بعيداً عن الخطوط الأمامية على جبهات القتال ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في الموصل، وفي الوقت الذي تواصل القوات العراقية المدعومة من قبل التحالف الدولي، التقدم في أحياء الموصل الغربية، يفر عناصر التنظيم وقادته إلى الصحراء ومناطق بعيدة عن أرض المعركة مستغلين الفساد المستشري داخل القوات العراقية، بحسب صحيفة الواشنطن بوست الأميركية.


وتقول الصحيفة إنه "إلى الغرب من مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار غربي العراق، التي استعادت القوات العراقية السيطرة عليها قبل عام، فإن 20 دولاراً يمكن أن تكون كافية لمرور عنصر من عناصر التنظيم، بل مبلغاً من المال يمكن أن يؤدي إلى رفع اسم أحد المطلوبين من ملفات الشرطة".

وتضيف: "في محافظة صلاح الدين شمال العاصمة بغداد، يتحدث الناس عن عودة عناصر من التنظيم إلى مناطق معينة، في وقت تطلب عناصر الشرطة مبالغ كبيرة من الأهالي للإفراج عن سجين تهمته مساعدة عناصر في التنظيم".

وتواصل الصحيفة: "بعد ثلاث سنوات من القتال ضد تنظيم "داعش"، فإن القوات العراقية على اعتاب تطهير البلدات والمدن التي سبق للتنظيم أن سيطر عليها؛ إذ بدأ الأحد الماضي هجوم على الجانب الغربي من الموصل لاستعادتها من قبضة التنظيم، إلا أن التنظيم يسعى لتأسيس مناطق جديدة له".

وتابعت: "وعلى الرغم من التقدم السريع للقوات العراقية المدعومة من قبل التحالف الدولي في المعارك ضد تنظيم الدولة، لكن مشاهدة المناطق التي تسترجع من قبضة التنظيم تجعلك تدرك أن هذه القوات مازالت بحاجة إلى تدريب وتجهيز أفضل، رغم أنها تنفق يومياً ما يقارب 12,5 مليون دولار في معاركها ضد التنظيم؛ فأغلب تلك البلدات والمدن التي دخلتها القوات العراقية تحولت إلى اثر بعد عين؛ بفعل التدمير الذي تعرضت له، الأمر الذي يمنع عودة الآلاف من العوائل".

وتنقل الـ "واشنطن بوست" عن عيد الكربولي، المتحدث باسم مجلس محافظة الأنبار، قوله إن "عناصر التنظيم يتسربون، نشعر بالقلق أن نجد أنفسنا في نهاية المطاف وقد عدنا إلى المربع الأول".

ويتابع: "هناك سرطان ينخر جسد المؤسسة الأمنية في العراق، يجب أن نعالجه أولاً، وإلا فإن التنظيم سيعود من جديد ويقتلنا جميعاً. ربما الأمور مازالت كحريق صغير، ولكن جب اخماده قبل أن ينتشر ويحرق المحافظة".

وتوضح الصحيفة الأميركية أنه "قبل ثلاث سنوات، نجح تنظيم الدولة في السيطرة على مدن محافظة الأنبار والفلوجة؛ مستفيداً من حالة الإحباط التي كان يشعر بها أهل السنة من جراء سياسات الحكومة التي يقودها الشيعة بحقهم".

وتستطرد: "هذه المناطق مازالت تحتفظ بذاكرتها لسنوات من مقاومة الوجود الأمريكي هناك، قبل أن تبدأ أميركا بخطة لاستمالة العشائر السنية ودفعها لدخول القتال ضد تنظيم القاعدة، حتى إن المحافظة شهدت عام 2007 زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش لتسليط الضوء على تلك الانتصارات، قبل أن يعود تنظيم القاعدة ليشكل تنظيم الدولة عقب خمس سنوات من هزيمة القاعدة في الأنبار".

وتلفت الإنتباه إلى أن "الحملة الأميركية ضد تنظيم الدولة، ركزت حتى الآن على الجانب العسكري بدلاً من معالجة الأسباب التي دفعت إلى ظهور هذا التنظيم في المناطق السنية بالعراق".

وأضافت أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، دعا إلى وضع خطة شاملة لهزيمة تنظيم الدولة ، "لكن إلى الآن لايبدو أنه سيترتب عليها الكثير".

وواصلت القول بأن القادة العراقيون الذين يقودون معركة الموصل يشكون من نقص القوات لديهم في السيطرة على المناطق التي يستعيدونها من التنظيم، كما إن أفراد الشرطة يعانون من ضعف كبير، ناهيك عن الفساد الذي ينخر تلك المؤسسات.

وفي الرمادي غرب بغداد يتحدث العقيد أحمد حسين محمد قائد فوج بالقوات العراقية عن الفساد ودوره في انتشار وعودة عناصر التنظيم، حيث يقول للصحيفة: "إن أهم بطاقة الآن هي البطاقة المدنية، يمكن الآن أن تشتريها بـ 25 ألف دينار عراقي، أي ما يقارب 20 دولاراً ، هذه البطاقة تسمح لعناصر التنظيم أن يعودوا ويتغلغلوا بين السكان، حتى السكان يخشون الادلاء باعرافات ضد عناصر التنظيم رغم معرفتهم بهم".

من جهته اعترف العقيد ياسر إسماعيل، المتحدث باسم شرطة الأنبار بوجود فساد في نقاط التفتيش، مؤكداً للصحيفة على أن هناك خطط جديدة لمنع دخول عناصر التنظيم واعتقالهم.

وتشير الصحيفة إلى أنه ليس تنظيم الدولة وحده من يسعى إلى إعادة بناء نفسه في المحافظات السنية، فلقد سبق أن دعا تنظيم القاعدة عبر أيمن الظواهري، سنة العراق إلى إعادة ترتيب صفوفهم والاستعداد لشن حرب طويلة الأمد.

معهد دراسات الحرب في واشنطن، قال في دراسة له الشهر الماضي، أن العديد من الجماعات والفصائل السنية المقاتلة في العراق تسعى إلى إعادة ترتيب نفسها، ومنها القاعدة وجيش الطريقة النقشبندية وكتائب ثورة العشرين.

الخشية من عودة مقاتلي تنظيم الدولة، وغيرها من الجماعات السنية المقاتلة لا تعود بأسبابها الى الفساد المستشري في المؤسسة الأمنية العراقية، وإنما أيضاً بسبب سوء تصرفات الحكومة المركزية ببغداد مع أهل السنة، وأيضاً القوات الأمنية والحشد الشعبي ضد المناطق التي تستعاد من قبضة التنظيم، بحسب الواشنطن بوست.

وتطرقت إلى تحذيرات أطلقتها صفحة "عين الموصل"، على موقع "فيسبوك"، التي كانت تتابع سير الحياة في المدينة الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة طيلة أكثر من عامين ونصف.

وأوضحت أن تلك الصفحة بعثت برسالة مفتوحة الى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي؛ محذرة من الانتهاكات التي تمارسها عناصر من قوات الأمن العراقي، وكيفية إذلال أهالي المدينة، مؤكدين في رسالتهم أن مثل هذه التصرفات تعتبر هدايا مجانية للتنظيم.

وتختم الصحيفة تقريرها بالقول، إن "الفساد مستشر في العراق إلى درجة أنه إذا كان لديك أموال فإنك يمكن أن تفعل كل شيء، وتُخرج محكوماً بالإعدام من حبل المشنقة".

 

 

(واشنطن بوست ـ الخليج اونلاين)