بدعوته رئيسَ الجمهورية العماد ميشال عون في بعبدا إلى تنظيم حوار موسّع حول قانون الانتخاب، يكون رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل قد أطلقَ المبادرة الأولى لتصويب مسار قانون الانتخاب، الذي حوّلته اللجنة الرباعية قانوناً هجيناً تمَّت خياطته على مقياس قوى سياسية محدّدة، فهل يتلقّف عون الكرة ويدعو إلى هذا الحوار الموسّع، الذي يفترض أن يضمّ إليه قوى أهلية من خارج المجلس النيابي بالإضافة إلى القوى النيابية التي تمّ تغييبها؟
 
على الأرجح لن يكون ردّ رئيس الجمهورية إيجابياً، لأنّ مجرّد الدعوة إلى بعبدا ستعني إيقاظ حساسيات حول الصلاحيات، ستترجم تراكماً اضافياً في السلبية في العلاقة بين عون وكل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، هذا فضلاً عن السبب الاكثر اهمية لاحتمال رفضِ الاقتراح، وهو تجنّب اعلان فشل الاتفاق على قانون الانتخاب وبالتالي تحميل رئيس الجمهورية المسؤولية، وهو ما يتجنّب تحمّله.
 
أمام هذا الواقع لن يكون امام اللجنة الرباعية خيارات كثيرة، فالخيار الاوّل المتمثل بتعديل قانون الوزير جبران باسيل، متعذّر عملياً لأنّ الاعتراض على الصيغة لا يقتصر على الشكليات، بل على جوهر القانون الذي يفتقد للمعايير الواحدة بنحو فاضح.
 
فالتعديل إن حصَل يجب ان يعمّم النسبية بشكل متساوٍ، وهو امرٌ متعذّر، خصوصاً في المناطق المسيحية حيث تركت للنظام الاكثري، فيما سيشكّل انتقالها الى النظام النسبي مشكلة لثنائي «القوات اللبنانية» ـ «التيار الوطني الحر» اللذين سيفقدان القدرةَ على تشكيل لوائح منسجمة، كما انّهما سيفقدان حصرية نسبة الـ51 في المئة من الاصوات التي تمكّنهما، حسب النظام الاكثري، من الفوز بكلّ مقاعد الدوائر.
إذ بمجرّد تطبيق النسبية في الدوائر المسيحية يصبح من المتعذّر الاتفاق الثنائي على لوائح مشتركة، خصوصاً إذا ما اعتُمد الصوت التفضيلي، كما انّ النسبية ستتيح لقوى أُخرى كالكتائب ان تشكّل لوائحَها بالتحالف مع المستقلين فتصبح اللعبة مفتوحة على كلّ الاحتمالات.
 
في المبدأ يفضّل «التيار الوطني الحر» ضمناً قانون الستين لكنّه لا يستطيع السير به، وهذا ما حدا برئيس الجمهورية الى التهديد بالفراغ إذا ما تعذّر الاتفاق على قانون جديد، ويعلن وزير الخارجية جبران باسيل ان لا مشكلة لـ«التيار» مع قانون النسبية الكاملة في المحافظات، لكنّه يدرك أنّ هذا القانون لا يمكن ترجمة نتائجه كما يريد ثنائي «القوات» ـ «التيار»، فضلاً عن أنه مرفوض لدى تيار «المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي.
 
أمام هذه العوائق التي تقف في وجه إنتاج قانون انتخاب جديد، هل سيتمّ تخطّي 21 شباط، من دون دعوة الهيئات الناخبة، ويصل الجميع الى خيار الفراغ؟ أم أنّ خيار النسبية سيفتح على مناقشة مشروع من اثنين: مشروع القانون الذي أقِرّ في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي (13 دائرة مع النسبية)، أو مشروع القانون الذي أُعِدّ في بكركي (15 دائرة مع النسبية)، علماً أنّ المشروع الثاني يجعل من زحلة دائرة مستقلة عن البقاع الأوسط، كما يفصل المقعدين الشيعيين في بعبدا عن دائرتها.
الواضح أنّ الكلام عن اعتماد النسبية سيُطرح مجدداً، إلّا إذا أعيدَ النقاش في «المختلط» من دون التوقف عند معايير تقسيم الدوائر بين نسبي وأكثري، وهذا أمر إن حصَل سيعني مراعاة النائب وليد جنبلاط في الشوف وعاليه، كذلك سيعني إعادة النظر في تعميم القانون الاكثري على الأقضية المسيحية، وسيعني أيضاً التوازن في الدوائر السنّية التي تعامل معها مشروع باسيل كقطعة جبنة اقتسمت بنحو غير عادل، وما طرابلس سوى أحد الأمثلة على هذا الاقتطاع.
 
ويبقى السؤال: ماذا سينتج عن فشل قانون باسيل؟ وما هو تأثيره على الانتخابات والتوازنات التي كانت ستنتج منه؟
 
الأكيد أنّ هذا المشروع كان سينتج مجلساً نيابياً معروفة نتائجُه بنسبة تفوق الـ 80 في المئة، وهذا يعني تشكيل حكومة على قياس هذه النتائج، كذلك سيكرّس ثنائيات مسيحية وشيعية، في حين أنّ الصورة سنّياً ودرزياً قد تتغيّر، على وقعِ تناغم ثنائيتين لـ«حزب الله» فيهما الكلمة الفصل، في كلّ ما يتعلق بالقرار السيادي للدولة، كذلك بتحديد السياسة الخارجية وعلاقات لبنان العربية والدولية.