تتعامل الأجهزة الأمنية اللبنانية مع السلاح الفلسطيني بحذرٍ كبير، خصوصاً أنه كان الفتيل الذي أشعل شرارةَ الحرب الأهلية في لبنان. اليوم، ورغم كلّ التطمينات التي لا تنفكّ الجهاتُ الفلسطينية تنشرها لجهة ضبط السلاح داخل المخيمات، فإنه لا يمكن إغفال خطر قاعدتين أساسيّتين مدعَّمتين بالسلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وهما كناية عن أنفاقٍ تحوي من السلاح ما يكفي لإشعال حرب جديدة، والأخطر أنهما خارجتان عن سيطرة الدولة، فما الذي يُجرى في باطن الأرض في الناعمة وقوسايا؟
 
هاتان القاعدتان موجودتان في الناعمة وقوسايا على الحدود اللبنانية ـ السورية، وهما تابعتان لـ«الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة»
 
دعمٌ للنظام
 
أما الجديد في الموضوع، فهو نقل عدد من مسلّحي القاعدتين الى سوريا للمشاركة في الحرب مع النظام في الفترة الأخيرة، إذ إنه بعد سقوط مخيّم اليرموك في دمشق، قاتَل الفلسطينيون في مخيمات أخرى كان لهم وجود فيها الى جانب النظام، كونه مصدر تسليحهم، لذلك دُعموا بمجموعات من لبنان للمقاتلة، مع العلم أنّ قواعد تدريبهم ومراكز قيادتهم موجودة في دمشق والمخيمات المحيطة بها.
 
عام 2006 عُقدت أولى جلسات الحوار برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري، وكان أحدُ البنود المطروحة على جدول الأعمال، السلاح الفلسطيني خارج المخيمات.
 
آنذاك اتُخذ قرار بحسم هذا الموضوع وسحب هذا السلاح الموجود خارج المخيمات وتسليمه للدولة اللبنانية، وتنظيم ذاك الموجود داخلها، إلّا أنه لم يكن هناك صدى لهذا القرار خصوصاً أنه جاء قبل حرب تموز 2006 بين «حزب الله» وإسرائيل والتي كانت للسلاح الفلسطيني يد فيها.
أهمية هذه القواعد
 
بالإضافة الى قاعدة قوسايا، تحتلّ قاعدة «ينطا» في البقاع الغربي وهي إحدى أكبر قواعد السلاح الفلسطيني خارج المخيمات أيضاً، مركزاً استراتيجياً، إذ تشرف على الطريق التي يُقال إنّ إسرائيل تحاول عبورها في حال أرادت المرور من مزارع شبعا وصولاً الى طريق الشام عبر خط البقاع الغربي.
 
وتزداد أهميّتها نتيجة وجود عدد كبير من اللاجئين السوريين على هذا الخط، حيث يُقال إنّ هذه المنطقة هي بيئة حاضنة للجماعات المسلّحة التي تحاول استعمالها ممراً من الجولان في اتجاه العرقوب والى البقاع الغربي من طريق الشام. أما دورها الثاني فهو سيطرتها بالنار على قاعدة رياق الجوّية للجيش، والتي تُستخدَم في عمليات الإستطلاع التي قيل في فترة إنّ روسيا أو أميركا قد تستخدمها.
 
من جهة أخرى، تقع «رقبة» طريق المطار تحت سيف الفلسطينيين، إذ إنّ قاعدة الناعمة يمكنها أن تقطع الطريق التي تصل بيروت بالجنوب، إضافة الى وقوعها على مدخل الشوف، كما أنها تستطيع السيطرة بالنار على مطار بيروت، أي أنها تستطيع إغلاق المطار في حال قرّرت ذلك.
 
وتجدر الإشارة الى أنّ هذه القاعدة تعرّضت لأكثر من هجوم وإنزال إسرائيلي آخرها عام 1986 حين نزل الاسرائيليون في البحر وحاولوا دخولها عبر كلاب مفخّخة لتفجير أنفاقها، إلّا أنّ العملية فشلت.
 
ويُقال إنّ هذه القاعدة تحتوي على كميات ضخمة من السلاح والذخيرة، قُدِّم قسم منها لـ«حزب الله» عام 2006، كما أنّ المجموعات الفلسطينية خارج المخيمات والتي كانت تنفّذ عمليات في الجنوب تأخذ صواريخها منها.
علام تحتوي القاعدتان؟
 
هاتان القاعدتان عبارة عن أنفاق تحت الأرض، حفرتها منظمة التحرير في الثمانينات على عمق كبير، بهدف مواجهة الغارات الإسرائيلية، وفيها مراكز قيادة وتحكّم ومخازن ذخيرة، إضافة الى أماكن يستطيع المسلّحون المكوث فيها لفترة طويلة، علماً أنّ أحداً لا يعلم الى أين تمتدّ هذه الأنفاق، إلّا أنّ طولها يُقدَّر بنحو 3 كلم.
 
