الشيعة في لبنان بين موروثات الماضي وتحديات الحاضر والمستقبل، أي تاريخ سيكتب بعد الحال التي وصلت إليه شؤون الطائفة مع تمديد ولاية المتنفذين على المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى ؟
 

تمهيد: شاء الله وقدّر للطائفة الشيعية في لبنان، ابتداءً من ستينيات القرن الماضي، شخصيّتين دينيّتين هما: السيد موسى الصدر والسيد الراحل محمد حسين فضل الله. شخصيّتان تتمتعان بهيبة دينية وكاريزما شخصية نادرتين، مع اختلاف توجّهاتهما ومشاربهما الفقهية والخلُقية والإنسانية، إلاّ أنّهما طبعا تاريخ الشيعة المعاصر منذ نصف قرنٍ مضى، وربما لنصف قرنٍ آخر قادمة لا محالة.
أولاً: السيد موسى الصدر:  

حلّ السيد الصدر أوائل ستينيات القرن الماضي في مدينة صور، وورث باكراً الزعامة الدينية للراحل السيد عبد الحسين شرف الدين، وسرعان ما جمع حوله لفيفاً من رجال دين وسياسة واغتراب لقيادة حركة شيعية ذات منحى سياسي، هدفها الأول إنشاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وذات منحى اجتماعي بإنشاء مؤسسات مهنية وتربوية واستشفائية ، وهذا ما دفع السيد إلى إنشاء حركة المحرومين التي عُرفت فيما بعد بحركة أمل، أي ما يختصر: أفواج المقاومة اللبنانية ذات التوجه السياسي العسكري.
فاجأت الحرب الأهلية اللبنانية السيد الصدر، فاضطربت مواقفه، واختلطت الأمور في لبنان بوجود السلاح الفلسطيني الكثيف ودخول العامل السوري في الساحة اللبنانية، وانحدر البلد سريعاً في أتون الحرب الأهلية، مما أنذر باكراً بانتهاء دور الصدر وضرورة الخلاص منه، فغُيّب منذ أكثر من ثمانية وثلاثين سنة، وما زال في غيبته الكبرى هذه، وله في غياب الإمام المهدي في القرن الرابع الهجري سابقة وعزاء.
ثانياً: السيد محمد حسين فضل الله... 

 

عجّل اغتيال الشهيد محمد باقر الصدر في العراق في عودة السيد محمد حسين فضل الله إلى لبنان أوائل سبعينيات القرن الماضي، حيث استقرّ في منطقة النبعة- برج حمود قبل اندلاع الحرب الأهلية، حيث انصرف إلى النشاط الدعوي والتعبوي بخلاف نهج السيد الصدر، فانصرف إلى إنشاء بعض المعاهد الدينية الشرعية، ممّا أسهم في بلورة الجماعات الشيعية الجهادية التي رعاها الراحل ياسر عرفات في بادئ الأمر حتى دخول الحرس الثوري الإيراني بعد خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان عام ١٩٨٢ ،وظهور حزب الله للعمل العلني المسلح برعاية إيران والسيد فضل الله وتلامذته ومناصريه وأتباعه قبل الانقلاب عليه فيما بعد.
ثالثاً: ما خلّفه السيدان؛ أشرٌ أُريد بأهل الشيعة أم رشدا؟

إقرأ أيضًا: أريحية لافروف اتجاه أميركا، ارحموا عزيز قومٍ ذلّ
خلّف لنا السيد موسى الصدر حركة أمل التي ورثها حامل الأمانة الرئيس نبيه بري من صاحب الأمانة كما أشاع مناصرو بري، وهي أمانة دسمة أنبتت زعامة شبه إقطاعية امتدت حتى الآن لأكثر من ربع قرن، ومُرشّحة للمزيد، طالما أمدّ الله بعمر حامل الأمانة وغياب صاحبها، وخلال هذه المدة الطويلة، أسبغ الله نعمهُ على المحرومين أبناء الإمام الصدر فأصبحوا من أصحاب الرساميل والقصور والأملاك والمؤسسات ومواقع النفوذ والسيطرة رغم غياب صاحب الأمانة الذي يكتفى بذكراه يوم الفاتح من سبتمبر من كل عام.
أمّا ما خلّفه السيد محمد حسين فضل الله، فهو الفكر الديني الأصولي المتزمّت والملهم لقيادات وكوادر وعناصر حزب الله، في حين يعتقد البعض أنّهم يتّبعون نهج وفكر الولي الفقيه في إيران، والواقع أنّ فكر السيد فضل الله يبقى المنبع الذي يردهُ أبناء الحزب ويغرفون منه.

إقرأ أيضًا: القديس يوحنا فم الذهب ومسيرة الرئيس عون الاصلاحية
خلّف لنا السيدان الثنائية الشيعية عن قصدٍ أو مواربة، هذه الثنائية التي تطبق أيديها على رقاب أبناء الطائفة، ومن آخر فضائلها تمديد ولاية المتنفذين على المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وبات حال أبناء الطائفة كحال الجن الذين سمعوا قرآناً عجبا، فقالوا: (وأنّا لا ندري أشرٌ أريد بمن في الأرض أم أراد ربّهم بهم رشدا) سورة الجنّ، ونحن والله أعلم، لا ندري أشرٌ أريد بأهل الشيعة أم أراد ربهم بهم رشدا، وهو علّامُ الغيوب.