ما عبّر عنه الزعيم وليد جنبلاط من هواجس تتعلق حصريًّا بمنطقة الجبل (الشوف وعاليه) وما لها من خصوصية مناطقية يمكن تعميمها على مختلف الأقضية اللبنانية، حيث لكل منطقة حيثية معينة أساسها البيئة المكّونة لها بتلاوينها المذهبية والطائفية، بحيث لا تخلو منطقة من لبنان من اقاصي الجنوب حت الشمال، طولًا وعرضًا مما يجعلها متمايزة عن غيرها بتركيبتها الفسيفسائية.
 
 
فالنسبية بالنسبة إلى الزعيم الدرزي تعني في مكان ما إلغاءً لبعض حضوره كمكوّن أساسي من مكونات النسيج اللبناني، وإختصارًا لدوره السياسي، الذي يمكن أن يتقاسمه مع غيره من الفعاليات الدرزية، خارج إطار الثنائية الجنبلاطية – الإرسلانية، التي طبعت مرحلة تاريخية من عمر الوطن، وبالأخص في منطقة الجبل.
ولهذه الأسباب نرى إبن البيت الجنبلاطي يستميت في محاربة النسبية بإعتباره مشروعًا إلغائيًا لحيثيته التاريخية، وهو يصرّ على التمسك بما يقدمه له القانون الأكثري من "امتيازات" لا تنحصر مفاعيلها فقط بمنطقة الجبل، في إنتظار تطبيق إتفاق الطائف بكل مندرجاته ومفاعيله غير الإنتقائية، ومن بينها إلغاء الطائفية السياسية وتطبيق اللامركزية الإدارية والسير قدمًا بمجلس الشيوخ، مع ما يعنيه كل ذلك من نقل لبنان من ضفة إلى أخرى، بما فيها من إنعكاسات إيجابية على مجمل الحياة السياسية.
 
وما يجاهر به جنبلاط من دون مواربة يجاريه فيه كثيرون، ولو من تحت الطاولة، باستثناء قلة، متكلين على معارضته للنسبية من أجل إكتمال عقد نسفه، وإن في المرحلة الراهنة، ريثما تسمح الظروف بإنضاج قانون عادل يأخذ في الإعتبار هواجس كل مكوّنات الوطن.
ولأن هامش الوقت بدأ يضيق بين موعد إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها، أي في الربيع المقبل، وبين المهل الدستورية لدعوة الهيئات الناخبة، وقد بقي منها ما يقارب الشهر، ولأن لا بوادر ممكنة لتوافق محتمل بين القوى السياسية في البلد على قواسم مشتركة لقانون إنتخابي جديد، يسود الإعتقاد أن قانون "الستين" هو الأوفر حظًا، مع إدخال تعديلات "تجميلية" عليه، على أن يقترن بشرط تُستبدل فيه عبارة "لمرة واحدة" بعبارة "لمرة أخيرة"، فيبقى القديم على قدمه، وتصاغ التحالفات الإنتخابية على هذا الأساس، وإن كانت ملامحها الأولية قد أصبحت شبه واضحة، في ضوء ما أفرزته التفاهمات الثنائية، والتي يمكن أن تتحوّل إلى أقصى حدّ رباعية، كتحالف "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" وتيار "المستقبل" و"الحزب التقدمي الإشتراكي"، في المناطق التي لكل هذه الأحزاب وجود متداخل.
 
وإستنادًا إلى ما أعلنه رئيس الجمهورية منذ يومين عن تفضيله تصويت الناخب للأحزاب وليس للإفراد فإن الماكينات الإنتخابية للإحزاب ستنشط على الأرض في حملات تجيشية وتحفيزية واستقطابية، مع ما يعني ذلك من إمكانية إكتساح اللوائح الحزبية لأغلبية المقاعد النيابية في مختلف المناطق، وذلك نظرًا إلى ما تملكه من طاقات تجييرية تصّب في مصلحة المرشحين الحزبيين، على حساب المرشحين المنفردين والمستقلين.
وفي المحصلة فإن مناخًا جديدًا بدأ يلوح في أفق الحياة السياسية تمهيدًا لمرحلة مستقبلية يكون فيها العمل السياسي مختلفًا عمّا سبقه من مراحل، وإن كان المطلوب وطنيًا الإتفاق على قانون جديد يعتمد النسبية كأساس لا بدّ منه للخروج من شرنقة إستيلاد السلطة بطرق قديمة فيها تهميش لشريحة واسعة من المواطنين الطامحين، والذين لا يجدون لهم مكانًا في القانون الأكثري.
 
أندريه قصاص