وبالإضافة الى الأهمية العسكرية لهذين الموقعين، قيل أنّ قاعدة الناعمة «ارتبطت» في جرائم اغتيال، خصوصاً أنها اعتُبرت رمزاً للوجود السوري في لبنان أو للقوة السورية فيه، وهو سبب إضافي في إضفاء نوع من الحساسية على هذا الملف، إذ إنه وعلى رغم صدور قرار نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، لم يستطع أحدٌ سحبه من هاتين القاعدتين، خصوصا أنهما غير خاضعتين للسلطة الفلسطينية التي غسَلت أيديها منها أثناء المفاوضات مع الجانب اللبناني في اعتبار أنّ قيادة القاعدتين تقيم في سوريا، غير أنّ التحقيقات لم تُظهر ارتباطهما بأيٍّ من الإغتيالات في لبنان.
 
وبدورها كانت «8 آذار» ضدّ حلّ هذا الملف كونه يخدم محورَها، مع العلم أنّ قاعدتَي البقاع أيضاً تعرضتا لغاراتٍ إسرائيلية، ودارت اشتباكاتٌ داخلهما في الأيام الأولى للأزمة السورية لأنّ البعض حاول الإنتفاض فيها ولم ينجح.
 
إذاً يُعتبر السلاحُ الفلسطيني المتفلّت خارج المخيمات وليدَ التوازنات التي خلقها النظام السوري أثناء وجوده العسكري في لبنان، فمثلما سعى لتقوية حركة «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في مواجهة حركة «فتح» داخل المخيمات، خلق هذه القواعد خارجها كضغط معنوي على الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية التي لا تدخل إليها، علماً أنّ هاتين القاعدتين محاطتان بالجيش وشبه مطوّقتين رغم وجود «تسهيلات» معيّنة لخروج ودخول قيادات منهما واليهما والإنتقال الى سوريا.
صعوبةُ الدخول
 
قاعدة الناعمة مجهّزة بأسلاك من الحديد ولا يسهل الدخول إليها، كما أنها ملغّمة في حال حصول عمليات تسلّل ومجهّزة بقذائف للتفجير، وغالباً ما كانت تحصل مشكلات بين سكان المناطق المحيطة والمجموعات الموجودة داخل هذه القواعد، إذ إنها والقاعدة الثانية موجودتان داخل بيئتين غير حاضنتين لهما، فالناعمة معروفة بأنها من مناصري تيار «المستقبل»، كما أنّ الشوف مشهورٌ بعدائه لهذه المجموعات، وبدورها تُعتبر المناطق المحيطة بالقاعدة في البقاع ضدّ النظام السوري بغالبيتها.
 
أعداد ضخمة
 
قبل أن يذهب بعض العناصر للقتال في سوريا، كان عددهم داخل قاعدة الناعمة يُقدّر بنحو 500 مقاتل مجهزّين بأسلحة رشاشة ويملكون مخازن أسلحة تحتوي على صواريخ «غراد» وصواريخ مضادة للدبابات وأخرى مضادة للطائرات، وكمية كبيرة من أنواع مختلفة من المدفعيات إضافة الى قطعها، وكلها موجودة في المستودعات المحفورة داخل بطن الجبل، ويُقال أنّ هؤلاء المسلّحين لا يخرجون من القاعدة، فقلّما شوهد أحدُهم.
أما في البقاع فيصعب تحديد العدد الموجود في القواعد، كونها تقع عند جانبي الحدود، وبالتالي من السهل الدخول إليها والخروج منها.
 
لكن على رغم من وجود المقاتلين، فإنه لم يُسجل تنفيذهم لعمليات كبيرة أو أيٍّ من السيناريوهات التي كانت تُحاك، غير أنّ السؤال يطرح نفسه: كيف يمكن حلّ هذه المعضلة في ظلّ غياب جهةٍ فلسطينية رسمية للتفاوض معها، وكيف يمكن «النوم» على بركان لا يعلم أحدٌ متى قد يشتعل؟
خصوصاً أنّ لوجودهم تأثيراً سياسياً أكثر مما هو عسكري ويُعتبر ورقة ضغط على لبنان للتفاوض مباشرة مع سوريا، فهل كان الإتفاق على تسليم السلاح على طاولة الحوار «فخّاً» نصبته «8 آذار» لتحقّق هذا التفاوض؟