لا بد من التوقف عند بعض الجمل التي وردت في تصريحات الرئيس ميشال عون خلال زيارته الخليجية، والمتعلقة بحزب الله ودخوله على خطّ الصراع في المنطقة. فقد اعتبر عون أن الحزب بات جزءاً من أزمة إقليمية كبرى، وأن لبنان غير قادر على التدخل في هذا الشان أو حلّ هذه الأزمة، التي تتخطى قدرة الجميع. واعتبر أنه ضد انخراط أي فريق لبناني في حروب خارج أرض لبنان. وأول ما يتوقف عنده هو اختلاف الموقف الجديد لعون عن مواقف سابقة له ولتياره تؤيد قتال حزب الله في سوريا وتوفر غطاءً له، إنطلاقاً من الموافقة على خيار الذهاب إلى مواجهة الإرهاب في سوريا أفضل من انتظار مجيئه إلى لبنان.

لا بد لأي رئيس للجمهورية من أن يتّخذ موقف عون ضد انخراط أي طرف لبناني في أي صراع خارجي، لكن هل هناك ترابطاً بين موقف عون والتطورات السورية في ضوء اتفاق وقف النار؟ لا شيء واضحاً على المدي القريب، ولكن على المدى البعيد ممكن. تشير مصادر متابعة إلى أن عون أبلغ هذا الكلام إلى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله سابقاً وقد جرى تنسيقه بين الطرفين. وتذهب المصادر أكثر من ذلك معتبرة أن هذا الموقف كان في صلب قناعة عون قبل توليه رئاسة الجمهورية، لكنه لم يكن معلناً. أما لماذا أعلن الآن؟ فلا جواب واضحاً، إنما لا بد من الأخذ في الاعتبار الظرفين الزماني والمكاني لإطلاق هذا الموقف. وهذا ما يستدعي بعض الاستيضاحات من قبل الحزب.

قد لا تكون هناك مشكلة لدى حزب الله من هذا الموقف، ولكن ذلك يطرح العديد من الأسئلة التي قد تترتب على هذا التصريح واذا ما سيُقرن بقرارات تليه. وتنعكس عملانياً في قرارات الدولة أو أداء الجيش اللبناني، أو ربما رفع الصوت عالياً إزاء ما يقوم به الحزب في سوريا.

وهناك من يعتبر أن موقف عون هو قراءة واقعية لمجريات الأمور في سوريا، وأن وقف إطلاق النار وتثبيته والدخول في مرحلة الحل السياسي، لا بد من إقترانها بانسحاب الأفرقاء غير السوريين كافة من سوريا، بمن فيهم حزب الله. وبذلك يكون عون قد عمّق تحالفه بالحزب، وفي الوقت نفسه يوحي بأن رئاسته حققت ما لم يكن بالإمكان تحقيقه. لكن هذا ليس على المدى القريب فحسب، إنما على المدى الطويل. والدليل الأبرز على ذلك هو استمرار تصعيد حزب الله في وادي بردى، وما أصبح واضحاً بروز إختلاف عميق في وجهات النظر حول سوريا بين إيران وحزب الله من جهة، وروسيا من جهة أخرى. وتقول مصادر متابعة إنه من الواضح أن سوريا ستكون أرضاً خصبة للتجاذبات السياسية والميدانية بين أفرقاء المحور الواحد، لأن روسيا أعدت طبخة غير معروفة حتى الآن بينها وبين تركيا والولايات المتحدة. وهذا ما يقلق طهران، خوفاً من أن يكون الإتفاق على حسابها أو على حساب نفوذها وما حاولت بناءه هناك.

لم يعد خافياً أن حزب الله يريد الارتياح في سوريا، بعد سنوات من القتال. وبما أن الانسحاب الكلي بعيد المدى، يفضل تقليص عديده هناك، والتضييق من رقعة انتشاره الواسعة، للاهتمام بجبهات أخرى، خصوصاً انه يتخوف من تدخل إسرائيلي على الخط، بعد هذه المعادلات، وإذا ما بقي الاختلاف الروسي الإيراني، والتقاء معين بين موسكو وواشنطن على ذلك في عهد دونالد ترامب.

وتقول المصادر: "حزب الله الآن وخلال تسوية وقف إطلاق النار هو موجود، لكن فيما بعد ولدى الدخول في المفاوضات الجدية للحل السياسي بين الدول، سيبدأ الحديث الجدي عن الانسحاب من سوريا، ويتم ترتيب ذلك، بين الحزب والنظام. وسيكون هناك مقابل لذلك، يحصل عليه الحزب لقاء تضحياته التي قدمها هناك. وحينها لن يكون الحزب الطرف المنسحب الوحيد، بل كل الجهات المقاتلة، سواء إلى جانب النظام أم إلى جانب المعارضة. ولكن حتى الآن لدى الحزب تحفظات على بعض المطالب الروسية، بما يشمل وقف إطلاق النار، خصوصاً أنه يعتبر أن لديه مناطق لا يمكن وقف القتال فيها نظراً لموقعها الجغرافي وأهميتها الاستراتيجية والأمنية، ولاسيما في محيط دمشق. فهذا بحاجة إلى حلّ، وتعذّر ذلك يعقّد الأمور.

لا شك في أن ثمة انزعاجاً إيرانياً من بعض الغموض الذي يحيط بمؤتمر الآستانة. وهذا ما قد يؤدي إلى وقوع اشكالات في مناطق معينة. وإذا لم تتم الاستجابة لمطالب طهران، وإيضاح بعض النقاط لها، وإذ ما شعرت بأنها مغبونة أو ثمة اتفاق عليها في خلال هذا المؤتمر، وما يحيط به، فحينها سيكون لديها، وفق المصادر، ورقة جديدة تلعبها، وهي تحريك جديد لجبهة الجنوب السوري. وعلمت "المدن" أن ثمة تحركات جديدة يقوم بها الحزب في المنطقة الجنوبية، وقد يفتح المعركة في أي وقت تزامناً مع المؤتمر، إذا لم تتلقَ إيران التطمينات التي تريدها. وفي حال حصولها على ذلك، فإن تلك الجبهة ستبقى مجمدة.