المملكة العربية السعوديّة دولة مهمّة في العالم الإسلامي بسبب وجود الحرمين الشريفين على أراضيها، ودولة مهمّة في العالم العربي بسبب قيادتها مجلس التعاون الخليجي وممارستها دوراً قياديّاً أكثر من مرّة منذ تأسيسها في النصف الأول من القرن الماضي، وبسبب ثروتها النفطيّة البالغة الضخامة التي استعملت قسماً مهمّاً منها لمساعدته، كما بسبب تبنّيها قضيّة شعب فلسطين ومحاولتها مساعدته على استرجاع حقوقه المغتصبة من اسرائيل كليّاً في البداية ثم جزئيّاً لاحقاً. وهي إلى ذلك دولة مهمّة في العالم بغربه (أميركا وأوروبا وروسيا) وشرقه (الصين وغيرها) جرّاء نفطها وغازها ودورها المؤثّر في منطقتها.
لكن المملكة هذه، وفي رأي باحث آسيوي مهم، لم يكن العام الماضي 2016 جيّداً بالنسبة إليها. ذلك أن الانخفاض الحاد في أسعار النفط أطلق شرارة أزمة داخليّة ماليّة فيها أجبرتها على إعادة هيكلة اقتصادها. وصراعها القاسي جدّاً مع إيران حول السيطرة على المنطقة وتورّطها في حروب وصراعات سياسيّة لم تكن قادرة على ربحها، وتركها أمام خيار واحد تقريباً هو قبول الفشل والاعتراف به أو قبول مبدأ التسوية والانخراط فيها. وإذا كان عام 2016 سيّئاً فإن العام الجاري 2017 يهدّد بأن يكون أسوأ.
كيف ذلك؟
يقول الباحث نفسه أن المملكة اختتمت العام الماضي بوقف نار في سوريا، وبتوقّع محادثات سياسيّة أعدّت لها روسيا وتركيا من شأنها إضعاف المتمرّدين المدعومين منها وتقوية الحليف "المفتاحي" لإيران رئيس سوريا بشار الأسد. علماً أن أملها الوحيد في التأثير على أحداث سوريا يبقى في المجموعات المتمرّدة والأخرى الجهاديّة التي ليست طرفاً في الوقف المذكور، أو في إقدام الأسد على ضربه لسبب أو لآخر. ولكن حتى في حال كهذه فإن سقوط حلب بيد الأخير يهدّد بتقليص المقاومة له بحيث تصبح مجرّد انتفاضة ريفيّة. وهو يشير، إلى ذلك، إلى أن السعوديّة العاجزة عن منع وصول حليف لـ"حزب الله"، هو حليف مهم سياسيّاً وعسكريّاً للأسد، في لبنان إلى رئاسة جمهوريّته هو العماد ميشال عون وجدت نفسها مضطرّة إلى قبوله ضمناً ولاحقاً إلى دعوته لزيارتها، وقد فعل ذلك. وألحقت بنفسها جرّاء ذلك الاهانة والأذى في وقت واحد. طبعاً نفّذ عون حصّته من "الصفقة" فعيّن زعيم "تيار المستقبل" سعد الحريري رئيساً للحكومة، علماً أن مجموعته وعائلته الاقتصادية في المملكة تأذّت كثيراً من أزمتها المالية. وهي تحتاج إلى كفالة ودعم ماليَّيْن منها كي "تقوم" من محنتها. وانتهى بذلك رسميّاً عى الأقل صراعاً فاتراً بينها وبين إيران تسبّب في شغور رئاسة لبنان سنتين وخمسة أشهر. ورغم هذه النهاية وزيارة عون المملكة ومحاولته أن يكون متوازناً في مواقفه وتصريحاته في اجتماعاته مع مسؤوليها الكبار كما في حواراته الإعلاميّة المتنوّعة، فإن العارفين يؤكّدون أن الرياض لم تؤخذ بابتعاده عن صراعها مع إيران. فالمعلومات التي لديها تفيد أن تحالفه مع "حزب الله" واستطراداً إيران ثابت ونهائي. وتعزّزها معلومة لهؤلاء تفيد أن قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري الإيراني" الحاج قاسم سليماني المُتابع ميدانيّاً تنفيذ المشروع الإقليمي الطموح للجمهوريّة الإسلاميّة ("الهلال الشيعي") التقى الرئيس عون بعد أيام قليلة من انتخابه ولكن ليلاً وفي منزله في الرابية.
طبعاً، يلفت الباحث الآسيوي المهم نفسه إلى أن المملكة حسّاسة جدّاً تجاه أي محاولة لمسّ "خدمتها" الحرمين الشريفين على أرضها. وهي لذلك تفاوض ومنذ العام الماضي الدول الإسلاميّة وغير الإسلاميّة التي فيها مسلمون مواطنون ومقيمون من أجل تنظيم حملة "الحاج" للعام الجاري 2017. وإيران كما ظهر أخيراً هي واحدة من هؤلاء رغم المأساة التي حصلت في موسم 2015، وقضى بنتيجتها مئات من مواطنيها بينهم سفير سابق لها في لبنان غضنفر ركن أبادي.
كيف يرى الباحث الآسيوي نفسه حرب السعوديّة في اليمن؟
يجيب أن حملتها العسكريّة في اليمن التي صار عمرها قرابة سنتين، والتي افتُرِض أنها ستكون نزهة تحوّلت ورطة لها. وهي الآن تبحث عن استراتيجيا خروج منها تحفظ ماء وجهها حيال بلاد شقيقة أصابتها بدمار كبير من دون أن تنجح في التخلّص من أعدائها فيها، وهم الحوثيّون حلفاء إيران والرئيس السابق علي عبدالله صالح. وهؤلاء يُسيطرون على قسم كبير من اليمن بما في ذلك عاصمته صنعاء. علماً أن الدمار والخسائر البشريّة أطلقت شعوراً مُعادياً للرياض في أوساط أعداد مهمّة من الشعب اليمني.
ماذا عنده أيضاً عن اليمن والسعوديّة وعن السعوديّة وأميركا "الجديدة"؟