها، لكنها على يقين أن باسيل لن يرحم. سيفه مصلت دائماً، كما في التعيينات كذلك في قانون الانتخاب. صحيح أن القوات تأمل انتاج قانون يتيح لها تأمين كتلة نيابية تضم نحو 20 نائباً، لكن المعطيات لا تشي بذلك. لأن باسيل سيخوض معركته هو، ولن يخوض معركة القوات، لأن ما يفيده هو تذويبها