أيّ رئيس لمجلس الوزراء هو سعد الحريري اليوم؟ السرايا التي عاد اليها الحريري ينتصب في باحتها الخارجية تمثال والده الراحل حيث لوحة تحمل اسمه تذكيراً بمن جعل مقر رئاسة مجلس الوزراء مكانا معماريا مميزا بعدما كان شبه أطلال. لكن رئيس الحكومة لم يعد الى بيت أبيه وهو الحافظ للشعار الشهير المرفوع على مدخل القصر الحكومي: "لو دامت لغيرك ما اتصلت اليك"، بل يعود الى الموقع الذي يستحقه كرئيس أكبر كتلة في البرلمان بعد انتصار نيابي كبير عام 2009 حيث لم ينفع معه أن يمد بعده صاحب الانتصار يد التعاون مع الامين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله الذي رتب الانقلاب الشهير على حكومة الحريري الاولى شتاء عام 2011.

ربما لا يزال الوقت مبكرا، بحسب آراء عدد من الوزراء المحسوبين في خانة الحلفاء للحريري، لمناقشة صوابية خيار الاخير في الذهاب حتى النهاية في ترشيح العماد ميشال عون وصولا ليصبح رئيسا للجمهورية. لكن بعض هؤلاء لا يكتمون دهشتهم من سرعة الرئيس عون في مغادرة خطاب القسم الذي ادلى به يوم انتخابه إذ شكّل علامة مميزة للعهد الجديد في موضوعين كبيرين هما اتفاق الطائف وسياسة لبنان الخارجية.
من علامات هذا النقاش المكتوم، علمت "النهار" ان مناقشة ستدور في الجلسة العادية لمجلس الوزراء اليوم الاربعاء تتناول أبعاد التطورات الاقليمية المتصلة بلبنان، لا سيما ما صدر من مواقف عن رئيس الجمهورية ردا على رسالة المندوب الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون. والمقاربة ستكون من زاوية: ألم يكن من الاجدى لو ان الرد اللبناني جاء على المستوى الاسرائيلي نفسه، أي يجري تكليف مندوب لبنان لدى الامم المتحدة ليتولى المهمة؟
في الوقت عينه، علمت "النهار" ان مشاورات جرت في إطار أعضاء "مجموعة أصدقاء لبنان" تناولت موقف الرئيس عون من سلاح "حزب الله" وتأثيره على مخططات دعم الجيش اللبناني. كذلك تولت سفيرة الولايات المتحدة الاميركية في لبنان اليزابيت ريتشارد توجيه إشارات مماثلة.
ليست هناك دلالة أكثر تعبيرا عن المناخات الجديدة إضطرار وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، بعد صبر، الى إصدار مرسوم دعوة الهيئات الناخبة قبل نفاد مهلتها في 21 الجاري، أي يوم امس، على رغم علمه ان الرئيس عون لن يمهر المرسوم بتوقيعه. زملاء الوزير المشنوق يفتقدون مداخلاته في القضايا الرئيسية بعدما لجأ الى الصمت وكأنه يعتمد المثل القائل: "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان".
يستشعر أحد الوزراء تبدلاً قوياً في أجواء مجلس الوزراء. كل ذلك حصل فجأة بعد الهجوم السياسي الكبير الذي بدأه نصرالله في الداخل والخارج. ومن ملامح هذا التبدّل أن شيئا من محور "حزب الله" - "التيار الوطني الحر" الذي كان سائدا في حكومة الرئيس تمام سلام عاد اليوم ولو بشيء من الخفر.
أين الرئيس الحريري الذي لم يعد الى السرايا إلا قبل بضعة اسابيع؟ "رفاق السلاح"، إذا صح التعبير، لا يجدون الحريري في موقع من أصابته "المفاجأة". فهو يعلم أن خيار ترشيحه للعماد عون هو لإنقاذ لبنان من مرحلة توظيف الفراغ الرئاسي في المواجهة الايرانية - الاميركية التي بدأت تهب رياحها على لبنان بما فيه مجلس الوزراء. كما يعلم أن لبنان لن يحميه سوى التزامه مواثيق الشرعية الدولية التي يجب على الرئيس عون أن يعلم مسؤوليته حيالها كرئيس للجمهورية لا كرئيس لتيار سياسي.
كان لافتا إصرار الرئيس الحريري، على ذمة أحد الوزراء، على المضي حتى النهاية في إعداد مشروع الموازنة الذي يشهد حاليا أسبوعا ثانيا من الجلسات المتلاحقة لمجلس الوزراء، متجاوزا دعوة وزير الخارجية جبران باسيل الى وقف هذه الجلسات بسبب الخلافات الدائرة حولها. وهذا المصدر يلمّح الى أن هناك نيّة مبيتة لكي يبقى موضوع "قطع الحسابات" منذ العام 2006 سيفا مصلتا. ويروج همسٌ بأن هناك من يسعى الى مقايضة بين "قطع الحساب" وقطع التمويل اللبناني للمحكمة الخاصة بلبنان؟
لا أحد يعلم الى أين يسير لبنان! في هذه المرحلة يمضي الحريري في عمله: فهو حينا كاسحة ألغام وحينا هو سائر بينها محاذرا أن تنفجر.