اللبنانيون كلّهم يريدون أن يعرفوا قانون الانتخاب الذي يريده حزب الله فعلاً، والذي يعتقد أنه سيسمح له بزيادة تمثيله الشعبي أو بالمحافظة على تمثيله الحالي على الأقل.
 

والمواقف التي يسمعونها على نحو شبه يومي من قادته ونوّابه وحلفائه تؤكد تمسّكه بالنسبية الشاملة سواء في لبنان دائرة واحدة أو في دوائر موسّعة. لكنها في الوقت نفسه توحي أنهم منفتحون على البحث والتشاور للتوصل الى اتفاق شبه إجماعي على قانون واحد. والبحث والتشاور مع أطراف بينها وبين "الحزب" خلافات بعضها جذري وبعضها سياسي وبعضها مصلحي يعنيان أن الاتفاق في النهاية سيتألف من أمرين. الأول تنازلات من الجميع. والثاني توافق الجميع. إلا إذا كان "الحزب"، كما يعتقد سيّئوا النية أو ربما الخبثاء، يعمل لإنهاك الجميع حلفاء وأخصام ولوضعهم عند قرب انتهاء المهل القانونية والدستورية المتعلقة بالانتخابات، أمام صيغة مشروع قانون لا تعجب أحداً باستثنائه هو، لكنها لا تدفع أحداً في الوقت نفسه الى رفضها والى تحمّل مسؤولية الفراغ النيابي في حال عدم إجراء الانتخابات، وما قد ينجم عن ذلك من تفاقم لعدم الاستقرار ومن فتح ربما "لأبواب مغلقة" لم يحن إقليمياً أوان فتحها رغم رغبة الكثيرين في ذلك.
هل يعرف أحد قانون الانتخاب الذي يريده "حزب الله" فعلاً كي يُطلع اللبنانيين عليه؟
لا يدّعي أحد من القريبين من أجوائه ومن متابعي حركته يومياً امتلاكه المعرفة التي يطلبها اللبنانيون، ربما لعدم وجود نص نهائي لقانون انتخاب عند قيادته حتى الآن. لكن عدداً من هؤلاء يقولون إن موقفه يتطوّر في استمرار تبعاً لتطوّر حركة التشاور والحوار المستمرين بين كل الأطراف حول هذا الموضوع. فقبل نحو شهر مثلاً كان "حزب الله" يرى حليفه الرئيس نبيه بري محشوراً بطروحات حليفه الآخر "التيار الوطني الحر" وتحديداً رئيسه الوزير جبران باسيل. وكان يرى حشرة أيضاً عند الزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط. ولم يكن مستعداً للتضحية بالاثنين من أجل قانون انتخاب مختلط اخترعه باسيل مدفوعاً بطموحه الى تمثيل "تياره" غالبية المسيحيين وبطموح حليفه الجديد "القوات اللبنانية" الى زيادة تمثيله المسيحي، وبطموح الاثنين الى التحكّم بالمجلس بامتلاكهما الثلث المعطّل فيه. كما لم يكن "الحزب" مستعداً في هذه المرحلة للتضحية بزعيم "المستقبل" سعد الحريري الذي عاد الى رئاسة الحكومة بشروطه، والذي راح ممثلوه في "الحوار" مع "الحزب" يطالبونه بالتدخل لرفع الظلم عنه وعن من يمثل. طبعاً أنهى تدخل "الحزب" مشروع قانون باسيل وتركّز البحث على مشروع قانون حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الذي يعتمد النسبية الشاملة و13 دائرة. ودفع "الحزب" في اتجاه التوافق عليه وإن بعد زيادة عدد دوائره لتصبح 15 أو حتى 16. واستند في دفعه الى موافقة كل الأطراف السياسيين المشاركين في الحكومة المذكورة على المشروع. كما أُخذت موافقة الحريري عليه رغم معارضته الشديدة للحكومة. وفي هذا المجال يؤكد القريبون أنفسهم أن "الحزب" في تلك الفترة كان يفضّل عدم "مراعاة القانون" لجهة دعوة الهيئة الناخبة رسمياً للانتخاب، معتبراً ذلك خطوة غير حكيمة، إذ تضع مجلس النواب في صدام مباشر مع الرئيس عون إذا رفض توقيع "الدعوة". فنكون في شيء ونصير في شيء آخر". والخوف من الصراع ليس تهويلاً. فالعلاقة بين بري وعون لم تكن جيدة على وجه الاجمال. وقد عبّر الثاني عن ذلك للأول في اجتماع بينهما قبل الانتخابات الرئاسية بقوله: "أنا لن انتخبك رئيساً". فسأله عون: "لماذا؟ عرفت أن علاقتكم بجبران (باسيل) صارت مليحة". رد برّي: "أنا لا انتخب رئيسين". فسأل عون مجدداً: "مين رئيسين؟" ردّ بري: "أنت وجبران". ورغم محاولة الرئيس عون معالجة تصرفات "الرئيس" جبران فإن تصرفات الأخير و"تطنيش" الأول عنها بل تأكيدها بقوله إنه "يعدّ لخلافة جيدة في قصر بعبدا" وهو لم يكد يدخله، أكّدا لبرّي هواجسه وساهما في تصليب مواقفه الانتخابية، ومن التصرفات السعي الفاشل بسبب برّي وآخرين الى نقل مقاعد مسيحية محدودة من مناطق الى أخرى يسهّل أحدها "نيابة" جبران.
طبعاً لم يسفر التشاور في "قانون ميقاتي" عن اتفاق عليه أو على "قانون" آخر حتى الآن. فعلى أي مشروع قانون يتم التفاوض الآن؟ وهل صار لـ"الحزب" مشروع "قانونه" أم لا يزال يبحث مع الآخرين في قوانينهم؟