بالأمس دعاني صديق لعشاء في مطعم حلبي في بيروت، وعند وصولي لهذا المطعم، وجلوسي على طاولة خشبية مرصعة، وفي جو مليء بالهدوء، تتهافت على مسامعك أنغام فيروز، لتعود فتطرب على أنغام صباح فخري، وكانت أمامنا صورا معلقة على ذاك الحائط القديم، وكنا نتساءل وبداخلنا شعور بأننا ندرك تلك الصور ونقول أنها مدينة حلب بمساجدها وكنائسها ومياهها وسمائها الصافية. 
سمِعَنا نادلُ في المطعم الذي كان قريبا من طاولتنا، وكأنه يحاول المشاركة في الحديث وهو يحاول أن يصف بلاده بتلك الكلمات المعبرة، فنظر إليَّ بعيون بريئة قائلاً: "هَيْ كانتْ حلب"، هكذا بدا مكسور الخاطر متعبا من قهر الحياة له، يحس ببعده عن وطنه وكأنه سمكة خارج بحرها. 
بهذه الكلمات أشار النادل بيده إلى صور حلب الأثرية المعلقة على ديكور هذا المطعم القديم، علّك أن زرته يوماً أو جلست فيه، فإنك ستغدو اليوم حزينا عندما ترى تلك الصور التي تبكي وأن حكت لن تقول سوى اللعنة على من فعل بها ذلك، اللعنة على نظام مجرم لم يسبق له مثيل. هي حلب التي دفعت الاثمان الباهظة في سبيل تحرير الوطن ، نظام فاسد أدخل وجذب كل محاور القتال إلى بلده بالحجة المعهودة وهي القضاء على الإرهاب، حرب دامت ست سنوات وما زالت حتى الآن .

 

إقرأ ايضًا: مارك الحلو لبنان ينتظر عودتك
سألته عن عمله الأصلي هناك وعن سبب إختياره ومجيئه إلى لبنان، قالها بحرقة وغضب وكان على وجهه الألم: "أنا مهندس للكومبيوتر وكنت أتابع دروسي في حلب، ولكن شاء القدر ورماني هنا، لأصبح عاملًا على الأراكيل في هذا المطعم، تحدثت إليه وكلي قلق ولوعة على ما حل بهذا الشعب العظيم الذي رماه رئيسه بالبراميل المتفجرة. 
قلت له :" لم أقصد أن أدمعك ولست هنا لأسايرك ولكن لن تتحسن الأمور إلا عندما يرحل هذا النظام وتبدأ الحياة من جديد، ولست هنا لأعرف إن كنت مؤيدا أو معارضا ذلك أني أعرف رأيك بلا سؤال.

إقرأ أيضًا: الزيارة الأولى لعون وقلق حزب الله
تعجب الرجل مني وقال " خيّو صدقت " وبدأ يتحسن مزاجه وهو يتحدث ببراءته ويقول لي لا يستطيع المرء إلا أن يقف مع الحق ، هذا الحق مقدس والجريمة لا تطول كثيرًا، وأن سوريا بأهلها ستبقى وسيرحل هذا النظام الفاسد ، نحن شعب فقير و"معتر" ولا تغرينا كل ثروات العالم ، إن الحق سيظهر أنا أعرف ذلك ، هذا امتحان لنا والله لن يتركنا، رئيسنا باعنا وسحقنا بدبابات حلفائه الروس، وبمشاركة حزب الله ، باعونا وقتلونا ودمروا بلدنا، وتركوا فلسطين، والله لن يتركنا.