مسيرة القديس يوحنا فم الذهب حافلة بالإصلاحات التي تناولت شؤونا إجتماعية وكنسية وكانت حياته مثالا يحتذى، وبالمقارنة بين القديس يوحنا والرئيس عون هل يستطيع الرئيس استلهام أفعال القديس يوحنا للإصلاح والتغيير ؟
 


تمهيد: يشترك الرئيس عون مع القديس يوحنا الذهبي الفم أو يوحنا فم الذهب في المسار الإصلاحي الشائك، فهل يستطيع الرئيس السير على خطى القديس؟
أولاً: إصلاح القديس يوحنا فم الذهب.
هو من أئمة مدرسة أنطاكية الدينيين وأعظمهم، وُلد في أنطاكية نحو سنة ٣٤٥م ونشأ يتيم الأب، فكفلت له أمُّه تربية مسيحية منفتحة إلى ثقافة إنسانية واسعة تلقّاها عن أشهر أساتذة زمانه في الخطابة والفلسفة والقانون، تزهّد منذ سنة ٣٧٢، وبعدها بسنة حاولوا أن يرسموه كاهناً، ففرّ هارباً، وبعد وفاة أمّه غادر بيته إلى الجبال المجاورة لانطاكية طالباً التّنسُك هناك في الكهوف والمغاور، فأبلى صحته في الرياضات الروحية، واضطر للرجوع إلى مدينته سنة ٣٧٨، حيث وضع معظم مؤلفاته غير الخطابية، وأهمها المقالة في "الكهنوت"، بيّن فيها الرغبة بالخروج من حياة المشاهدة والتأمل إلى حقل العمل الرسولي والتبشيري.

 

إقرأ أيضًا: المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية اللبنانية سالم زهران
عُيّن القديس يوحنا بطريركاً على القسطنطينية سنة ٣٩٧م، فأقبل على إصلاح ما لم يكن بُدّ من إصلاحه في رعيته: فأرغم حاشية قصره البطريركي على حياة التقشُّف البعيد عن كل ترف، ومنع الكهنة من استغلال الاوقاف لمصالحهم، وحرم المتبتّلات المتعبّدات السُّكنى في أديرة يأوي إليها الرجال، وفرض على الأرامل حياةً تقيهنّ الطّعن في سمعتهن، وأعاد النظر في تنظيم الأوقاف ،فردّها إلى غايتها الأولى وهي غاية برّ وإحسان. ولم ينس التوجيه الأخلاقي الذي كان قد أخذ به في أنطاكية. وهذا ما جرّ عليه المؤامرات، فاتُّهم بالنقمة على الأغنياء والاثرياء، وهو لا يريد أن يُنكر من الغنى إلاّ الظلم الذي قد يسوق إليه، فتشكلت عليه عصابة التفت حول الإمبراطورة اودوكسيا عدوه اللدود، وكان قد عابها علناً على ظلمٍ بدا منها، حتى ساءت الأمور بين القصر البطريركي والبلاط الامبراطوري في سنة ٤٠١ ، حتى وصل "الأخوة العظام" إلى القسطنطينية سنة ٤٠٢ ،فوقعت الكارثة، وحُكم على القديس بالعزل عن منصبه والنفي عن مدينته.

إقرأ أيضًا: رفيق نصرالله من يسار الديمقراطية والاستنارة إلى الاستبداد والابادة
مسيرة الرئيس عون الإصلاحية...
شارك تيار الإصلاح والتغيير في العمل الحكومي لفترات طويلة، لم يرشح عن هذه المشاركة إصلاحٌ أو تغيير، لا بل برز إسم صهر الرئيس الوزير الدائم جبران باسيل في أكثر من ملف فساد، والطامة الكبرى أنّ باسيل نحا بالتيار العوني من شعار الإصلاح، المطلوب والمرغوب شعبياً، إلى شعارات الميثاقية، التي تنضح بالطائفية والفئوية.
بالعودة إلى أوجه المقاربة والاستدلال بين القديس والرئيس، هل يشرع عون في إرغام حاشية قصره على حياة التقشف سيراً على خطى القديس؟، وهل يستطيع منع الوزراء من استغلال نفوذهم وتنمية ثرواتهم؟ هل يستطيع أن يوقف مسيرة الفساد والهدر ، هل يستطيع أن يستردّ حقوق المواطنين المسلوبة من بين أسنان التماسيح المشرعة، هل يستطيع أن يلجم الغول الرأسمالي الفاحش في البلد، لتأمين عيش كريم، وحياة لائقة لمجموع اللبنانيين المقهورين،؟ حتى إذا شرعت قوى البغي والفساد في مؤامرات عزل الرئيس، يكون عندها، هذا الرئيس "القوي" قد حاول إصلاحاً على خطى الاصلاحيين، فأصاب وأخطأ، قبل عزله ونفيه مرةً أخرى.