كان بإمكان الرئيس نبيه بري أن يرسل من يمثّله إلى المؤتمر السادس الذي تنظمه طهران لدعم الشعب الفلسطيني. لكن مشاركة رئيس مجلس النواب شخصياً، في ظل الوضع الدقيق سياسياً في لبنان، وفي ضوء التطورات الإقليمية والدولية، تشير إلى أن ثمة أهمية لهذه المشاركة واللقاءات التي سيعقدها بري في طهران وما سيجري التباحث حوله.

ثمة نقاط حتى وإن كانت شكلية، لكنها تكسب بعضاً من الأهمية. أولها حفاوة استقبال بري، وإعطائه الكلمة الأولى للضيوف المشاركين من بين ثمانين دولة. كما أن تعاطي الصحافة الإيرانية والمسؤولين الإيرانيين مع موقفه وكلامه حظي باهتمام استثنائي، حتى أنهم وصفوه بأنه وضع الإصبع على الجرح. وعلى هامش المؤتمر، عقد بري لقاءات عدة مع المسؤولين الإيرانيين، على رأسهم الرئيس حسن روحاني، ورئيس مجلس الشورى علي لاريجاني.

في كلمته أمام المؤتمر، رفع بري السقف، وقال في اعتراضه على نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس إنه يجب على العرب والمسلمين الاستعداد لإقفال سفاراتهم في الولايات المتحدة الأميركية لتشكيل عامل ضغط على هذا القرار، لأن السكوت عنه يشجع إسرائيل على اتخاذ مزيد من القرارات الاستباقية لنسف السلام وإشعال الشرق الأوسط، لافتاً إلى أن السفارات لا تفعل شيئاً سوى تلقّي الاملاءات التي تناسب السياسات والمصالح الأميركية.

وإذا كان حزب الله هو القوة العسكرية التي ترتكز عليها إيران في المنطقة، وتشكّل الحصان الرابح لها، فإن بري بدا من خلال كلامه ولقاءاته والردود عليه والتفاعل معه، أنه أكثر من حصان ديبلوماسي رابح. وهذا ما ظهر من خلال كلام الرئيس الإيراني الموجه إليه، "اننا نعلق أهمية كبيرة على دوركم لتحقيق الاستقرار في لبنان وتطوير العلاقات بين بلدينا، ولا شك في أنكم عشتم أياماً صعبة، واليوم تحسن الوضع أكثر". وقال بري إن "الحج السياسي للمسلمين والعرب هو فلسطين، واستنهاض الحركة العربية والإسلامية يبدأ بفلسطين". وهي إشارة إلى تجنّب الخلاف بين إيران والسعودية حول مسألة الحج. كما أن هذا يتزامن مع استعداد وفد إيراني لزيارة السعودية للبحث في شؤون الحج لهذا العام.

وهناك من يرى أن مشاركة بري والكلمة التي ألقاها، حول إقفال السفارات في واشنطن، والتمسك بثلاثية الجيش والشعب والمقاومة في لبنان، وتأكيد التمسك بتطبيق القرار 1701 لتحرير كامل الأراضي اللبنانية، لا ينفصل عن التطورات الحاصلة في المنطقة، وما يحكى عن تهديدات إسرائيلية للبنان وحزب الله. بالتالي، فإن كلام بري يأتي في سياق الموقف الداعم لخيار حزب الله وتصعيد أمينه العام السيد حسن نصرالله. فيما هناك من يعتبر أن موقف بري في طهران، قد يعيد الذاكرة إلى المقاومة السياسية التي كان يقودها مع أطراف لبنانية أخرى إبان العدوان الإسرائيلي في تموز 2006.

ولم تغب عن بري الإشارة إلى دور إيران الفاعل في المنطقة، إذ شكرها بعد لقائه روحاني على الدعم الذي أدى إلى التطورات المفيدة للبنان، إن كان على صعيد انتخاب رئيس الجمهورية أو تأليف الحكومة. بالإضافة إلى تناول كل ما يدور في الإقليم من تطورات، ولاسيما بعد زيارة روحاني الكويت وسلطنة عمان.

عليه، فإن زيارة بري إيران لم تخل من توجيه رسائل داخلية، وهي أنه في المحور على الصعيد الإقليمي والإستراتيجي. بالتالي، فإن زيارة إيران ضرورية للحفاظ على وجوده وحماية حصّته في لبنان، كي لا يتم تقليصها في الانتخابات المقبلة بسبب التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر، الذي يريد إدخال شركاء إلى الساحة الشيعية على حساب رئيس حركة أمل.