تعلّمت إيلا أن تحمل القلم بيديها المبتورتين، وتكاد تكتب إلى جانب رسوماتها الملوّنة و"شخابيطها": العدالة لي". صار عمر هذه الصغيرة الحلوة، سنتين ونصف السنة، وباتت أكثر شبهاً بأميرات قصص الأطفال. لكنّ ملفها في القضاء لا يزال، حتى الساعة، بلا نهاية مُرضية.

من فرنسا حيث يقيم وعائلته لمتابعة علاج صغيرته التي بُترت أطرافها الأربعة، يحدثنا السيّد حسان طنوس عن آخر التطوّرات في قضيتها، على الصعيدين القضائي والجسدي.

الثلاثاء الفائت (21 شباط)، ختم قاضي التحقيق في بيروت جورج رزق تحقيقاته، فقضى بتركِ طبيب مستشفى الجامعة الأميركية لقاء كفالة مالية قدرها 150 مليون ليرة، وطبيب مستشفى أوتيل ديو لقاء كفالة مالية قدرها 5 ملايين ليرة، محيلاً الملف على النيابة العامة الاستئنافية في بيروت لإبداء المطالعة في الأساس.

بحسب طنوس، لم يستأنف أيّ منهما، ما يعني عملياً وجوب تسديدهما الكفالة بعد أسبوع، ومن المفترض أن يصدر القاضي بعد ذلك قراره الظنيّ لتبدأ المحاكمة.

رحلة التحقيق والاستجواب كانت طويلة، وكان من محصلّتها ثلاثة تقارير. يشير طنوس، باختصار، إلى أن تقرير وزارة الصحة اللبنانية حملّ مستشفى المعونات مسؤولية جمّة وكذلك الطبيب معلوف، أما التقرير الصادر عن البروفيسور أمين قزي (الذي يعمل في مستشفى الجامعة الأميركية) فحمّل المسؤولية للمعونات أيضاً ولمستشفى أوتيل ديو، فيما تضمّن التقرير الصادر عن نقيب الاطباء السابق البروفسور شرف أبو شرف اعترافاً واضحاً بارتكاب أخطاء جسيمة.

وقد حوّل القاضي هذه التقارير إلى النيابة العامة من أجل الادعاء على المستشفيات الثلاثة المذكورة. بحسب طنوس، المماطلة كانت واضحة وفاضحة، اذ أن الجهات المدعى عليها، وتحديداً مستشفى المعونات، والذي كان يتغيّب أي ممثل عنها عن حضور الجلسات فيصار إلى إرجائها، علماً ان محامي المستشفى كان قد تقدّم بدفوع شكلية فردها القاضي رزق، فعاد واستأنف القرار، لكنه أيضاً قوبل بالردّ. وبعد أشهر من "إهدار الوقت" والتمييع، خُتم التحقيق، لكن عائلة الطفلة تفاجأت بطلب المستشفيات مقابلة اللجنة المكلفة من قبل القاضي لطرح بعض الأسئلة، "علماً أنها ناقشت معها التقرير لأكثر من عشرين مرّة". بحسب طنوس، رفض القاضي هذا الأمر، إلا ان الجهات المدعى عليها طلبت مقابلة رئيس اللجنة، فحُددت جلسة من أجل ذلك، غير أن الأخير رفض الحضور. ويتابع:"المفاجأة الأكبر كانت موافقة القاضي على إرسال أسئلة المستشفيات إلى أعضاء لجنة الاطباء في منازلهم للإجابة عليها دون حضور الجلسات، وهذا ما يعدّ برأيي "هرطقة وسابقة".

في المحصلّة، ختم القاضي التحقيق مؤخراً، وكلّ الأمل ببدء المحاكمات وانتصار العدالة. غير أن ّ طنوس يتخوف من عدم تحميل المستشفيات المسؤولية والاكتفاء بتوجيه أصابع الاتهام إلى الأطباء:" ثمة ضغوطات كثيرة تُمارس من أجل عدم شمل المستشفيات في القرار الظنيّ، وهذا الأمر خطير جداً كون المسؤولية مشتركة (مع الأطباء) ومُثبتة في التقارير".

ولعلّ أكثر ما يثير استغراب طنوس هو مضمون تقرير صدر عن "المعونات"، حيث رميت المسؤوليّة الكاملة على الطبيب المعالج (معلوف) وتمّ إنكار وجود أي تقصير وإهمال من قبله (المستشفى)، علماً أن الطبيب لا يزال حتى الساعة يُمارس مهامه فيه، ما يطرح أكثر من علامة استفهام!

بحرقة قلب، يقرّ طنوس بأن "أي حكم قضائي لن يعيد الى إيلا ما خسرته". والخسارة فادحة ومؤلمة، وتطال عائلة بأكملها. لكن في النهاية، على العدالة أن تنتصر. أكثر من ذلك، فإنها ضرورية من أجل حماية كلّ أطفال لبنان وكباره، كما يقول الوالد.

الحياة لم تتغيّر بالنسبة إلى الصغيرة وحسب، فأفراد عائلتها أيضاً استفاقوا بين ليلة وضحاها على "مشوار" جديد "فُرض" عليهم. برلا، الأخت الأكبر، تركت مدرستها ورفاقها في لبنان لتنتقل مع والديها الى فرنسا حيث تتلقى إيلا العلاج بشكل مستمر ومتواصل. "إنها بخير"، يقول طنوس، ونبرة الصوت تحمل في طيّاتها خليطاً من الأمل والألم والفرح والحزن. لم تتمكّن الطفلة من المشي بشكل طبيعي بعد، بل هي خطوات صغيرة وجبارة تقوم بها مستعينة بالأطراف الاصطناعية التي تتغيّر كلّ أربعة أشهر. أما بالنسبة إلى اليدين، فإن ايلا اعتادت على استخدامهما (من دون "بروتيز") بشكل شبه طبيعي. يقول الوالد: "عوض أن تذهب إيلا إلى الحضانة، فإنها "تداوم" ثلاث مرّات أسبوعياً في المركز الصحي لتلقي العلاج". ورغم المعاناة اليومية وصعوبة العيش في الغربة، يحمل والد ووالدة الصغيرة في قلبيهما إيماناً يستحيل قوة عظيمة تقهر كلّ المصاعب. تماماً مثلما تفعل برلا، وتماماً مثلما تواظب البطلة الصغيرة على فعله.

كلمة أخيرة؟! يقولها الوالد مختصراً كل شيء: "اذا لم تتحقق العدالة ولم تنل إيلا حقها من القضاء ، فهذا يعني أن لا قضاء في لبنان، أي... لا لبنان"!