في شارعٍ صغير من شوارع سن الفيل، وفي زاروبٍ ضيّق، بيت صغير تنزله على أدراجٍ قديمة، تكاد لا تراه إلّا إذا كنتَ تقصده. أمام المنزل «سطَيحة» صغيرة وأرجوحة شهدت على لعبِ أولاد البيت، ومزار متواضع للسيّدة العذراء يعكس إيمان أهله. وفي الداخل مقاعد قماشية تطلّ على مطبخ قديم، لتستقبلك صورة كبيرة في الزاوية وتدلّك على هوية أصحاب المنزل: أهلاً بك في منزل أهل القائد المغوار جوزيف عون.قد يكون أول ما تسنتجه عن قائد الجيش العماد جوزيف عون عندما ترى تواضعَ منزل أهله، كم أنّ هذا الرجل عصاميّ، متواضع ومؤمن، فأيقونة العذراء في رقبة والدته تدلّك على كيفية تربيتِها لأبنائها الأربعة، تقترب منها فتشاهد عينيها ضائعتين بين الفرح والحزن، فرحٌ على إنجاز ابنها، وحزنٌ على وفاة والده منذ أيام من دون أن يشهد على ما حقّقه القائد المغوار.
شقيقتاه دوللي وداني تحيطان والدتهما. تغمرها داني طوال الوقت، وتهتمّ دوللي بالزوّار والإعلاميين، فيما أخوهما رفيق يجلس تارةً مع والدته وأقربائه وينسّق طوراً مع الضبّاط الموكلين استقبال الناس.
تخرج السيّدتان إلى «السطيحة» حيث تصدَح الأغاني الوطنية، فيَحملهما الناس على الأكفّ لترقصا على وقع الأغاني، فيما تحمل كلّ منهما صورةَ القائد في يد وشالَ الجيش في أخرى، ولا تكفّان عن تقبيل الصورة بشغف وفخر لافتَين.
أمّا الجيران والأقارب فيباركون لبعضِهم ما اعتبروه نصراً، فتركض إحداهنّ وفي يدها سلّة ورد وأرزّ وتسأل «وين صار زوزو صرلي ساعة واقفة بدّي إستقبلو»، فتَغمرها أخرى وتقول لها «طوّلي بالك وافرَحي، جيشنا بأيادي أمينة».
 «على قدر المسؤولية»
عمّا يميّز شخصية عون الذي يحبّه الجميع، تقول دوللي لـ«الجمهورية» إنّ «جوزيف شخص هادئ جداً، ذكي، محبّ، حنون ومحبوب منذ كان طفلاً، يحب العلم كثيراً ويعمل على نفسه»، وتضيف: «لم يكسر يوماً بخاطر أمّي وأبي، وهمُّه الأول رضاهما عليه، قلبُه كبير ويَعلم ماذا يريد، والأهمّ أنّه لا يخاف».
تبتسم وتكمِل: «كتافو عراض... على قدر المسؤولية، لذلك أقول: أعرف أنّ الحِمل ثقيل وأعلم أنّ ما هو قادم عليه ليس سهلاً ووضع البلدِ صعب، لكنّني لست خائفة».
«عون العصاميّ الذي وصَل إلى ما هو عليه بتعبِه، لن تغيّرَه المناصب»، تؤكّد دوللي، مضيفةً: «منذ صغرِه كان جوزيف يعمل على نفسه لكنّه لم يتغيّر بطباعه يوماً، دائماً متواضع ورِجلاه على الأرض ولا يطير، وأنا على ثقة بأنّ أخي محافظ على أطباعه، إذ إنّه مرَّ بمراكز عالية وبقيَ كما هو»، مشيرةً إلى أنه «سيساعد الشبّان العصاميين ليصلوا بجهودهم، لأنه عاش هذه الحالة شخصياً».
 
بدوره، يقول إبن أخت عون، جو، إنّ «الوطن أصبح على كتفَي خالي، ومسؤوليتنا حماية الوطن، علماً أنّنا تربَّينا على محبة المؤسسة العسكرية وعلى الشرف والتضحية والوفاء، والمرحلة اليوم دقيقة جداً، ورغم أن البلد على كفّ عفريت، لكنّه لو لم يكن على قدر المسؤولية لَما وصل للقيادة».
في المعارك
 أمام أحد المحالّ، يقف رَجلان ينتظران وصول العماد عون لاستقباله، يسأل أحدهما الآخر: «هل تعلم أنّ جوزيف كان ينزل إلى المعارك قبل العسكر؟ يزيل النجوم عن كتفيه ويحارب مثله مثلهم، فمن لا يعرف شكله يَعتقده أحد العسكريين العاديين»، ليجيبَه الآخر: «يلّي بشهامة هالزلمي قلال».
 إنجازات في الحروب
في الحروب، لا تشهد على إنجازات العسكر إلّا المتاريس والتحصينات، وبعض رفاق النضال. وفي هذا الإطار يروي العميد المتقاعد جورج نادر لـ«الجمهورية» تجربتَه مع عون ويقول: «جوزيف من الضبّاط الطيّبين والرجال بكلّ معنى الكلمة، فينا نتّكِل عليه، وحقّقَ إنجازات كثيرة في الحروب، لا يَعرفها أحد». ويوضح أنّ «جوزيف لا تربطه قرابة برئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فجوزيف من العيشية وعون من حارة حريك، إنّما هما أقرباء في النضال والتضحية، فجوزيف أكبر من الأحزاب، ولا بحياته انحازَ لأحد».
 إجراءات أمنية
منذ أن سُرّب اسمُ عون لقيادة الجيش، اتُّخِذت إجراءات أمنية تتناول وضعَه، إذ إنه انتقلَ منذ فترة مع لوائه إلى عرسال، لكنّه عاد إلى بيروت لتقبُّلِ العزاء بوفاة والده منذ أيام، وتولّت قوّة من المكافحة تأمينَ حمايته إلى حين استلامه رسمياً قيادةَ الجيش، وفي المقابل أخلى قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي المنزل المخصّص للقيادة في اليرزة، حيث سينتقل عون مع عائلته بعد إجراء بعض التصليحات والترميمات، على أن يتسلّم الراية اليوم ويدخل المكتب بصفته قائداً للجيش.
في الأيام الخمسة الماضية، كان عون موجوداً في وزارة الدفاع للاطّلاع على العمل وعلى بعض الملفات، ويجتمع مع جزء من نواة فريق العمل.
أمّا أمس فاتُّخذت إجراءات أمنية مشدّدة شاركت فيها قوات خاصة من الجيش المسؤولة عن تأمين سلامة قائد الجيش عادةً، بالإضافة إلى قوى الأمن الداخلي، نظراً لانكشاف حركة تنقّلِه بين سن الفيل وبيت الشعّار واليرزة، علماً أنّ زيارة بيت أهله في سن الفيل كانت معنوية بعد وفاة والده، وهو قبلَها كان قد زار رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا، شاكراً إيّاه على الثقة التي أولاه إياها مع مجلس الوزراء بتعيينه قائداً، ليتمنّى له عون بدوره، التوفيقَ في مهامّه الجديدة.
إذاً، من جبهة سوق الغرب إلى قيادة الجيش، انتقلَ قبل 33 عاماً عميداً من عائلة عون خَلفاً للعماد ابراهيم طنوس قبل انتهاء ولايته، لينجحَ الرئيس عون عام 2017 بإيصال قائد آخر من العائلة نفسِها من جبهة عرسال إلى اليرزة، ليكون «الأمر له». الفارق الوحيد بين «العونَين» رتبة المغوار التي يحملها الثاني ولطالما أحبَّها الأوّل...